هي شامة العرب والإنسانية، مهبط الرسالات، ومجال الأنبياء الحيوي.. ومنها كان حبل الله لمن بلغه النداء للعروج رفعة وسموا وانتصارا فلا منتصر إلا من انتصر فيها ولا منهزم إلا من دحر عنها.. لا سلم للبشرية إلا بسلمها.. وهي صفحة الإنسانية الراقية تعايشا وأخوّة ودحرا لكل المشاعر العنصرية الخبيثة.. ومن هنا كانت الأرض المباركة التي تهوي إليها أفئدة الأمة. بلاد الشام بعد أن قسموها على أربعة كيانات وزرعوا فيها مؤهلات الانفجار على إثنيات غرسوا في أعز أجزائها كيانا من شذاذ الآفاق غريبا عن حسها وعن جنسها وعن تفاصيلها مثل السرطان، فكان لابد أن يتم تدمير كل مقومات المقاومة في أجزائها وبث سموم التخريب بين مكوناتها.. وكان هذا شغلهم على مدار قرن من الزمان. اليوم لا يسلم حجرٌ أو شجر أو بشر في أي جزء من أجزاء الشام من التخريب والتدمير فمن لا تدمره قوة الشر الصهيونية تتكفل أدوات الشيطان الأمريكي المباشرة وغير المباشرة بتدميره وإلحاق الخراب به ليتم لهم انتزاع شامة العرب عن جبينهم وشطب صفحة تاريخية كانت ولا تزال التحدي لثقافاتهم العنصرية المجنونة فهم يحملون بين جنبات أفكارهم وخططهم رغبة دفينة بسحق تاريخ بلادنا وطمس معالم حضاراتنا. ولكن من قال إن هذا هو قدر بلاد الشام..؟ فلقد مر من هنا الرومان والتتار والصليبيون والفرنسيون والإنجليز وسواهم ولا يزال أهل الشام يحتفظون بأسماء رموزهم المنتصرين والمقاومين فمن زنوبيا إلى مروان البرغوثي وسعدات سِجلّ حافل بالرموز الأبطال الذين أشهروا أكفهم أمام المخرز العنصري الهمجي مجسدين عقيدتهم: انتصار الإنسان على السجان وهزيمة العنصرية أمام الكرامة والحرية.. في فلسطين اليوم يسجل الفلسطينيون صفحة مجد في صمود غزة وتحدي الأسرى ورباط المقدسيين وثبات أهل الأرض المحتلة في 48 وفي حيوية أبناء فلسطين في الشتات والمخيمات... صفحة تتلون بالفخر والعزة وانتشاء المعاني الكريمة تصلح تماما لتكون قاعدة انبعاث للأمة بما تمثله من رمزية وقدرة على كشف طريق النهضة والوحدة.. وفي سورية يصرّ السوريون على ألا تضيع سورية ورغم الجنون الذي يحيط بكل شيء ورغم الموت الأسود الذي يجرف الحياة في كل مكان من أرياف ومدن وجبال في الثقافة والاقتصاد والأخلاق.. رغم أن الشأن لم يعد سوريا بل على طاولة المجرمين الكبار يقسّمون بافتراضاتهم الجسد السوري بسكاكينهم المجرمة.. رغم ذلك فإن السوريين الأبطال الشرفاء أيا كانت مواقعهم لم يسلِّموا الراية للعدو.. وهم سائرون حتما إلى لأم الجراح ورص الصفوف والانبعاث من جديد مثل العنقاء من تحت الرماد. وقفة عزة يقفها رئيس الوزراء اللبناني الحص ممثلا لكل لبنان مع أبنائه في السجون الصهيونية بإضرابه عن الطعام تؤكد على ترابط نفسي واجتماعي وحضاري وإنساني في المنطقة يستطيع أن يكشف للجميع مصيرها الواحد كما هو واقعها المشترك. هو عسرٌ شديد وليل حالك وظلمات بعضها فوق بعض.. ولكن مع هذا كله اليسر ثم اليسر والفرج ووعد الله للصادقين المرابطين المخلصين بنصر عزيز.. تولانا الله برحمته.