خمسون عاما مضت على سقوط القدس.. قبل خمسين عاماً رفع ضابط صهيوني العلم الصهيوني على قبة المسجد الأقصى.. سقطت سيناء كاملة والضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان.. كان ذلك أشبه ما يكون بنكبة اجتاحت الأمة بكل أطيافها حينها شعر الكثيرون من حكام العرب بالانهيار التام وساد المنطقة بنخبها السياسية والثقافية شعور عام بالخيبة والنكبة.. حينها وقف الرئيس الراحل هواري بومدين ليقول: لم نخسر الحرب وكيف نكون خسرناها فيما نحن لم نقدم كل ما يجب تقديمه لها؟ وتحركت الجزائر ميدانيا فعوضت الجيش المصري عن سلاحه المفقود ودفعت شيكا على بياض للسوفييت لتحويل الأسلحة فورا للجبهة المصرية.. هذه هي القيمة الإيجابية للتحديات والمصائب أنها تظهر معادن الرجال وحقيقة القادة الذين لا تزيدهم القسوة إلا تحديا وعنادا وإصرارا على المواجهة وبدأ الإعداد العربي لمواجهة العدوان الصهيوني وبالفعل تمكنت طلائع الجيوش العربية من خوض حرب استنزاف أرهقت القوات الصهيونية قبيل اندلاع حرب أكتوبر التي كان فيها للجيش المصري والسوري والعراقي والجزائري الدور الحاسم في تحقيق انتصار عربي أكد صدقية الموقف الجزائري. لم نخسر الحرب، لأننا لم ندفع بكل قوتنا وقوانا فيها.. لم نخسر الحرب، لأننا لم نحشد لها ما ينبغي من علاقات وقدرات.. لم نخسر الحرب انما خسرنا جهلنا وعجزنا وعدم اكتراثنا بالأسباب.. خسرنا شعارات وهمية واتكالات على الغير بلا معنى ولا مبرر.. خسرنا الأوهام وأحلام اليقظة.. منذ ذلك اليوم بدأنا تحسس سبل الانتصار وكادت أحاسيسنا تترجم إلى واقع عملي عندما انطلقت مجموعات العمل الفدائي الفلسطيني تشتبك مع دوريات المحتلين وكما قال ياسر عرفات يومها نحن: "لم ننهزم نحن ثوار وأصحاب قضية ولن نضع السلاح حتى تحرير وطننا".. كان المفروض في تلك المرحلة تعزيز المقاومة الفلسطينية بقوى شعبية من اكثر من بلد وعدم الاكتفاء بالمواقف الرسمية.. كان المطلوب ان ينطلق العمل الفدائي العربي من كل الجبهات العربية وان تتوفر الفرصة كاملة لعمل الفدائيين الفلسطينيين والعرب ولكن للأسف كانت النكبة الحقيقية عندما تجرأ النظام العربي على مقاتلة المقاومة الفلسطينية وطرد الفدائيين الفلسطينيين من الأردن ومن لبنان وسورية وكان الموقف الرسمي يقضي بتحجيم المقاومة الفلسطينية وإخضاعها إلى منطق الرسمية العربية ذات الخطوط المفتوحة مع الأمريكان. اليوم نحن في حالة مزرية بعد ان انسحب النظام العربي من المواجهة مع الكيان الصهيوني.. وطبيعة الصراع والتدافع ترفض الوقوف عند نقطة معينة فإما الانهيار والسقوط المستمر أو الصعود والهجوم.. ولهذا فلم يعقب الانسحاب من الحرب مع العدو الصهيوني الا حرب بين العرب والمسلمين بدعاوى كثيرة مغشوشة ولا يزال النزف العربي والإسلامي يفتك بقدرات العرب والمسلمين، الأمر الذي يعتبر بلا شك الجائزة الكبرى للعدو الصهيوني على احتلاله لفلسطين. لم نخسر الحرب في 1967، لأننا كنا نمتلك إرادة المقاومة والصمود والمواجهة وكانت فلسطين والأقصى جامعا جوهريا لمواقفنا.. أما الآن فإننا نستطيع الإعلان اننا خسرنا الحرب مع الكيان الصهيوني انه لابد من أوضاع جديدة تماما وأجيال جديدة تماما مؤمنة بحق الأمة بفلسطين والأقصى ومدركة خطورة الاشتباكات الداخلية ومتيقنة بأن الوحدة أساس.. تولانا الله برحمته.