".. علينا الانتصار، علينا أن نبدأ مجددا بتحقيق انتصارات.. عندما كنت صغيرا كان الجميع يقول: إننا لا نُهزَم أبدا في حروب، هل تذكرون؟.. أميركا لم تكن تخسر أبدا، واليوم لا ننتصر في أي حرب".. هكذا تحدّث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام حُكَّام الولايات، يوم 27 فيفري الماضي، مقترحا زيادة "تاريخية" في ميزانية الجيش الأميركي، قدّرتها مصادر البيت الأبيض ب54 مليار دولار، وكل هذا من أجل الإيفاء بوعده الانتخابي، والمتمثل في الحفاظ على أمن الأمريكيين.. والسؤال هنا: هل من علاقة تجمع بين قرار الرئيس ترامب ومصير الجيوش العربية؟. كل المعطيات تشير إلى أن ترامب يدفع بالولاياتالمتحدة إلى قيادة العالم، بما تملكه من قوة عسكرية، مُتخلياًّ أو مُبعِدا لقوتها الناعمة، على اعتبار أن الأولى العسكرية بالنسبة له تمثل الأخذ والكسب والربح، والثانية، يعتبرها عطاء ومجانية وخسارة، خاصة وأن الحياة الأمريكية بأبعادها الثقافية والفنية والاجتماعية وحتى التكنولوجية تجتاح معظم دول العالم، وهو في كل ذلك يربط القوة العسكرية بالبُعد الأمني، وبناء عليه لم يعد المشروع الأمريكي للتغيير الديمقراطي في الدول العربية ولا تغيير أنظمة الحكم، ضمن أجندته، إلا إذا أصرَّت دولُ المنطقة، وخاصة السعودية وتركيا، على التحالف مع الولاياتالمتحدة من أجل إسقاط نظام بشار الأسد مثلا، وفي هذه الحالة عليهما أن يدفعا لأمريكا ماديا ويدعمانها لوجستيا، مقابل إشرافها وتزويدهما بالخبرة. ما تمَّ إنفاقه عربيا على الجيوش خلال العام 2016 بلغ 15% من مجموع الإنفاق العسكري العالمي البالغ 1.57 تريليون دولار، وكل تلك الأموال أُنفِقت لهدم أركان الدول العربية، لا لحماية الدول القُطرية من تمدد وانتشار الأوضاع المضطربة التي تشهدها عدة دول عربية أخرى. والواقع أن تركيز ترامب على محاربة الجماعات الإرهابية وخاصة داعش، يعني أن الحروب الأمريكية المقبلة ستكون على أراضينا، على أن تدفع تكاليفها الدولُ العربية شاءت أم أبت ونتيجة لذلك سيحدث أمران: الأول سيزيد الإنفاق العسكري في الدول العربية بما يحقق زيادة في مبيعات الأسلحة وتنشيط مصانع السلاح الأمريكية، والثاني: وضع الجيوش العربية، خاصة تلك التي تعيش تحت أوزار الحرب، تحت رقابة الجيوش الأمريكية وتصرفها وأوامرها. من ناحيةٍ أخرى، فإن التصريحات الصادرة عن البيت الأبيض، تشير إلى أن كل الوزارات الأمريكية، باستثناء تلك المرتبطة بالأمن، ستشهد خفضا لموازناتها مع تقليص كبير للمساعدات الدولية، وهذا يعني التركيز على الجبهة الداخلية، التي يحميها في نظر ترامب الجيشُ والمؤسسة الأمنية، وعلى خلفية ذلك يمكن للرئيس الأمريكي الدفاع عن الزيادة في دعم ميزانية الجيش، مع أن الإنفاق العسكري للولايات المتحدة في العام الحالي بلغ 622 مليار دولار، وتشكل هذه النفقات 3,3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وهي أكبر بثلاث مرات من نفقات الصين، ثاني قوة عسكرية عالمية، وأكبر ثماني مرات من روسيا، حسب أرقام معهد "سيبري" السويدي، الأمر الذي يجعلها على رأس قائمة الإنفاق العسكري في العالم، بما يعادل حوالي 40% من إجمالي الإنفاق العالمي. وعلى الرغم من ذلك، فقد تحدَّث قادة عسكريون أميركيون في شهر فيفري الفائت أمام الكونغرس عن جيش بات ضعيفا جرَّاء سنوات من الإمكانات المالية غير الكافية، وذلك على خلفية تقليص الرئيس السابق الديمقراطي باراك أوباما النفقات العسكرية مُستفيدا من انسحاب القوات الأميركية من العراق وأفغانستان، كما أرجعوا ضعفه أيضا إلى انخراط الجيش لأكثر من عقدين في النزاع، ومع هذا، فإن الولاياتالمتحدة حسب التقرير السنوي لمعهد "هلسنكي" لدراسات السلام 2015 لا تزال تحتل المرتبة الأولى عالمياً في الإنفاق الدفاعي، لتستحوذ على 31% من سوق السلاح العالمي، تليها روسيا بحصة تقدر ب27%، ثم الصين وفرنسا وبريطانيا. وفي تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام لعام 2015، نجد أن الولاياتالمتحدة ظلت متربعة على قمة الإنفاق العسكري إذ أنفقت 596 مليار دولار على الأسلحة عام 2015، تليها الصين التي أنفقت 215 مليار دولار، ثم السعودية التي تصدَّرت المركز الثالث عالمياً؛ إذ قدَّر المعهد إجمالي ما أنفقته المملكة ب87.2 مليار دولار، وتصدّرت روسيا، حسب تقييم المعهد، المركز الرابع بإجمالي نفقات 66.4 مليار دولار، ثم بريطانيا في المركز الخامس بإجمالي نفقات 55.5 مليار دولار. الإنفاق العسكري العربي سيكون للحماية؛ أي لحماية القوات الأمريكية المُرابطة في المنطقة أو الخاصة بالتدخل السريع، فمثلا مطاردة قيادات "القاعدة" أو "داعش" ستُدْفع كلها على حساب ميزانية الجيوش، ونتيجة لهذا الوضع ستُصبح مصلحة أمريكا هي العليا، والقائد العسكري الآمر الناهي للجميع هو: ترامب. إن كل الأرقام السابقة تشير إلى أن ترامب ورث قوة عسكرية، ويريد اليوم مزيداً من القوة من خلال رفع ميزانية الجيش، وهذا من أجل تحقيق أهداف اقتصادية، حتى لو اعتبر الجيش الأمريكي في المستقبل قوة تدخل أو مرتزقة، الأهم بالنسبة له أن تكون دولته قويّة، وهذا على عكس ما نراه في كثير من الدول العربية حيث الدعوة إلى إبعاد الجيوش، والتقليص من ميزانياتها، وتحميلها كل أخطاء الأنظمة الحاكمة، وما تمَّ إنفاقه عربيا على الجيوش خلال العام 2016 بلغ 15% من مجموع الإنفاق العسكري العالمي البالغ 1.57 تريليون دولار، وكل تلك الأموال أُنفِقت لهدم أركان الدول العربية، لا لحماية الدول القُطرية من تمدد وانتشار الأوضاع المضطربة التي تشهدها عدة دول عربية أخرى. بعد هذا كلّه، وبعيدا عن لغة الأرقام، يبدو أن الوضع العامّ للجيوش العربية سيتَّجه نحو مزيدٍ من التعقيد لثلاثة أسباب، الأول: أن الأوامر العسكرية الخاصَّة بالحرب والسلم في دولنا ستأتي من قادة البنتاغون مباشرة، وهذا لا علاقة له بالخيانة، بل ربما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا، والثاني: أن مصادر السلاح ستكون أمريكية بالأساس، وعلى دول عربية مثل الجزائر أن تعيد النظر في التسليح وصفقاته، والثالث: أن الإنفاق العسكري العربي سيكون للحماية؛ أي لحماية القوات الأمريكية المُرابطة في المنطقة أو الخاصة بالتدخل السريع، فمثلا مطاردة قيادات "القاعدة" أو "داعش" ستُدْفع كلها على حساب ميزانية الجيوش، ونتيجة لهذا الوضع ستُصبح مصلحة أمريكا هي العليا، والقائد العسكري الآمر الناهي للجميع هو: ترامب.