يكشف وزير الخارجية التونسية، خميس الجهيناوي، الدوافع الكاملة لتوقيع بلاده مع الجزائر على اتفاق أمني جديد، ويرد مسؤول الدبلوماسية التونسية في هذا الحوار الخاص مع الشروق، على هامش ترؤسه وفد بلاده في لجنة المتابعة الجزائريةالتونسية، المنعقد في الجزائر، على القراءات التي أشارت إلى وجود "دبلوماسية موازية" يقوم بها الشيخ راشد الغنوشي في الملف الليبي. ويؤكد الجهيناوي أن لقاءات الغنوشي مع المسؤولين الجزائريين لم تتطرق إلى الملف الليبي أصلا، وأمنيا ينفي المتحدث بصفة قطعية وجود قواعد عسكرية أجنبية في بلاده، من منطلق أن "تونس لن تكون أبدا مصدر خطر لجارتها الغربية". واشتمل الحوار على مواقف تونس من القضايا الإقليمية خاصة الملف السوري، وكيفية تعامل تونس مع رعاياها المنخرطين في التنظيمات الإرهابية بالخارج.
تم الإعلان عن توقيع مشروع اتفاق التعاون الأمني بين الجزائروتونس، ماذا سيحمل هذا الاتفاق الجديد، هل التحديات والمخاطر في المنطقة سرَّعت الوصول إلى الاتفاق الجديد؟ هذا القطاع مهم جدا للتعاون بين البلدين، هنالك تعاون كبير ومكثف ومثمر بين مختلف الأجهزة الأمنية التونسيةوالجزائرية، من الطبيعي في ظروف كالتي نعيشها اليوم، أن تكثف الجارتان تعاونهما في هذا المجال، وهذا الاتفاق هو لبنة إضافية لما تم إمضاؤه والتوافق عليه في العديد من المناسبات السابقة، لتدعيم وتعزيز التعاون بين البلدين، في المجال الأمني وخاصة في مكافحة الإرهاب.
هنالك اتفاق وتأكيد على أن العلاقات بين البلدين قوية واستراتيجية، لكن هناك بعض المنغصات، ومن ذلك ضريبة دخول التراب التونسي التي تم إلغاؤها، والحديث عن قواعد عسكرية غربية في بلادكم، علاوة على ما سمي بالدبلوماسية الموازية؟ ننطلق مما تفضلت به، وهو أن العلاقات بين البلدين استراتيجية، وأعتقد أنه في الفترة هذه لم تعرف العلاقات الجزائريةالتونسية، تميزا كما عليه الآن، هنالك تعاون أمني وكثافة في تبادل الزيارات على مختلف المستويات. بطبيعة الحال، في حال وجود علاقات مميزة وبهذا الحجم، في بعض الأحيان تظهر بعض الإشاعات هنا وهنالك، لمحاولة التشويش على العلاقات، لكن المؤكد أن العلاقات بين البلدين والحكومتين متميزة، علاقات البلدين ليست وليدة اليوم، وتونس لما وقع التغيير في 2011 كانت الجزائر من الدول الأولى التي ساندتنا في الانتقال السياسي. ما حصل بخصوص ضريبة 30 دينارا، نؤكد مرة أخرى أنها لم تكن موجهة إلى الجزائر، بل مست كل الأجانب الذين يقصدون تونس، ولما ظهر أن الأمر قد يسبب قلقا لإخواننا الجزائريين رفعنا تلك الضريبة. أما الحديث عن قواعد عسكرية أجنبية، فهذا كلام ليس له أساس من الصحة، والإخوة في الجزائر من مسؤولين على اختلاف مناصبهم يعرفون هذا الأمر، يستحيل أن تكون تونس قاعدة أو مركزا خلفيا لأي كان. تونس رفضت مسألة القواعد لمدة 60 سنة، لما كان هنالك خلاف بين الشرق والغرب، حينها تونس لم تقبل هذه القواعد، فكيف اليوم والعلاقات متميزة مع الجزائر، وهي تحمي ظهر تونس وتونس تود أن تحمي ظهر الجزائر، وهنالك مصلحة مشتركة، لأن عدونا اليوم وهو الإرهاب هو عدو مشترك لنا معا، المخاطر المحدقة بتونس هي نفسها الأخطار المحدقة بالجزائر، لا يمكن أن نفكر أبدا أن تكون تونس مصدرا لأي نوع من الخطر على الجزائر. الحقيقة أن الكلام عن قواعد أجنبية ببلادنا تافه ولا يستند إلى الحقيقة في شيء وهو لغو.
وصفت المنغصات بأنها شائعات تقف وراءها جهات ما، ما الأطراف التي يزعجها صفاء العلاقات بين البلدين؟ لا أستطيع أن أقول من بالضبط، نحن نعيش في مجتمع إقليمي ودولي مضطرب، بطبيعة الحال دولة بحجم الجزائر وحجم تونس تقيمان علاقات لمصلحتهما، بطبيعة الحال تكون هنالك أطراف ترى فيما تم التوصل إليه بين تونسوالجزائر أنه في غير مصلحتها، لكن الأكيد أن بوصلة البلدين واضحة.
تتحدث عن صفاء وتميز العلاقات في الجانبين السياسي والأمني، لكن هذا السمو لا يشمل الجانب الاقتصادي والمبادلات التجارية بينهما محدودة، لماذا؟ هذا التشخيص صحيح. طموحنا أكثر من هذا وأعتقد أن الطموح مشترك، لأن أفق التعاون وإمكانياته كبيرة جدا، وتحدثت في الأمر مع أخي عبد القادر مساهل، وقلنا إنه لا بد أن نكثف الاتصالات بين رجال أعمال البلدين. اقتصاد البلدين تطور بصفة مختلفة وبالتالي ضروري أن نجد قاعدة مشتركة تكاملية، نقاط القوة في الاقتصاد التونسي يمكن استغلالها لدعم العلاقات التجارية والصناعية مع الجزائر، ونفس الشيء بالنسبة إلى الجزائر، هنالك وعي لدى الطرفين لتعزيز التعاون، يبقى الآن للفنيين والخبراء تحديد المجالات والنظر في كيفية تعزيز هذا التعاون، والمؤكد أن مجال التعاون كبير جدا. هنالك جانب آخر، ويتعلق بتنمية المناطق الحدودية، في تونس أنشأنا ديوانا لتنمية الحدود، ونترقب اجتماع الطرفين لإنشاء برامج ومشاريع مختلفة في المناطق الحدودية.
المسألة الليبية هم مشترك كذلك للبلدين، ما التأثير الذي خلفته الأزمة الليبية سياسيا وأمنيا واقتصاديا على تونس؟ الملف الليبي موضوع مهم جدا بالنسبة إلينا، لأن هنالك علاقات قوية بين البلدين، لنا حدود مشتركة وهي مفتوحة، وهي فرصة لليبيين للتنفس في الخارج، والعلاقات التونسيةالجزائرية لا تضاهيها سوى العلاقات التونسية الليبية، وبطبيعة الحال أن ما يجري في ليبيا له تأثير مباشر علينا. اقتصاديا ليبيا كانت الشريك الثاني لتونس بعد الاتحاد الأوروبي وهذا التعاون الآن اضمحل، ونتيجة لانعدام حكومة مركزية، أصبحت ليبيا اليوم ملاذا للتنظيمات الإرهابية، وهذا يمثل خطرا على الليبيين أنفسهم وكذلك على تونس والمنطقة كلها بما في ذلك الجزائر، لذلك ارتأى الرئيس الباجي قايد السبسي أن يقوم بمبادرة، وبدأت من الجزائر، هذا البلد الذي له عزيمة ومصلحة في استقرار ليبيا، ثم انتقلنا إلى مصر، وخلال الاجتماع الأخير 19 و20 فيفري الماضي، تم إقرار إعلان تونس، ويتضمن دعم الحل السياسي، وهذه فلسفة علينا أن نعمل على كيفية مساعدة الليبيين على تجاوز خلافاتهم أولا باتخاذ التوافق فيما بينهم، ونرفض كل ما هو حل عسكري. الحل لن يأتي إلا بالحوار بين الليبيين مهما كانت اختلافاتهم، وتواجدهم سواء كانوا في الشرق أو الغرب أو الجنوب، لا بد على الليبيين أن يجلسوا إلى طاولة الحوار في إطار ليبي ليبي، لن نفرض عليهم حلا، نحن نساعدهم، كون مصلحة دول الجوار أن يكون هذا الحزام السياسي الذي يدفع الليبيين إلى إيجاد حل لهم، وأن يكون حلا شاملا يجمع ولا يفرق، ويدفع عنهم شر وخطر الإرهاب، مسؤولية دول الجوار في اتصالات مع جميع الأطراف الليبية، الجميع يستعمل الأوراق التي يملكها ونقارن بيننا نتيجة الاتصالات حتى نصل لكيفية نجمع بها الليبيين، وبرعاية من الأممالمتحدة، الحل في ليبيا يهم الليبيين أنفسهم، ويهم الأممالمتحدة، حيث إنها هي التي ترعى المشاورات.
على هذا الأساس، هل اتفاق الصخيرات لا يزال ساري المفعول؟ اتفاق الصخيرات هو الأساس، وهو الوثيقة التي تجمع الليبيين، لا يمكن أن نستغني عنه، ونبدأ من جديد، الاتفاق توافق عليه الليبيون وبه نقائص بطبيعة الحال، لكن هذه مسألة تهم الليبيين، عليهم أن يجتمعوا لبحث كيفية تجاوز النقائص، من خلال التعديل والتنقيح، هذا دورنا كدول الجوار.
الأزمة الليبية، لم تعد بيد دول الجوار فقط، هنالك فاعلون دوليون كروسيا التي استقبلت حفتر على حاملة طائرات والسراج بموسكو، هل يزعج هذا الدور للفاعلين الدوليين، الذي يمكن أن تستقوي به بعض أطراف الأزمة الليبية؟ ننطلق من مبدإ أن الحل بيد الليبيين أنفسهم، دول الجوار لهم مسؤولية هامة في الملف الليبي، لأسباب جيو استراتيجية وجغرافية وتاريخية، أما الأطراف الأخرى فتساعد، ونحن في اتصال بها، كإيطاليا، وروسيا التي تحدثت مع وزير خارجيتها، السيد الرئيس الباجي أجرى زيارة إلى إيطاليا، أنا في اتصال كذلك مع وزراء خارجية عدد من الدول، وكذلك يتم الأمر في الجزائر، الجميع يحاول مساندة الليبيين، لكن يجب أن نقول لهم إن المسؤولية الأساسية لكم، ولن يأتي الحل من الخارج.
الأوراق الأخرى التي تحركت، بعض الأحزاب خاصة الإسلامية، الشيخ راشد الغنوشي يستقبل مدير ديوان الرئاسة أحمد أويحيى، والغنوشي جرى استقباله لأكثر من مرة من الرئيس بوتفليقة، المعروف أن السياسة الخارجية يضعها الرئيس وينفذها وزير الخارجية، هل التحرك الذي حصل تعبير عن دبلوماسية موزاية؟ لا توجد دبلوماسية موازية، الدبلوماسية هي الدبلوماسية، سواء في تونس أم في الجزائر أم في أمريكا، الدبلوماسية تقوم بها أجهزة الدولة، ويقوم بها أول مسؤول منتخب من الشعب التونسي وهو الرئيس، وتقع هذه المهمة على شخص وزير الخارجية، وقلنا بصفة واضحة والكلام كذلك للرئيس الباجي، إن السياسة الخارجية مسؤول عنها وزير الخارجية، الوزير من يتكلم باسم تونس في الخارج، إذا كان الجهد في إطار دعم هذه السياسة الرسمية التونسية التي يصيغها رئيس الجمهورية وينفذها وزير الخارجية، كل ما يأتي في هذا الدعم سواء من السيد الغنوشي وغيره من الأطراف التونسية، والجزائرية لدعم السياسة الرسمية التونسيةوالجزائرية المصرية نحن معه ولا مشكلة لدينا.
بعبارة أوضح، لا تشكل لكم إحراجا هذه اللقاءات؟ اللقاءات التي تمت بين الجزائر والغنوشي، لا أعتقد أنها تمت في إطار الأزمة الليبية، لا علم لنا بأنها خصصت للملف الليبي، الشيخ راشد قدم إلى الجزائر في زيارة، ثم زاره السيد أحمد أويحيى كرد للزيارة الأولى.
معذرة، لكن أويحيى التقى بالصلابي ببيت الغنوشي؟ قيل لنا إن الزيارة أتت في إطار نشاط حزبي ورد الدعوة التي أداها السيد أحمد أويحيى، وبالتالي بصفة رسمية ليست لها علاقة مع ليبيا، المبادرة من أجل حل الأزمة الليبية هي التي قدمها الرئيس الباجي وتقوم بتنفيذها وزارة الخارجية.
بالنسبة إلى الاستقبالات التي يحظى بها الشيخ راشد من طرف الرئيس بوتفليقة، ألا تشكل لكم حرجا؟ لا حرج بالنسبة إلينا، الرئيس بوتفليقة صديق التونسيين، وله علاقات متميزة مع الرئيس الباجي، وبالتالي ليس لنا أي مشكل، لأننا نعرف ما يريده الرئيس بوتفليقة، ونعرف صدق نواياه.
اتحاد المغرب العربي يعرف عجزا بالغا وأصبح هيكلا دون روح بحسب مراقبين، وملك المغرب أعلن ما يشبه نهايته في خطابه الأخير بأديس أبابا، هل ما زالت الفرصة لبعث الروح فيه؟ هي فرصة وأعتقد أنها أمور حتمية، اتحاد المغرب العربي والاندماج ليس مشروعا مرتبطا بفترة معينة، ولكن هو مطلب لشعوب المنطقة من بداية القرن العشرين، وبالتالي هو مطلب استراتيجي، سنجتمع بداية شهر أفريل في المغرب على مستوى وزراء الخارجية، وفي لقاء غير رسمي بتونس لمزيد من التفكير والتعمق في الإشكاليات المطروحة.
الوضع مشابه كذلك في الجامعة العربية، التي عجزت عن حل مشاكل المنطقة في سوريا إلى اليمن، وقبل ذلك احتلال العراق، هل تونس لا تزال تعول على هذا الفضاء، ونحن قرب انعقاد قمة أخرى بالأردن؟ ما هو البديل أمامنا.
الشواهد تقول إنها فشلت؟ نعم فشلت، لكن علينا القول إن الجامعة مظلة، وهل الأممالمتحدة نجحت في كل شيء؟ نفس الشيء للجامعة العربية، حققت أشياء كثيرة، ولها إنجازات هامة تحققت، يجب علينا التفكير في كيفية تفعيل المنظمة، ولماذا لم تحقق أو تنجح في حل القضية السورية؟ وملفات أخرى. الآن هنالك وعي مشترك، أعتقد أن القمة القادمة ستكون مناسبة للتفكير في هذه المواضيع ونتمنى أن تبقى الجامعة تشتغل بنسبة معينة عوض أن ننهيها، ونصبح دون غطاء، الجزائر ستتولى رئاسة مجلس الجامعة العربية، ولا يمكن أن تتحدث وأنت كصحفي جزائري عن فشل الجامعة في ظل الرئاسة الجزائرية.
هل تونس مع عودة مقعد سوريا؟ ليست تونس التي تقرر، الجامعة التي تقرر.
أسائل عن صوت تونس من المسألة ككل؟ لدينا علاقات مع سوريا، ولنا بعثة موجودة، ولما يرتئي العرب أن تعود سوريا إلى مكانها الطبيعي وهذا هو مكانها الطبيعي، سوريا دولة عربية، ولا يمكن أن نرضى أن تكون سوريا خارج الإطار العربي، عندما يرى العرب أن سوريا يجب أن تعود، تونس ستكون من بين الدول العربية الداعمة، لكن يبقى أن هذه المسألة هي قرار عربي مشترك.
الإحصائيات تتحدث عن عدد كبير من التونسيين الموجودين في مناطق الصراع، خاصة سورياوالعراق، كيف ستتعاملون معهم؟ الحديث عن عدد كبير من التونسيين في بؤر التوتر هو كلام يتطلب التثبيت، هذا كلام أشيع ولم تأت أي إحصائية رسمية، سواء من تونس أم الأممالمتحدة أم طرف آخر توثق الرقم، نعم هنالك تونسيون يقاتلون في الخارج استغلوا الظرف، خاصة ضعف الدولة بعد التحول عام 2011، لكن القول إن عددهم بالآلاف خاطئ. أعتقد أن عددهم بالمئات، وعن كيفية التعامل معهم فيستند إلى قانون مكافحة الإرهاب، يحولون إلى التحقيق إذا ثبتت الأدلة في حقهم يحولون إلى المحاكمة.
الجزائر عرفت تجربة المصالحة الوطنية، هل من الممكن استنساخها في الحالة التونسية؟ أعتقد أن الموضوع غير مطروح حاليا، كل من ارتكب جريمة يحاسب عليها، أما إذا ارتأى مجلس نواب الشعب إيجاد المصالحة، فهذا شأن الأحزاب السياسية والقيادة التونسية، وفي الوقت الحالي يجب محاسبة كل من اضطلع بعمل إرهابي.