مواقع أثرية مهملة "قصر لافيجيه".. من منارة علمية إلى وكر للفساد سبعة قصور تاريخية، ثلاثة أحصنة من العهد العثماني، حراس المحروسة، الشاطو، أول كازينو، وأول نادي بحري وأول مصنع للاسمنت والبيت الذي شهد الاجتماع التاريخي للقادة الستة.. معالم تشهد على عمق بلدية الرايس حميدو "لابوانت" التاريخي ونضال أبطالها وسجل تاريخي حافل بتعاقب الأحداث التاريخية الكبيرة، معالم تتعرض اليوم للتخريب والإقصاء والاعتداء، وهي كلها جرائم في حق التاريخ العريق للشعب الجزائري.. الشروق وقفت عند هذه المعالم التي تحتضر يوما بعد يوم في انتظار من ينقذها من الزوال. منزل اجتماع القادة الستة.. بين مساومات المالك وغياب وزارة الثقافة لم يسلم المعلم التاريخي الذي الذي شهد اجتماع القادة الستة: كريم بلقاسم وديدوش مراد ورابح بيطاط والعربي بن مهيدي ومصطفى بن بولعيد وبوضياف، من الإهمال، فهذا المعلم شهد الاجتماع التاريخي لهؤلاء الأبطال قبيل اندلاع الثورة التحريرية المباركة في ال 23 أكتوبر 1954، ونتج عنه تقسيم الجزائر إلى خمس مناطق عسكرية، ومنه تحرير بيان أول نوفمبر، وكذا تحديد فاتحه موعدا لإطلاق أول رصاصة. وحسب مصدر موثوق، فقد طالبت البلدية العائلة المالكة، باسترجاعه هذا المنزل، لكن المالك رفض التنازل عنه بأي شكل من الأشكال، لكن مؤخرا قبل التنازل عنه مقابل 9 سكنات وفي مكان لا يقل جمالا ولا أهمية عن مكان وجود هذا المنزل، وهذا ما جعل البلدية عاجزة عن تلبية طلبه واسترجاع المعلم.. الشروق زارت المكان وبالضبط الغرفة التي تم فيها الاجتماع، فوجدت أن الشكل المعماري القديم للمنزل قد تم تغييره بما في ذلك تلك الغرفة، وأمام عجز البلدية اتجهت هذه الأخيرة حسب ما أكده رئيسها إلى وزارة المجاهدين من أجل الحصول على أية صيغة لاسترجاع المنزل لكن دون جدوى. سبعة قصور ضخمة ضاربة في عمق التاريخ في خبر كان! تعرف القصور السبعة لبلدية الرايس حميدو بالعاصمة وضعية كارثية تكاد تقضي على معالمها، بسبب الإهمال والظروف الطبيعية القاسية، التي أثرت بشكل كبير على حالة هذه المعالم وساهمت في القضاء على رونق وجمال شكلها، قصور وقفت عبر العصور سدا منيعا في وجه الحملات العسكرية الغربية، في وقت كانت تستعمل منارات عسكرية حامية للمحروسة، على غرار قصر أكبر قادة البحر في الجزائر آنذاك قصر الرايس حميدو، قصر بوعمار أو الأميرة "لافيجيه"، "حصن الدفاع البحري"، و"الكرنيش"، وقصر بربروس. ومما زاد الطين بلة هو تحول بعض هذه القصور، خاصة قصر الرايس حميدو إلى مأوى لعدة عائلات، عبر كل تاريخ الجزائر، وبعد كفاح طويل استرجعتهم البلدية، بعد مفاوضات مع السكان وترحيلهم منها سنة 2006، ويظهر جليا لكل من يدخله الحالة المزرية التي آلت إليها، جدران الغرفه المتعددة وتناثر الخزف الذي زينت به ساحاته وأقواس صدر باحته، أما حديقته فلا أثر لها اليوم، إلا مساحات خضراء تحيط به.. تحججت وزارة الثقافة بعدم وجود طريق معبد يوصل الجهة المرممة له، خاصة وأنه يتموقع في أعلى الجبل، فقامت السلطات المحلية بتعبيد طريق يوصل لباب القصر، لكن لغاية اليوم لم تتحرك الوزارة المعنية بأي شكل. "الشاطو" أو قصر لافيجيه من جريمة ال o.a.s إلى جريمة السلطات.. ومن منارة علمية إلى وكر للفساد المعلم الأثري الآخر الذي طالته أيادي التخريب ولفحات الكوارث الطبيعية، قصر "لافيجيه" الذي يمتد جزء كبير منه داخل البحر، وشيدته أميرة فرنسية وأهدته ل"لاكيير"، أول رئيس بلدية لبولوغين، هذا الأخير جعله مؤسسة علمية، مما أصبح يشكل منارة علمية لسنوات طوال، وبعد ذلك استعملته منظمة الجيش السري، إبان الاستعمار الفرنسي كمركز لتعذيب الجزائريين، وقتلهم ورميهم مباشرة في البحر، وفي سنة 1962، فجرت المنظمة جزءا منه، ضمن جرائمها المرتكبة في حق الجزائريين، لتأتي بعدها المحاولات العديدة من قبل المواطنين الذين اتخذوه مقرا لهم سابقا، فهو بدوره اليوم يعاني من اهتراءات قد تطمس آثاره في أي لحظة، وتعصف بالشكل الهندسي العجيب الذي شيد به، كما أنه يعتبر حاليا وكرا للآفات الاجتماعية ومركزا لممارسة مختلف أنواع الفساد بعيدا عن أعين الناس، حيث أطلق عليه هؤلاء الشباب ممن يرتاده العديد من القصص والشائعات كشائعة أنه مسكون وأن لا أحد يستطيع الدخول إليه وذلك لإخلاء المكان واحتكاره، وكما تنازلت عنه الدولة ضمن قانون التنازل عن أملاكها عام 1993، لمواطن بمبلغ رمزي، استرجعته البلدية عن طريق القضاء مطلع هذه الألفية، وتم الاتفاق مع إحدى الشركات الإماراتية من أجل الاستثمار فيه كمعلم حضاري، لكن بسبب عدم التوصل لاتفاق فيما يتعلق بنوعية هذا الاستثمار ألغي المشروع، غير أن مريديه من الباحثين عن الفساد لم يتخلوا عنه. حراس المحروسة.. دون حارس! معلم الأحصنة الثلاثة التي كانت تسمى حراس المحروسة، والتي خصصت للدفاع البحري والمراقبة، هو معلم جمالي أيضا، وكانت الأحصنة ثلاثة لكن اليوم اختفى أو سرق منها اثنان ولم يبق إلا واحد، شاهدا على جريمة سرقة في حق التراث العالمي، يضاف إليها الحالة المزرية المتمثلة في اهتراء الحصان البحري وتشوه شكله الجمالي، كما أنه مهدد بالسرقة هو الآخر في أي لحظة. مشاريع سياحية ثقافية ضخمة تقبع في رفوف الوزارات قدمت بلدية الرايس حميدو مشروعين سياحيين كبيرين يتمثلان في فندقين خمسة نجوم يتسع كل واحد ل120 غرفة، لاستعمالهما بغرض سياحي ثقافي محض حسب رئيس المجلس الشعبي البلدي، كما تتسع مساحة موقف السيارات فيه إلى 250 سيارة، ويحتويان على عدة مطاعم، ومرافق ثقافية تبرز الوجه الحضاري لهذه المدينة، كما يوظف هذا المشروع أكثر من 500 موظف دائم، إضافة إلى ترميم المسرح الروماني الموجود بهذه الولاية، لكن هذا الأمر بقي كمشروع فقط، حيث عرض على وزارة السياحة منذ أكثر من 3 سنوات، ولغاية اليوم لم تعط قبولا أو رفضا للمشروع. مراسلات الرايس حميدو مجرد صدى توجهنا إلى رئيس بلدية الرايس حميدو، بوجمعة زعيوى، محملين بالعديد من التساؤلات والاستفسارات عن الوضعية التي آلت إليها هذه المعالم، أمام مرأى السلطات المعنية بترميمها والحفاظ عليها، وبدوره أكد أن بلديته قامت بمراسلة الجهات المعنية بالأمر عدة مرات، تستعجلها فيها بترميم كل معالم الرايس حميدو، خاصة التي تشهد تدهورا خطيرا، وذلك حفاظا عليها كإرث تاريخي وحمايته من الضياع، وعلى رأس هذه الهيئات وزارة الثقافة ومديرية الثقافة على مستوى ولاية الجزائر، وكذا وزارة السياحة، لكن دون جدوى، مضيفا أن هذه الجهات وكلا حسب موقعها وعدت بعملية ترميم لهذه المعالم، غير أن ذلك لم يعد أن يضاف إلى بقية الوعود، فقد مرت سنوات على تاريخ الوعود، لكنها بقيت مجرد وعود. كما جددت البلدية حسب زعيوى مطالبها المتعلقة بتعجيل عملية الترميم للحاق ما تبقى وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن دون جدوى تذكر. أول نادي بحري وأول كازينو وأول مصنع اسمنت ونجوم الفن مروا من هنا تشتهر بلدية الرايس حميدو بأسبقية بناء بعض المنشآت المعالم مثل أول كازينو الذي كان وجهة لعشاق الحبر والقلم وقبلة لهواة الفن بمختلف أشكاله، والملقب بالكورنيش، مثل المغنية الفرنسية الأسطورة إيديث بياف، وصاحب رائعة نجمة كاتب ياسين، وكذا تشارلز نامو، وفيرنوندال سيدعلي الموسيقي العالمي، إضافة إلى ضمها لنخبة من الفنانات والفنانين الجزائريين، على غرار فضيلة الدزيرية، العنقا، بوجمعة العنقيس، يحيى بن مبروك.. من هنا مروا، وتركوا بصماتهم، لكن لم تجد هذه البصمات من يثبتها من أجل التاريخ، ويسهر على توصيلها للسائح أو حتى الاهتمام بها والوقوف دون زوالها.. كما تحتوي هذه البلدية على أول ناد بحري كان أيضا وجهة لكبار الشخصيات العالمية والوطنية، وأول معلم اسمنت كان مصدر الدول الأوروبية لهذه المادة، واليوم هو يشتغل، لكن بالطريقة التقليدية، وأمام هذا الإهمال تبقى هذه المعالم تعاني وتنتظر التفاتة من المسؤولين.