مع اقتراب موعد جولة الحسم في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، بدأ النقاش يحتدم حول الدور الذي يمكن أن تلعبه الجالية الجزائرية بهذا البلد، لاسيما وأن أحد المتسابقين في هذه الانتخابات، هي زعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبان. ويكمن اهتمام الجالية الجزائرية بهذه الانتخابات في عداوة لوبان لها ولغيرها من ابناء الجالية المسلمة عموما، وهو ما يستدعي وقوفها وقفة رجل واحد من أجل قطع الطريق عليها قبل وصولها إلى قصر الإيليزي، وهذا يتطلب منها دعما غير مشروط لمنافسها إيمانويل ماكرون، الذي زار الجزائر وأثلج صدور أبنائها بتصريح مثير أحدث جلبة في فرنسا عندما جرّم الاستعمار، فهل تدرك الجالية الجزائرية حقيقة الدور المنتظر منها يوم السابع ماي المقبل؟ وهل تجندت لقطع الطريق على لوبان؟ ومتى تتجند هذه الجالية لفرض نفسها ك "لوبي" ضاغط قادر على حماية مصالحه انطلاقا من مثل هذه المحطات؟ هذه الأسئلة وأخرى سيحاول "الملف السياسي" لهذا العدد الإجابة عليها.
الجزائر في مسيرة الفائزين في سباق الإيليزي ماكرون على خطى أسلافه! طرحت الزيارات التي اعتاد المترشحون للانتخابات الرئاسية الفرنسية القيام بها إلى الجزائر قبل موعد أي استحقاق رئاسي، تساؤلات عن خلفية المساعي من هذا القبيل، والتي أدرجها غالبية المتابعين في سياق مغازلة الجالية الجزائرية، عبر حكومة بلادها أملا في استمالتها يوم الاقتراع. وباتت هذه المسألة سمة الاستحقاقات الرئاسية الثلاث الأخيرة، وقد بدأها الرئيس السابق، نيكولا ساركوزي، الذي زار الجزائر عندما كان يتقلد حقيبة الداخلية في حكومة جاك شيراك بينما كان يستعد لخوض السباق في عام 2007 كمرشح عن حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، ثم فرانسوا هولاند في 2012 كمرشح عن الحزب الاشتراكي، وأخيرا في فيفري المنصرم (2017) إيمانويل ماكرون، كمرشح عن حركة "إلى الأمام". ولم يقتصر سباق المترشحين للانتخابات الرئاسية الفرنسية إلى زيارة الجزائر تحسبا لطبعة 2017، على إيمانويل ماكرون الذي حظي باستقبال خاص من قبل مسؤولي البلاد، بل زارها مرشحون آخرون من أحزاب أخرى، على غرار المرشح ألان جوبي عن "حزب الجمهوريين" الذي خسر السباق في الانتخابات الأولية، وكذا "أرنو مونتبورغ" عن الحزب الاشتراكي، الذي لقي أيضا المصير ذاته. واللافت في الأمر هو أن كلا من ساركوزي وهولاند خاضا السباق الرئاسي وفازا فيه، كما أن ماكرون يبدو أن تربعه على قصر الإيليزي أصبح قضية وقت، لأن فرنسا كلها أعلنت تحالفها ضد منافسته مارين لوبان، ما يعني أن التساؤل عن خلفية زيارات هؤلاء المرشحين إلى الجزائر تبدو أكثر من مبررة. وإن كانت للجزائر جالية كبيرة في فرنسا، إلا أن دولا أخرى مجاورة وبعيدة لها جاليات بهذا البلد، مثل المغرب وتونس، وكثير من بلدان إفريقيا السوداء، إلا أن تركيزهم على الجزائر أعطى الانطباع بأن هناك أمرا ما في المسألة. لا شك أن للجالية دورا بارزا في القضية، فالجزائريون المقيمون بفرنسا ومهما حاولت معاهد الإحصاء التقليل من أعدادهم (800 ألف ناخب حسب إحصائيات فرنسية شبه رسمية)، إلا أن التقديرات المحايدة تشير إلى أن أعدادهم أكثر من ذلك بكثير، وهو ما يجعل كلمتهم مؤثرة في حال اصطفوا خلف أحد المترشحين أو قرروا قطع الطريق على آخر. غير أن السؤال الذي يطرح هنا هو: هل اعتادت الجالية الجزائرية التصويت ككتلة واحدة في الانتخابات السابقة، وهل ستصوت هذه الفئة من الجزائريين كذلك في جولة الإعادة يوم السابع من ماي المقبل بين ماكرون ولوبان؟ أم أنهم سيذهبون إلى صناديق الاقتراع مشتتين؟ وقبل ذلك هل لدى أبناء الجالية استعداد للتعاطي إيجابا مع توجيهات قد تأتيهم من حكومة بلادهم؟ ومعلوم أن الإطار الذي كان يمثل قناة الربط بين الجزائر ورعاياها في فرنسا، ممثلا في "ودادية الجزائريين بأوروبا"، قد اندثر في أعقاب التحولات السياسية التي شهدتها البلاد في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، غير أن ذلك لا يعني بالضرورة انقطاع التواصل بين الطرفين، مادام هناك آليات أخرى للتواصل مثل القنصليات والمساجد وجمعيات المجتمع المدني، التي تتلقى دعما بطريقة أو بأخرى من دوائر جزائرية. ويذكر أحد إطارات السابقة بوزارة الشؤون الخارجية، في تصريح ل"الشروق"، أن الجالية الجزائريةبفرنسا كانت محل تجاذبات بين الجزائر وباريس في استحقاقات سابقة، حيث سبق أن وقفت الجالية ضد الرئيس الفرنسي الأسبق، فاليري جيسكار ديستان، وكان من نتائج هذا الموقف انتقام هذا المسؤول من الجالية بتوقيعه قرارات ترحيل نحو ثلاثين ألف مهاجر جزائري، ولعل هذه الحادثة هي التي جعلت الطرف الجزائري يتحاشى الكشف عن أجندته بإعلانه دعم هذا المرشح على حساب آخر، اللهم إلا إذا تعلق الأمر بمارين لوبان، مرشحة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة، التي لا يمكن التسامح معها بالنظر لمواقفها المعادية صراحة للمهاجرين وللجزائريين على وجه التحديد.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر لزهر ماروك: لهذه الأسباب فشلت الجالية الجزائرية في تكوين لوبي قوي بفرنسا تحولت الجزائر إلى قبلة للمترشحين للانتخابات الرئاسية الفرنسية، ولعل زيارة إيمانويل ماكرون التي كانت في فيفري الأخير، أبرز مثال، لماذا؟ في البداية؛ يجب أن أقول إن زيارة المرشح الفرنسي الأوفر حظا في الانتخابات ايمانويل ماكرون إلى الجزائر شكلت محطة حاسمة لعدة اعتبارات، خاصة وان هذا الأخير أبدى رغبة شديدة في إقامة علاقات جدية وقوية بين فرنساوالجزائر، ولعل تصريحاته المجرّمة للاستعمار الفرنسي أفضل مثال على ذلك، فماكرون ينظر إلى الجزائر على أساس أنها محطة قوية وهامة في مساره السياسي، لذلك فالقول إن بلادنا تحولت إلى قبلة للمترشحين الفرنسيين قبل الانتخابات، هذا أمر عادي جدا على اعتبار أن صناع القرار في البلدين يعملون على توطيدها، لاسيما في ظل تواجد لوبيات معادية لمصالح الجزائر في فرنسا. هناك من يقول إن هذه الزيارات تستهدف استمالة الجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا والتي تعد بالملايين، ما تعليقكم؟ بالفعل هناك مصالح مشتركة بين الجانبين، وماكرون يدرك ذلك، وهو ما جعله يبحث عن دعم الجزائر له من خلال الجالية الجزائرية التي تعد من أهم الجاليات في فرنسا، كما أن المرشح الفرنسي الأوفر حظا مقارنة بمرشحة اليمين مارين لوبان، يسعى لتعزيز البعد الاقتصادي بما يخدم مصالح فرنسا، في حال وصل إلى قصر الإليزي، فضلا عن المصالح السياسية التي يبحث عن تحقيقها على غرار الملفات الأمنية العالقة كملف ليبيا ومالي واليمن وسوريا، ونفس الشيء بالنسبة للجزائر التي تبحث عن الدعم الدبلوماسي لمصالحها السياسية والاقتصادية، على اعتبار أنها تمر بمرحلة صعبة جراء تراجع أسعار النفط، وفرنسا تدرك ذلك وتعمل على حماية حصتها هي الأخرى في الجزائر، حيث توجد 400 شركة فرنسية في الجزائر تعاني من منافسة شديدة. لكن هناك جاليات أخرى توصف بالكبيرة (المغرب وتونس وبعض البلدان الإفريقية)، فلماذا لا يزورون هذه الدول مثلا؟ يجب أن نعلم أن الجزائر هي بلد محوري في المغرب العربي وشمال افريقيا، وهي تتمتع بكل الإمكانيات المادية لتكون دولة قوية وفاعلة، والجالية الجزائرية في فرنسا باعتبارها أكبر الجاليات، تجعل من الجزائر دولة مهمة في العلاقات الفرنسية الجزائرية مقارنة بالدول الأخرى بما فيها دول المغرب العربي، ولذلك يمكن القول إن هذه الأخيرة تحظى باهتمام كبير من قبل بعض المترشحين الفرنسيين الراغبين في اعتلاء كرسي الإليزي. هل تعتقدون أن للسلطات الجزائرية قدرة على توجيه جاليتها بالخارج للتصويت على مرشح بعينه؟ بكل صراحة، الجالية الجزائرية حسب العارفين لم توظف كل إمكانياتها الكبيرة باعتبار انها أكبر جالية في فرنسا من أجل الضغط لتحقيق مصالحها هناك على عكس بعض الأقليات التي تسعى للتموقع في الخارطة الفرنسية، وتكون بذلك عنصرا فاعلا في صنع القرار، والسبب برأيي هو غياب الإطار الرسمي وغير الرسمي لمتابعة الجالية وتنظيمها كقوة سياسية داخل المجتمع الفرنسي لتدافع عن انشغالاتها، وتكون ورقة سياسية رابحة في يد الجزائر. ويمكن القول إن طبيعة العلاقات الجزائرية الفرنسية هي التي تجعل صناع القرار في البلدين يهتمون بملف الانتخابات، خاصة وان هناك لوبيات معادية لمصالح الجزائر تضغط في فرنسا. الجالية الجزائرية وبالرغم من كثرة عددها، إلا أنها لم تتمكن من تكوين لوبي ضاغط قادر على حماية مصالحها.. لماذا؟ من اسوإ مظاهر العلاقات الجزائرية الفرنسية هي أن الجزائر لا تتوفر على لوبي قوي سواء داخل الإدارة الرسمية الفرنسية أو في وسائل الإعلام الفرنسية التي لا تترك أي فرصة لها كي تهاجم الجزائر حكومة وشعبا، كما أن هناك أوساطا فرنسية نافذة لا تزال تكن الكراهية للجزائر، وتفضل المغرب كشريك استراتيجي رغم أن 60 بالمائة من مصالح فرنسا هي في الجزائر وليس في المغرب.
الدبلوماسي السفير السابق كمال بوشامة: ماكرون أرحم للجزائريين.. وجاليتنا قادرة على قلب الطاولة تحولت الجزائر إلى قبلة للمترشحين للانتخابات الرئاسية الفرنسية قبل كل موعد، ولعل زيارة إيمانويل ماكرون التي بادر بها شهر فيفري الأخير، أبرز مثال على ذلك.. لماذا؟ أعتقد أن ذلك يندرج في إطار الاهتمام بالماضي والتاريخ المشترك وعلاقة الجوار، ففرنسا تتموقع في الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، والجزائر في الضفة الجنوبية، كما أن للجزائر دورا فعالا في إفريقيا ولها صيت كبير سواء في المغرب العربي، أم في القارة ككل، ويمكن القول إنها هي التي تقود قاطرة القارة، كما أن الحديث عن الحقبة الاستعمارية يجعل من الجزائر دولة شديدة الأهمية بالنسبة إلى فرنسا، وأنا أرى أن كل هذه الأسباب تجعل المرشحين للانتخابات الفرنسية يستعجلون زيارة الجزائر ويولون لها أهمية كبيرة، من بينهم المرشح إيمانويل ماكرون. هل يعتقد المترشحون ومنهم ماكرون، أن الجالية الجزائرية قادرة على قلب المعطيات عند التصويت لطرف معين؟ نعم الجالية الجزائرية كان لها دور في الماضي، وقادرة اليوم على قلب المعطيات في فرنسا، فهؤلاء يعيشون هناك ويسمعون ويرون كل ما يحدث ولهم الحق في التصويت، وأعتقد أن الكثير سيصوتون لصالح ماكرون، على حساب لوبان. هناك من يقول إن هذه الزيارات تستهدف استمالة الجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا التي تعد بالملايين.. ما تعليقكم؟ لا يمكنني الحكم على زيارة إيمانويل ماكرون شهر فيفري الماضي إلى الجزائر، هو وحده يعرف المغزى من هذه الزيارة، ولكن حتى إن كان هدفها كسب ود ورضا الجزائريين، فلسنا ضد الفكرة بحكم أنه أحسن وأرحم للجزائريين، هناك من منافسته على كرسي الإليزيه، على الأقل هو شاب لم يتورط في الماضي الاستعماري، ولا خلفية له بهذا الشأن، وحتى مواقفه التي سبق أن تحدث عنها قادرة على إحداث تغيير في المواقف الفرنسية بخصوص بعض القضايا. لكن هناك جاليات مغاربية أخرى توصف بالكبيرة (المغرب وتونس وبعض البلدان الإفريقية) فلماذا لا يزورون هذه الدول مثلا؟ لا يمكن المقارنة بين الجالية الجزائرية وغيرها من الجاليات، فنحن أقوى عددا وماضينا المشترك مع فرنسا يجعلنا أكثر ارتباطا بها من تونس والمغرب، فهؤلاء نهبوا أراضينا وعذبوا آباءنا، كما أن أبناءنا في فرنسا أسهموا في بناء منشآتها وخدمة اقتصادها، وهو ما يجعل العلاقة أشد ارتباطا مقارنة مع جاليات أخرى. هل تعتقدون أن السلطات الجزائرية قادرة على توجيه جاليتها بالخارج للتصويت على مرشح بعينه؟ اليوم لست أدري إن كانت السلطات الجزائرية قادرة على التأثير في الجالية وجعلها تصوت لصالح مرشح معين، لكن في الماضي كنا نفعل ذلك، حينما كان حزب جبهة التحرير الوطني في عز قوته، كنا نحاول انتهاج سياسة رشيدة لنسيطر على وضع الجالية ونؤثر، لأنه ببساطة كانت لدينا مؤسسة للجالية، وهي الودادية، أما اليوم فالوضع مختلف. في الماضي كانت تؤطر نشاطات الجالية الجزائرية في فرنسا ودادية الجزائريين بأوروبا، وحاليا لا توجد أي جمعية.. لماذا؟ كما أجبتك في السؤال السابق.. لست أدري، لكن في الماضي كانت تنشط الودادية بشكل مرن وتنسق مع السلطات الفرنسية، تتحدث مع أحزاب اليمين واليسار، بطرق لبقة وتشتغل كمنظمة مقبولة من طرف النظام الفرنسي، أما اليوم فلا يوجد إلا بضع جمعيات فولكلورية، ولا أعتقد أن لها صدى لدى النظام الفرنسي. الجالية الجزائرية وعلى الرغم من كثرة عددها، إلا أنها لم تتمكن من تكوين لوبي قادر على الدفاع عن مصالحها مقارنة بجاليات أخرى. لماذا؟ لأنها لا تشتغل بطريقة منظمة ووفق استراتيجية محددة، ولكن تعمل بطرق اعتباطية، لا تتوفر على ميزانية ولا هيئة رسمية تدير شؤونها، وهو ما يجعلها غير قادرة على التأثير رغم كثرة عددها. هناك تضارب بشأن حجم الجالية الجزائرية في فرنسا بين من يقول 6 ملايين جزائري والإحصائيات الرسمية تتحدث عن 800 ألف.. أين الحقيقة في هذا؟ ولماذا تحاول فرنسا تقليل العدد؟ لأن فرنسا من مصلحتها تقليص عدد الجزائريين القاطنين هناك، أنا شخصيا ليس لدي أرقام رسمية، ولكن أدرك جيدا أن عددهم أكبر بكثير من 800 ألف جزائري، الذين تتحدث عنهم فرنسا، فهؤلاء يقدرون بالملايين، يمتلكون بطاقة إقامة والأهم من ذلك الجنسية الفرنسية.