تشير المستجدات في قضية المختطف الفرنسي ميشال جرمانو من طرف تنظيم ما يسمى "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" إلى أن الدول والأطراف التي اعتادت المتاجرة السياسية والمالية مع الجماعات الإرهابية بمثل هذه العمليات وجدت نفسها هذه المرة بسبب الضغط الأمريكي على مالي وفرنسا التي رغم تصريحات وزير خارجيتها بمقدرة بلده على تحمل مسؤولياته تجاه مواطنه المختطف اصطدمت بمعارضة القوى العظمى من جهة حتى أنصار التنظيم المتعاطفين والمؤيدين له استنكروا عبر منتدياتهم "الجهادية" اختطاف "شيخ طاعن في السن ومريض"، وهو ما يتعارض مع تعاليم الإسلام التي تحرم قتل الشيوخ والأطفال والنساء. اعتبر المتتبعون لملف الاختطافات الإرهابية للأجانب في الساحل لطلب الفدية أو مقايضتهم بإرهابيين مسجونين أن صفقة اختطاف الرعية "ميشال جرمانو" هذه المرة تبدو فاشلة ووضعت التنظيم الإرهابي وإحدى الدول التي اعتادت المتاجرة السياسية في الاختطافات بلد الرهينة أمام طريق مسدود لأسباب عديدة برأي المتتبعين. ووجدت باريس نفسها هذه المرة وعكس المرات السابقة في وضع لا تحسد عليه، حيث وبعد الضغوط الأمريكية والبريطانية عليها لم تتجرأ على الاتصال بمالي لطلب وساطتها أو تقديم تنازلات على نحو آخر عملية الأمر الذي دفع التنظيم إلى توجيه نداء على لسان المختطف جرمانو يتوسل فيه إلى الرئيس الفرنسي طالبا النجدة، ومما يؤكد افتقاد أي قنوات اتصال بين الاليزي والتنظيم الإرهابي منذ وقوع الرهينة بين يديه. وكان لموقف فرنسا المتردد والمتخوف في مباشرة مفاوضات سرية صداه في باماكو التي وجدت نفسها مغيبة عما كانت تعتبره سجلها التجاري فيما يتعلق بالوساطة بين المختطفين وسلطات الدول الأوروبية، فعدم طلب الاليزي لخدمات مالي خوفا من تكرار سيناريو أثار غضب دول المنطقة والقوى العظمى في العالم لم يعجب كثيرا الرئيس المالي الذي تضايق بأن هذا ليس سوى بداية لانتهاء مهامه وأصبح ورقة خاسرة. ومن جهة أخرى فإن التنظيم الإرهابي هو الآخر لم يسعد كثيرا بصفقة تأخرت فيها فرنسا عن طلب التفاوض عكس المعتاد، ووجدت "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" نفسها هي من يطلب التفاوض ويملي باحتشام شروطا تعجيزية، لأنها تتعلق بمقايضة الرهينة بإرهابيين مسجونين في موريتانيا سيما وان هذه الأخيرة لم ولن تنخرط في صفقات مماثلة لمواقفها الواضحة بهذا الخصوص. وليس استحالة تكرار سيناريو "باماكو باريس" هذه المرة الذي وضع التنظيم بين نار مخاوف مصيره قبل أي اتفاق بسبب كبر سنه والمرض الخطير الذي يعانيه من جهة، وبين نار الهبة غير المسبوقة لأنصار التنظيم في الجزائر وباقي دول العالم الذين عبروا في منتدياتهم عن استنكار اختطاف شيخ لما يتعارض فيه مع تعاليم الإسلام فيما يعتقدونه "جهادا"، حيث حرم الدين قتل النساء والأطفال والشيوخ والمرضى وهذه المرة الرهينة الفرنسي شيخ عمره 78 سنة، و فوق هذا مصاب بمرض خطير على مستوى القلب و عرض لتخثر الدم بعد نفاد دوائه حسب ما قاله في ندائه الصوتي الموجه للرئيس ساركوزي. وكان لهذه العملية أثرها السلبي داخل التنظيم الذي واجه انتقادات داخلية حادة تجلى بعضها على منتديات هذا التنظيم وهو ما قلّل من تنافس المختطفين على الظهور في تسجيلات مصورة مثل المعتاد، واكتفوا بصورة له وهو يوجه نداءه لرئيس بلده.