أكد الباحث صالح لغرور في الحلقة الأولى من الحوار المطول الذي خص به "الشروق" بأن الكثير من فقرات الاستجواب الذي قامت به السلطات الفرنسية، وتابعها بالترجمة وإعادة القراءة والتحليل، تبرئ المجاهد الراحل عاجل عجول من التهم الموجهة له، خاصة ما يتعلق بظروف استشهاد البطل مصطفى بن بولعيد، وقضية شيحاني بشير ورغبته في السلطة، وغيرها من المسائل التي أجاب عنها عاجل عجول خلال استجواباته مع السلطات الفرنسية، والتي يسرد الباحث صالح لغرور تفاصيلها في هذا الحوار. ما هي الجوانب التي وقفت عليها مبدئيا بعد ترجمتك وقراءتك لاستجواب عجول من طرف السلطات الاستعمارية الفرنسية؟ الشيء المهم، هو أن من العديد من الفقرات تزيح بصفة نهائية بعض الاتهامات الموجه خصوصا لعاجل عجول، وأحيانا لعباس لغرور، من خلال بعض شهادات المجاهدين، وكتابات بعض المؤرخين تخص أحداثا هامة من تاريخ الثورة، وفي مقدمة ذلك ظروف استشهاد القائد بن بولعيد. . كيف تم هذا الاستجواب؟ كاتب التصريحات التي تضمنها الاستجواب هو من المصالح الفرنسية، وهي مترجمة شفويا من طرف شخص كان يستمع إلى عجول الذي كان يتحدث بالعربية. ما هي الجوانب التي تضمنها هذا الاستجواب؟ الوثيقة التي تحصلت عليها، هي من أصل عدد من الاستجوابات التي خضع لها عجول، وكل استجواب يتكون من صفحتين إلى ثلاث صفحات مكتوبة بالآلة الراقنة. من جهة أخرى، فإن الأسئلة الموجهة إلى عجول غير مدونة في وثائق الاستجواب. هل شملت الاستجوابات جميع المسائل التي كان فيها عجول محل اتهام؟ هذه الوثائق تم جمعها في أكثر من 200 صفحة، لكن لم أتمكن من الحصول على جميع الصفحات. كما لم أحصل للأسف على الاستجوابات التي يتحدث فيها عن مهمة مبعوث لجنة التنسيق والتنفيذ إلى الأوراس- النمامشة. وكذا قضيته مع عميروش أثناء مجيئه إلى الأوراس. ما يجب التأكيد عليه هو أن عجول كان يروي للفرنسيين أمورا وقعت بين مرحلة انخراطه في الحركة الوطنية سنة 1951 إلى سنة 1956، أي أن كل ما كان يرويه كان معظمه معروفا من طرف المصالح الفرنسية، وهذا بشهادة الفرنسيين أنفسهم. ماذا قال عجول حول اجتماع لقرين الذي عقد قبل أسبوع عن اندلاع الثورة؟ قال ما يلي: "بتاريخ 18 أكتوبر تقريبا، وصلتني رسالة من طرف غمراسي الطاهر بن انويشي يدعوني فيها إلى الذهاب إلى المكان المسمى "لقرين" الواقع في دوار أولاد عمر بن فاضل في بيت المسمى عبد الله بن مزيطي، الوقت المحدد للوصول إلى هذا المكان قصير جدا (يوم أو يومين). أعرف عبد الله الذي كان مسؤولا عن أولاد أعمر بن فاضل. ذهبت وحدي، والتحقت في الموعد المحدد، فوجدت شيحاني بشير وغمراسي الطاهر بن نويشي وخنطرة محمد، ثم وصل فيما بعد مصطفى بن بولعيد، وبشير مسؤول الخروب الذي يصحبه، وبعد ذلك وصل لغرور عباس. هل ذكر أبرز تفاصيل هذا الاجتماع؟ وصف عاجل عجول أجواء عقد اجتماع لقرين بفقرة تبدو مفصلة بناء على سؤال قدم له في هذا الجانب، حيث قال للسلطات الفرنسية "اخبرنا مصطفى بن بولعيد بأننا سنؤدي اليمين كما فعل سابقا كل المجندين، وأنه سيعلن خبرا مهما جدا، كنا جالسين على فراش من "الحلفا". وضع بن بولعيد المصحف على الأرض وفتحه، وأدى اليمين هو الأول قائلا: إنه لن يخون القضية الإسلامية، وسيذهب إلى ابعد الحدود (اوبو). بعده جاء دور كل واحد منا، أقسمنا بالمصحف أن نطيع بن بولعيد طاعة عمياء. وهكذا اخبرنا هذا الأخير أن اندلاع العمل المسلح قد حدد يوم 1 نوفمبر 1954، ثم أدينا اليمين مرة أخرى، بأن لا نفشي هذا التاريخ لأي شخص ولو للثوار...". ما هي قراءتك لهذه الرواية؟ مادام أن عجول تلقى رسالة يوم 18 أكتوبر والتحق بقرين بعد يومين من ذلك، فهذا يعني أن اجتماع لقرين عقد بين 20 و 22 أكتوبر، وفي هذا الاجتماع أعلن بن بولعيد أمام المجتمعين بموعد اندلاع الثورة يوم الفاتح نوفمبر، طالبا بحفظ السر، وهو ما يؤكد أن هذا الخبر أعلن عنه لأول مرة في اجتماع لقرين، وليس في اجتماع الستة الذي عقد بين 25 و 26 أكتوبر (أي بعد حوالي 4 أيام من عقد اجتماع لقرين بالأوراس). كيف تعامل عجول مع إلقاء القبض على مصطفى بن بولعيد وهروبه من سجن الكدية؟ يقول عجول: "عندما كنت في تادمايت، قرأت منشورا مكتوبا بالفرنسية والعربية، وزع من طرف لغرور كرد لمنشور الإدارة الفرنسية حول فرار بن بولعيد من السجن. هذا المنشور يهنئ فرار بن بولعيد ويسخر من الإدارة الفرنسية التي لم تتمكن من إبقائه في السجن". ويقول أيضا: "كتبت رسالة إلى القيادة العامة، طلبت منهم أن يتأكدوا من بن بولعيد نفسه عن ظروف فراره من السجن، وأن يطلبوا منه برفق بأنه بعد غيابه الطويل عليه أن يتصل بالقيادة العامة التي استمرت في الجهاد. ثم أكد أن رسالة وصلته من بن براهيم وبن شايبة تؤكد أن بن بولعيد لم يتغير". كما يقول عجول: كاتبت علي بعزي، وطلبت منه أن يطيع مصطفى بن بولعيد، ونفس الشيء بالنسبة لمسعود بن براهيم. وماذا عن لقائه ببن بولعيد بعد هروب هذا الأخير من السجن؟ لقد وصف عاجل عجول حيثياته كما يلي: "وصل بن بولعيد إلى مقر قياد عطاف خلال الأيام الأولى لشهر جانفي 56 مع بن عكشة وبن براهيم وبن شايبة وقاسمي محمج وبرحايل وعزوي، وشخصان لا أعرفها، وسي محمد طبيب ومحفوظ إسماعيل. وعند وصول بن بولعيد إلى عطاف اعتذر عن عدم إخباري بقدومه رغم أن رسالة وصلته مني". ويضيف عجول خلال استجوابه: "كان يعتقد أني عضو في القيادة العليا"، كما قال بأنه اعتذر لبن بولعيد، لأنه لو علم بقدومه لخصّص له استقبالا في مستوى شخصيته. هل هناك نقاش مفتوح بين الرجلين لتوضيح الأمور؟ يقول عاجل عجول بأن بن بولعيد صرح له :"فيما يخص وقف التمرد، فإن الإدارة الفرنسية اتصلت به عن طريق المحامي الباتني معاليم الذي تحادث معه باسم السلطات الفرنسية عن إمكانية وقف التمرد بالأوراس، فرد عليهم بن بولعيد: "لقد غادرت التمرد منذ شهور طويلة قادة آخرون جاؤوا بعدي لقيادة الأوراس، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لقد توسع التمرد خارج الأوراس، وبالتالي فإنه ليس بإمكاني الحصول على النتائج المرجوة من طرف الإدارة...". هل عادت الأمور إلى نصابها في نظرك؟ حسب مضمون الاستجواب، فإن عاجل عجول أكد بأنه "بعد هذه المناقشة الهامة عرضت على بن بولعيد ولمدة يومين، كل ما جرى أو وقع منذ أن غادر الأوراس، وكيف أنابه شيحاني بشير، وكشفت له ظروف محاكمته وكذا إعدامه". هل هناك رد فعل من بن بولعيد بعد أن اخبره عجول بنبأ اغتيال شيحاني؟ عجول قال بأن بن بولعيد أفشى له أنه أثناء سفره إلى طرابلس تحفظا من شيحاني بشير، بناء على حديث لعزوي مدور الذي يعد محل ثقة بن بولعيد، وتخوف مسبقا من تولد مشاكل عويصة، وطلب من عزوي أن يفتح عينيه، لكن يقول عجول أن عزوي لم يخبره لا هو ولا عباس لغرور، ومضمون هذا الكلام ورد في الصفحة 134 من الاستجواب. هل لك قراءة معينة بخصوص أسباب وظروف إعدام شيحاني بشير؟ المؤكد أن اغتيال شيحاني بشير لم يكن لأسباب جهوية كما يروج له البعض، لأن الجميع يعرف المستوى الثقافي والقيادي لشيحاني بشير، كما أنه كان مسؤولا حتى قبل اندلاع الثورة التحريرية، إعدام شيحاني له أسبابه وظروفه، وتم بعد محاكمة مفتوحة، ولم يتم في ظروف غامضة كالذي قامت به لجنة التنسيق والتنفيذ ضد قيادات أوراسية مثل عباس لغرور ولعموري ونواورة وغيرهم هل تضمن الاستجواب إمكانية تحفظ عجول من سيناريو هروب بن بولعيد من السجن؟ يقول عجول: "لقد ناقشت مع عباس لغرور احتمال المهمة التي كلّف بها بن بولعيد من طرف الإدارة الفرنسية أثناء لقائنا الفارط، لم نكن مبدئيا ضد اتفاق مع فرنسا، خصوصا وأننا نعتقد أنه في يوم ما سنتوقف عن التمرد، كنا نخشى أن يخفي عنا بن بولعيد لعبته ويحقق من طرف واحد اتفاقا مع الإدارة الفرنسية، بالنظر إلى وضعنا "المزدوج" والمبهم، كنا حقا لا نريد أن نكون في وضع صالح بن يوسف الذي لم يكن فقط عدوا للسلطات الفرنسية، لكن أيضا للسلطات التونسية. فاتفقنا أن نجعل بن بولعيد يثق فينا حتى نتبنى نفس الموقف إذا أراد الالتزام باتفاقية مع فرنسا. وماذا عن ملابسات وظروف استشهاد مصطفى بن بولعيد؟ لقد قال عجول في هذا الجانب ما يلي "بينما مازال عباس لغرور في العطاف، وتناقشنا معا أسباب سكوت مصطفى بن بولعيد، فلا أحد من رجالنا المكلفين بالاتصال تمكنوا من الاتصال به، حيث أن كل الرسائل التي أرسلناها له بقيت دون رد. كيف كان رد فعلهما في هذه الحالة؟ عجول قال بأنهما اندهشا واستغربا، فلغرور حسب عجول يعتقد بأن مصطفى بن بولعيد سافر إلى منطقة القبائل، وهو الشيء الذي أعارضه –يقول عجول- لأنه لو سافر لأخبرنا بذلك. ويقول عجول "في تلك الظروف قال لي عباس لغرور أنه لن يستطيع البقاء متأخرا في العطاف، وعليه الالتحاق بالنمامشة، لانتظار لجنة التحقيق التي تم إرسالها أثناء اجتماع 25 فبراير إلى سوق أهراس. وفي هذا الصدد طلب مني (لغرور) زيارة المسمى قاسمي محمد في مشونش، والذي حسبه (عباس) سيعطي لي أخبارا عن مصطفى بن بولعيد". ماذا بعد ذلك؟ عجول أكد بأن لغرور أعطاه تقييم للوضعية في سوق أهراس، مضيفا بالقول "وصلت رسالة من طرف المحققين إلى عباس لغرور وهم: دونة عمار وعثماني عبد الوهاب والعيفة عمار، يقولون فيها بأنه من المستحيل أن يعودوا في الوقت المحدد، فهم في حاجة إلى وقت أطول للحصول على دلائل الاتهامات المتبادلة الموجهة لكل من الوردي قتال وجبار عمر ونواورة عبد الله، وبالفعل تحصلوا (مبدئيا) على بعض المعلومات، لكنهم يخشون أن لا يقبل المتهمون المثول أمام "القيادة العامة". ورد عليهم لغرور بأن يبقوا هناك الوقت اللازم وأن يفرضوا أنفسهم تجنبا لمناورة المسؤولين. في هذه الظروف غادر كلا من لغرور عباس وفرحي ساعي مرفقين باثنين من بين طلاب قسنطينة الأربعة وهما: حمزة بن عمران وسي محمد (كربجة عبد العزيز)". وماذا عن الوجهة التي اختارها عاجل عجول؟ تحدث عن نفسه قائلا "أما أنا فقد غادرت متجها إلى مشونش، وتوقفت في "سرا لحمام" (قرية تابعة لكيمل)، حيث التقيت بمسؤول قسم أولاش، المسمى سلاطنية عبد الكريم، والذي أخبرني بأن قائده أو مسؤول منطقة مشونش قاسمي محمد بن مسعود هو في جولة في منطقة جمورة (سلاطنية عبد الكريم قتل في سيدي عقبة في بداية جانفي 1957)، فقررت عدم الاستمرار في طريقي، وسلمت رسالة لسلاطنية راجيا أن يسلمها إلى قاسمي. أقول في هذه الرسالة: ''يجب أن ألتقي بك باسم القيادة العامة، التحق بي في عطاف إذا استطعت، أو أخبرني عند وصولك إلى مشونش حتى أزورك.. عند وصولي عطاف قررت تغيير مقر قيادتي، لأن الحرارة قد بدأت (ماي 1956). فاستقريت في عين الدفو، حيث يقع هذا المكان في غابة في اتجاه جبل فرار بين هذا الجبل وجبل بوشدار. ومباشرة بعد استقراري في عين ادفو وصل قاسمي محمد بن مسعود مصحوبا بمجموعته، وبن شايبة علي وممرض إسمه عبد الحميد. ماذا حدث بعد ذلك؟ قال عجول "سألت قاسمي.. لماذا ذهب إلى جمورة؟، فأجاب بأنه ذهب هناك لزيارة الجرحى الذين تم نقلهم من جبل الأزرق إلى ''مستشفى" جمورة المسير من طرف عبد الحميد. قال لي بأن الجرحى هم الناجين من انفجار جهاز راديو يشغل بالبطارية وقع منذ شهر ونصف. هل نفهم بأن عجول لم يكن على علم بخبر استشهاد مصطفى بن بولعيد؟ يقول عجول في هذه الفقرة: "روى لي بن شايبة علي الذي كان يضع ضمادة على جبهته ظروف الانفجار، اتركه يتكلم: ''كنا كل مسؤولي ناحية آريس في الجبل الأزرق: كان بن بولعيد مصطفى سيعقد اجتماعا هاما، وكان الحاضرون هم: بن بولعيد مصطفى، أنا شخصيا (بن شايبة)، العمراني عبد الحميد (أخ المحامي)، بن عكشة محمود، قبائلي يسمى فوضيل، بن عكشة عبد الرحمان، بعزي علي، غمراس الطاهر بن النويشي، عبيدي حاج لخضر، بن عكشة محمد الشريف، نواورة أحمد، عزوي أحمد وأحد أفراد عائلة مدور، بن بولعيد عمر، قاسمي محمد بن مسعود والبعض الآخر.