تحت زخّات المطر وحبات البرد.. تحت أشعة الشمس اللافحة وحرارة الصيف الشديدة، في الليل كما في النهار يتجنّد عمّال مؤسسة صيانة شبكات الطرق والتطهير لولاية الجزائر "آسروت" حماية لأرواح المواطنين وممتلكاتهم.. عمل شاق وجاد لهؤلاء العمال جنّب العديد من الأحياء والشوارع فيضانات وكوارث قاتلة. "الشروق" تنقلت إليهم في أكبر نقطة سوداء بالعاصمة ووقفت على يومياتهم بشارع حسيبة بن بوعلي ببلدية سيدي محمد بالعاصمة، حيث تحدثنا إلى عدد من العمال وهم منهمكون في العمل الذي يباشرونه، حسب تصريحاتهم، من السابعة صباحا إلى السابعة مساء، وتداوم بعدهم فرقة أخرى من السابعة مساء إلى السابعة صباحا، فأسرّوا لنا بحوادث غريبة اكتشفوها أثناء تأدية مهامهم.
أجنة وكباش وأمور غريبة يعثر عليها الأعوان في البالوعات كشف لنا عدد من أعوان "آسروت" عن أمور غريبة يعثرون عليها في البالوعات الكبيرة، حيث سبق لهم أن عثروا في أكثر من مرة على أجنة تخلصت منها بعض الأمهات العازبات حسبهن درءا للفضيحة، بالإضافة إلى حالات أخرى قليلة تعود لسنوات خلت عثر فيها على كباش الأضاحي في فترة العيد يبدو أنها ماتت وهو ما جعل أصحابها يتخلصون منها بطريقة غير مسؤولة، وهذا ما قد يعرض الحي بأكمله إلى كارثة ويغرقه في فيضانات تخلّف العديد من الضحايا بسبب انسداد البالوعات. وتأسف هؤلاء من هذا الوضع المأساوي الذي يجعل المواطن يتخلص من نفاياته بطريقة تضر الآخرين وتضر الأعوان أيضا، فغالبا ما يعثرون على أشياء حادة كسكاكين وشفرات حلاقة وبقايا زجاج مكسر ولولا ستر الله لحلّت بهم الكارثة، بالإضافة إلى ألبسة رثّة وحفاظات الأطفال وبقايا محلات الأكل الخفيف خصوصا عجينة اليتزا التي يلقي بها التجار مباشرة في البالوعات دون تكليف أنفسهم وضعها في أكياس بلاستيكية ورميها في المفرغات العمومية. والأفظع من هذا، يقول أحدهم، عندما يصادفون أثناء عملهم كوابل كهربائية، حيث تعرض منذ أيام "عزيز" لحادث خطير كاد أن يصيبه بالضرر بعد أن هوى الفأس على كوابل كهربائية تصل طاقتها إلى حدود ال2000 فولط ونجّاه من الأمر اليد الخشبية للفأس. ويقاطع عون آخر فيقول "أحيانا نصادف في عملنا أنابيب الغاز الممررة تحت الأرض فتخيلوا ما يمكن أن يلحق بنا..". كل هذا دون الحديث عن الفئران والجرذان التي ألفها الأعوان. كل هذا يحيلنا إلى ضرورة إقرار خريطة للعاصمة قبل تدخل هؤلاء الأعوان حماية لأرواحهم وحفاظا على شبكات المياه والغاز والكهرباء من التلف.
تهوّر المواطنين والسائقين يقود الأعوان للموت والإعاقة.. ينتشر أعوان صيانة الطرقات والتطهير في مناطق خطيرة مختلفة على الطرق السريعة وفي الشوارع الرئيسية وأحيانا في المنعرجات والمنحدرات، كل هذا يضعهم في دائرة الخطر لاسيما أمام تهور كثير من السائقين الذين يقودون مركباتهم بسرعة جنونية او بعض المواطنين الذي يرمون نفاياتهم من الشرفات. وعن هذا يروي لنا العمال تعرض زملائهم لحوادث مميتة بعضهم نجا منها والبعض الآخر فقد حياته على إثرها فيما تعرض آخرون للإعاقة الأبدية. وعن هذا، وجه هؤلاء العمال نداء إلى مختلف المواطنين بأخذ الحيطة والحذر أثناء القيادة حفاظا على أرواح بريئة كل ذنبها أنها تجني لقمة عيشها بعرق جبينها.
رفع 3 طن من الفضلات من بالوعات شارع حسيبة يرفع عمال التطهير أطنانا من الفضلات والأتربة من مختلف البالوعات المنتشرة في أحياء العاصمة، وحسب تصريحات رئيس قطاع "آسروت" على مستوى بلدية سيدي محمد فإن شارع حسيبة بن بوعلي وحده ترفع منه يوميا حوالي 3 أطنان من الفضلات المتراكمة في البالوعات. وأغلب تلك النفايات تتمثل في الأكياس البلاستيكية والأوراق المرمية ومواد صلبة أحيانا تتسبب في كوارث لولا اكتشاف الأعوان لها. العمال قالوا أنهم يعملون جهدهم وينظفون تلك البالوعات يوميا، لكن عدم مبالاة المواطنين والتجار ورميهم العشوائي للنفايات "يجعل مجهوداتنا تضيع هباء ما يدخلنا في حالة استنفار قصوى بمجرد تساقط الأمطار، علما أنّ عملنا متواصل على مدار السنة حتى في فصل الصيف، عكس ما يتهمنا به المواطنون من أننا لا ننظف البالوعات إلا حينما تتهاطل الأمطار"، واستطرد هؤلاء "اتهامات المواطنين تطالنا بهتانا وزورا فارحمونا".
عملنا شريف ولا نخجل منه.. أبدى عمال "آسروت" فخرا واعتزازا بعملهم، مؤكدين أنه عمل شريف وحلال، حيث قال "عزيز" الذي يمتلك خبرة تناهز ال14 عاما "لا أخجل أبدا من عملي، فهو مصدر رزقي وأنا أقوم بخدمة للمواطنين والوطن". وأضاف زميله ابراهيم "العديد من أبناء العاصمة باتوا يقبلون على هذا العمل بعد أن كانوا يتكبرون عليه ويحتقرونه في السابق وهم زملاء جادون لنا. فتطهير الطرقات ليس عيبا، لأنها خبزتنا التي نعيل منها أسرنا". أمّا عمي علي في ال57 من العمر والذي يتنقل بين باتنة والعاصمة فقال لنا "أباشر عملي منذ 14 عاما ولم أحس يوما بالخجل منه ولم أشعر بخجل الغير من هذا العمل، بل على العكس من ذلك، أقوم به بكل فخر وقد مكنني من تربية أولادي وتدريسهم".
2227 عامل لتطهير 15 ألف بالوعة في العاصمة ينشط عمال صيانة الطرقات وتطهير المجاري المائية ضمن فرق موزعة عبر 28 ولاية في العاصمة يشرف عليها أزيد من 2227 عامل في الميدان، حيث تمتد شبكة الطرقات الحضرية على طول حوالي 720 كلم، بالإضافة إلى شبكات التطهير الممتدة على طول 544 كلم المشكلة للشبكات الثنائية والثلاثية ويقدر عدد البالوعات ب15000 وحدة.