رَحم الله الشهداء أولا في شهر الشهداء هذا، وشهر عيد النصر الذي كان عنوان الانتصار، والثناء على مَن بقي حيا من المجاهدين المخلصين مِمَّن كتب الله تعالى لهم طول العمر إلى يوم الناس هذا.. هي حقيقة ينبغي أن نقولها مهما كانت خيبة أملنا صغيرة أم كبيرة مما لم يتحقق. ينبغي ألا نقف عند حد اللّوم على التقصير والضعف أو الانحراف عن الخط، بقدر ما علينا أن نتطلع إلى المستقبل ونسأل: كيف بإمكاننا نحن أبناء الجيل الجديد بناء وطننا أفضل منهم؟ لقد قاموا بما قاموا به، الذين استشهدوا حرَّروا البلاد والعباد من ربقة المستعمِر وهم عند ربهم يُرزقون، والذين كُتبت لهم الحياة قاموا بما قاموا به، أصابوا أحيانا وأخطأوا أخرى، تلك سُنَّة الحياة، فما الذي علينا نحن أن نفعل وقد بات كل هؤلاء على عتبة النهاية؟ ما الذي على أبناء هذا الوطن المخلصين أن يفعلوه وقد شارف آخر المجاهدين الأحياء على الثمانين، وتجاوزت أغلبيتهم هذه السن، أليس من واجبنا أن نعترف لهم بالقدرة على الصمود إلى اليوم رغم كل المتاعب والأعباء؟ أليس من حقهم أن يسألونا: وهل ستحمون البلد أفضل مِنَّا وتكونون خير خلف؟ أليس من الأصح أن نَطرح على أنفسنا السؤال الصعب والصريح: كيف باستطاعتنا أن نكون في مستوى تضحيات الشهداء وصمود المجاهدين بدل أن نتيه في إلقاء التبعات واللوم عليهم بعد الذي فعلوه؟ أليس الانغماس في نقد الآخر بدل تحمُّل المسؤوليات هو عنوان ضعف لا قوة؟ لعل الوقت قد حان اليوم ليبرهن الجيل الجديد على أنه بحق قادر على حماية البلاد من كل المخططات الهادفة لتحطيمها سياسيا وثقافيا واقتصاديا، وقادر على تصحيح الاختلالات التي عرفتها خلال العقود الماضية في جميع القطاعات، وقادر على أن يكون أفضل مِمَّن ينتقدهم اليوم، إن في مجال التسيير أم البناء أم الحافظ على المكتسبات... هل يستطيع؟ هل توافقونني الرأي أن المهمّة ليست سهلة، بعد غياب كبار الدار كما يقول المثل الشعبي، وأنه بحق "إذا غاب الكبير غاب التدبير"، مهما نظرنا إلى هذا الكبير بأنَّه خرِف أو هرم أو لم يعد قادرا على فهم الجديد؟ هل توافقوني الرأي أن تَحمُّلَ مسؤولية بلد في حجم الجزائر ليس بالأمر اليسير، فما بالك لو أن الهدف كان تطويرها وحماية الإنسان فيها، وفوق كل هذا وذاك الوفاء للشهداء؟ لعلي أسارع إلى الإجابة ربما مع بعضكم: حقا المهمة صعبة، ولكنها ليست مستحيلة ونحن كأجيال جديدة أهلٌ لها.. ألم يُحوِّل آباؤنا وأجدادنا حلم الاستقلال إلى حقيقة؟ هل نعجز عن أن نَصنع من تلك الحقيقة آمالا نجسدها ميدانيا لغيرنا من القادمين؟