المصاعد تزيد من معاناة المواطنين اليومية يخلق تعطل المصاعد في العمارات ذات الطوابق الكثيرة مشكلا كبيرا لدى المواطنين بالعاصمة، حيث تزداد معاناتهم مع مرور الوقت، وتتفاقم مشاكلهم مع إصابتهم بأمراض متعددة، ويئِنّون في صمت مع مرضاهم الذين يظلون حبيسي الشقق، في ظل صمت الجهات المسؤولة وتجاهلها لمعاناتهم في تصليح المصاعد التي باتت حلما عند الكثيرين. السيدة "ر" التقينا بها في مدخل عمارة بحي الساعات الثلاث بباب الوادي بالعاصمة، وهي عائدة من السوق تحمل معها بعض المشتريات، ردّت على سؤالنا عن تعطل المصعد "أين هي أيام المصعد، لقد نسيناها منذ أزيد من 15 سنة وها أنا ذا آخذ نفسا قبل أن أبدأ رحلتي إلى غاية الطابق السادس"، ودلّتنا على بعض الجيران الذين يواجهون معاناة يومية في صعود الأدراج. سيدة في الطابق الثاني عشر، أي الطابق ما قبل الأخير، قالت "لدينا أكثر من عشرين سنة لم نستعمل المصعد، وقد أثر هذا كثيرا على صحتنا" وعن معاناتها اليومية قالت "على الرغم من أنني أتجاوز 48 سنة، إلا أنني أحمل كل أمراض العظام من روماتيزم المفاصل إلى الانزلاق الغضروفي، ولم أعد أستطيع صعود الأدراج إلا بعد أخذ أقاسط من الراحة عند كل طابق، ولا أذكر كم من الوقت أستغرقه عند الصعود". وقد أجبرت هذه الوضعية الحتمية نساء العمارة على التزام الأحذية الرياضية طلبا للراحة "أصبحنا نساء مسترجلات من فرط لبسنا للأحذية الرياضية التي تريح أرجلنا، ولم يبق لنا حظا من لباس الكعب العالي وأناقته إلا في الأعراس". وأضافت أن مشكل المصاعد حرمهم من بيع المنزل الذي عرض للبيع منذ سنة "فالزبائن يتراجعون عن الشراء بمجرد معرفتهم أن المصعد معطّل". وذكرت لنا جارة ثالثة أن "المرضى حبيسو هذه العمارات نظرا لعدم توفّر وسائل نقلهم، ومن يصل منهم إلى وضع خطير، يتم نقله على الأكتاف، ومنهم من لم ينزل أدراج السلم منذ سنة". وأجمع الجيران على تأكيد خبر بيع المصاعد منذ فترة مباشرة بعد أن تعطّل المصعد، ولم يعد يحذوهم الأمل في تصليحه أبدا، خاصة وأنهم أرسلوا أكثر من شكوى لكافة السلطات المعنية، وعلى رأسها ديوان الترقية والتسيير العقاري، الذي لم يرد على مطالبهم، وتنصّل رئيس البلدية من مسؤولياته، حسب شهاداتهم. ببلدية المقرية، الأمر لا يختلف كثيرا عن معاناة سكان باب الوادي، إلا أن العمارة التي اخترنا تجريب معاناة أهلها كانت بخمسة عشر طابقا، لم تصلّح منذ عشرين سنة تقريبا، لكن الفريد في هذه العمارة أن هناك سكانا "تفضيليين"، استطاعوا أن يصلحوا المصعد ويستفيدون منه لوحدهم، هم سكان الطابق الأخير، ولدى التقائنا بالعائلة أخبرتنا السيدة القاطنة هناك "لقد صلّحنا المصعد منذ 14 سنة من حرماننا، فلما كان زوجي حيا، عرض على الجيران أن يشتركوا معه في دفع تكاليف تصليحه، إلا أن الجميع رفض، وما كان منا إلا أن دفعنا كل التكاليف، ولم نسمح للبقية باستخدامه حتى لا يتعرّض للأعطاب السابقة". وأضافت محدثتنا "أنا أعاني من أمراض كثيرة وسنّي لا تسمح لي بصعود 240 درج يوميا، وما كان منا إلا أن نرضى بدفع التكاليف بعد أن تعنّتت البلدية وديوان الترقية والتسيير العقاري في إصلاح الاعطاب". وليست هذه العمارة الوحيدة التي تعاني من هذا الوضع منذ سنوات عديدة، بل بقية العمارات الموجودة في القرب، وعن أسباب تعطّل هذه المصاعد سنوات فقط بعد تعمير تلك السكنات، تقول إحداهن ممن التقينا بها في طابق -لم نعد نذكره من فرط الإجهاد- "أن الاستخدام غير العقلاني للجيران للمصاعد هو ما عجّل في تعطيله، ناهيك عن الحمولات الثقيلة التي ينقلها البعض عبر المصاعد، وتكرار هذه التصرفات السلبية وضع حدا للخدمة في وقت وجيز، دون أن نسرد لهو الأطفال الذين اتّخذوا منه مطيّة للعبهم اليومي دون توجيه الأولياء". ويعاني السكان في مثل هذه العمارات أيضا من انصراف عاملات النظافة عن القيام بهذه المهمة، التي إن قبلن بها تكون بمعدّل مرة واحدة كل أسبوع، وهو معدّل غير كاف تنتج عنه أكوام من القامات تتكدّس عند مفرق كل السلالم. وفيما يخص المؤسسة الوطنية لتصليح المصاعد، فقد أخبرنا مديرها السيد السعيد إبراهيمي أنه من بين 10 آلاف مصعد في الجزائر هناك أكثر من النصف معطل، مضيفا أن نشاط المؤسسة لا يتعامل مع المواطنين إلا بنسبة 5 بالمئة من نسبة أعمالهم السنوية. وقال إن السبب الرئيس في زيادة عدد المصاعد المعطلة يعود إلى سنة 1982، بموجب قانون التنازل عن أملاك الدولة، ممّا سمح بتخلي المكلفّين برعاية المصالح المشتركة في العمارات، بعد أن صارت دواوين الترقية تسمح للسكان بامتلاك سكناتهم. وأدى هذا القانون إلى التخلي عن المحافظة على المصالح المشتركة، وغياب روح المسؤولية، وأمام ارتفاع تكاليف تصليحها التي تتراوح ما بين 20 إلى 200 مليون سنتيم، حسب قطع غيارها ونسبة أضرارها، بقيت دون تصليح، خاصة أن منها ما لا يمكن إصلاحه مطلقا. أما عن الأسباب التي تقف وراء هذه التعطلات، قال محدثنا "أغلبها من تصرفات الساكنين الذين لا يحترمون الطاقة الاستيعابية للمصعد ويجرؤون على نقل مواد البناء عبرها، وغيرها من السلع التي يفوق وزنها الطاقة الاستيعابية للمصعد". من جهة أخرى، مكاتب الدراسات لا تحترم المعايير الخاصة بوضع المصاعد في العمارات، ولا تضع موازاة مع ذلك حامل الأثقال، الذي يسمح للسكان أن ينقلوا المواد الثقيلة الوزن، لكن خارج المصعد، لأن رافع الأثقال يعدّ إجباريا في الدول الغربية. وقال إن العمر الافتراضي لهذه المصاعد هو عشرون سنة لتجديدها وتوفير الصيانة لها. وأشار في حديثه إلى البنايات الجديدة لمختلف المرقين، إذ يخصّصون مصاعد من ثلاثة أماكن لعمارات يفوق عدد طوابقها 17 طابقا، في حين أنه يجب وضع مصاعد بسعة 12 مكانا، لتخفيف الضغط عن المصاعد التي تتراوح طاقة استيعابها بين 350 كغ إلى 1 طن. وأوضح أن المؤسسة متعاقدة مع ديوان الترقية والتسيير العقاري في بعض الولايات التي لم تطبّق بعد قانون التنازل.