لقد كانت ولا زالت قضية فتح الماستر في المدارس العليا للأساتذة محل تجاذبات مختلفة بين الإدارات والأساتذة وطلبة هذه المدارس وآخرين من خارجها، والكل يعلم أن هذه المدارس (أقدمها على الأقل) كانت إلى بداية السنة الماضية تفتح فيها الماجستير في كل التخصصات بدون استثناء، ثم قررت الوزارة بألا تفتح في هذه المدارس ماجستير على أن تعوضه بالماستر في سياق التخلص من النظام الكلاسيكي. ومن المعروف أن عديد مشاريع الماستر قد قدمت في وقتها للوزارة كما فعلت جميع المؤسسات في ربيع 2016 على أساس أن توافق الوصاية على فتحها بدءا من سبتمبر 2016، لكن الوزارة راوغت المعنيين بشكل مفضوح لأنها لم تكن أصلا تنوي القيام بذلك، وحتى لا نعمم كثيرا هذه المسألة، دعنا ندقق ونتكلم عما جرى في المدرسة العليا للأساتذة بالقبة (وهذا لا يختلف كثيرا عما جرى في غيرها)، هذه العينة من الممارسات تكشف عن سوء نوايا أصحاب القرار في هذا الباب. مراوغات مكشوفة لم تَرُد الوزارة عن مشاريع الماستر المقدمة إلا بعد عيد الأضحى في حين ردت على جميع المؤسسات الأخرى في الموسم المعتاد وهو شهر جوان بل قبله ! تلك هي المراوغة الأولى، ثم جاء ردها وطلب من الزملاء، واضعي المشاريع، أن يحوّلوا اختصاصات مشاريعهم إلى اختصاص "تعليمية المادة"... كأن تطلب من أستاذ فلسفة أن يقدم مشروع ماستر في الاقتصاد، أو أن تطلب من نجّار أن يصنع لك حذاء، وما دام مسيرو الوزارة خبراء فلا شك أنهم يدركون أن ذلك مستحيل. هذا يعني أنهم تعمدوا الشرط التعجيزي كذريعة لترفض جميع تلك المشاريع عدا مشاريع التعليمية! تلك هي المراوغة الثانية. وإثر ذلك أعلنت الوصاية أنها فتحت ماستر في المدارس لذر الرماد في العيون مدعية تلبية الرغبات، والواقع أنها لم تلب لا رغبة الطلبة ولا رغبة الأساتذة الباحثين، وتلك هي المراوغة الثالثة، فالوصاية تعلم علم اليقين أن معظم طالبي فتح الماستر هم طلبة متفوقون لهم طموح مشروع في مواصلة دراستهم، وتعلم أيضا أن ذلك هو مطلب الأساتذة الباحثين المنتسبين إلى مخابر بحث بالمدرسة الذين يكونون فيها طلبة الدراسات العليا (وتعلم أن عدد هذه المخابر 14 مخبرا هي ممولتها وهي التي اعتمدتها). نذكّر أن هؤلاء الأساتذة لا يريدون أكثر من أداء مهامهم المسطرة في قانون الأستاذ الباحث ولم يطلبوا سوى إتاحة لهم الفرصة بعدم تجفيف المنبع البشري للمخابر (وهو الطالب)، بمعنى أن ما يهم الأساتذة الباحثين هو فتح ماستر في الفروع العلمية التي تخصصت فيها المخابر ومنتسبوها (الجبر، التحليل الرياضي، الفيزياء النظرية، الميكروبيولوجيا، الفيزيولوجيا، الكيمياء ... وليس في التعليمية دون غيرها). المراوغة الثالثة أن حتى الماستر في التعليميات التي قبلت قد فتحت ليس للطلبة الذين يزاولون الآن دراستهم في السنوات الأخيرة بل فتحت للطلبة الذين تخرجوا وصاروا يمارسون في الميدان! والمضحك المبكي أن في الوقت الذي شرعت فيه الدروس في ماستر الجامعات خلال سبتمبر -والآن هم يجرون امتحانات نهاية الفصل الأول، أو أكملوها- لازالت مدرسة القبة لم تغربل بعد قوائم المترشحين لتعلن عن الفائزين في التسجيل في هذا الماستر، كما أنه في الوقت الذي نجد في الجامعات تزاحما لا يطاق أحيانا للفوز بالتسجيل في الماستر نجد في القبة بعض الماستر لم يصل فيها النصاب من المترشحين إلى الحد الذي يسمح بفتحه. المرتبة السابعة لا شك أن خبراء الوزارة يدركون أن حرمان هؤلاء الطلبة والأساتذة الباحثين من فتح ماستر في تلك التخصصات يعني القضاء على الدراسات العليا بالمدرسة، وهذا يعني تحويل المؤسسة -حسب تعبير بعض الزملاء- إلى ثانوية يلقن فيها الأستاذ شيئا مما يعلم ثم يمضي إلى بيته، والآفة الأخرى أن نجباء الطلبة تُغلق في وجه طموحاتهم الأبواب بحجة أنهم مرتبطون بعقد مع وزارة التربية! وكأن تميّز هؤلاء يعني كارثة للتربية ... كذلك يراها البعض بدل أن يروها عامل رقيّ للوطن. ذلك هو موقف الوصاية من مدرسة القبة، وهي تعلم أنها كوّنت إضافة إلى الآلاف من أساتذة الثانوي والمتوسط منذ نشأتها، نقول إنها كونت فضلا عن ذلك ما يربو عن 500 حاصل على ماجستير ودكتوراه في مختلف العلوم (رياضيات وفيزياء وكيمياء وبيولوجيا وموسيقى)، والوزارة تعلم أن في سنة 2016 وحدها منحت مدرسة القبة 16 دكتوراه في مختلف هذه العلوم. وما لا تعرفه وزارتنا الموقرة في باب النشر العلمي المحكّم أن قاعدة البيانات الأمريكية الشهيرة MathScinet -التي تحصي كل ما ينشر في مجلات الرياضيات المحكمة عبر العالم- تقدم عدد البحوث التي نشرها الرياضياتيون في مختلف المؤسسات الجامعية الجزائرية لحد اليوم على أنه يساوي 5788 بحث، ونجد حصة قسم الرياضيات بالقبة في هذا الإحصاء يساوي 255 بحث (رغم قلة الباحثين فيه مقارنة مع كبريات الجامعات عبر الوطن). وإذا صنفت مدرسة القبة مع الجامعات الأخرى وجدنا المدرسة تحتل المرتبة السابعة من حيث عدد البحوث المحكمة المنشورة (وهذا دون مراعاة عدد الباحثين في كل مؤسسة)، وهي المرتبة السابعة من بين 105 مؤسسة جامعية عبر القطر، نحن هنا لا نخادع أنفسنا ولا نتباهى بالعدد فليس هناك من هو راض على الأوضاع العلمية في المدرسة وغيرها، لكننا نقدم معلومة إحصائية مبنية على مقارنة بين إنتاج مؤسسات جامعية تعيش تقريبا نفس الظروف، ومن هذا الباب فنحن فخورون بمدرستنا. ... أو صاحب مكيدة رغم هذه الإمكانيات ورغم هذه المكانة المرموقة لمدرسة القبة ارتأت وزارة التعليم العالي وقف هذا النشاط العلمي للمدرسة وتقليص دورها لينحصر في التعليمية دون غيرها، ولهذا من حقنا أن نتساءل: من المستفيد من هذا الإجراء، وعلى أية قاعدة تم اتخاذه؟ من المتضرر منه؟ ما دافع الوزارة للإقدام على مثل هذا الإجراء الذي هي في غنى عنه تماما؟ أي مكسب للبلاد سيأتي من كسر جناح مدرسة القبة بهذه الطريقة البشعة؟ تعنت الوصاية في موقفها وصل إلى حد أن عدة زملاء ممن هرموا أمام السبورات كاتبوا –كأفراد- بكل احترام وزير التعليم العالي شخصيا، وذلك عبر بريده الإلكتروني، لمحاولة توضيح ما يجري من سوء تدبير حيال المدرسة، مشيرين إلى أن الإجراء يصب ضد مصلحة مؤسستهم كمؤسسة جامعية، وأنه ضد أهداف الوزارة فلم يتلق منهم أحد ردا على التماسه بأي شكل من الأشكال! بل ذهب بعضهم إلى التعبير عن استعدادهم لمقابلته ليستمع إلى وجهات نظرهم، لكن لا حياة لمن تنادي، وأكثر من ذلك أن أحد مديري مخابر البحث، ليس نكرة لدى الطبقة العليا في الوزارة، طلب مقابلة الوزير للإدلاء بوجهة نظره في الموضوع فقوبل طلبه بالرفض وبجفاء! أمر محزن حقا حينما نشاهد في وسائل الإعلام مسؤولين في وزارة التعليم العالي يدّعون أن لهم أذنا صاغية لانشغالات مستخدميها وأنهم أهل حوار، وها هي الحقيقة تكشف المستور.
ومن هذا المنطلق، نقول إن إتاحة فتح ماستر في كل فروع المعرفة في مدرسة القبة بحكم توفرها على كل المتطلبات البشرية (المؤطرين والطلبة الأكفاء) والتجهيزات (14 مخبر بحث) مطلب شرعي لا يرفضه إلا متعنت أو ضال أو صاحب مكيدة.