تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، التي جاءت بعد رفض أمير قطر دعوة منه إلى زيارة البيت الأبيض لأجل التباحث، يجب التوقفُ عندها لأنها حملت تهديدا مباشرا لدول أخرى لم يذكرها بالاسم متورِّطة حتى النخاع في تمويل الإرهاب، حيث قال: "على هذه الدول وقف دعم الإرهاب ونشر ثقافة القتل والكراهية وعدم التسامح". وعليه، فإن حلف المقاطعة الذي ابتهج بهذه التّصريحات عليه أن يدرك أن الدّور سيأتي عليه في سياق صياغة المنطقة بما يخدم مصالح إسرائيل والولايات المتحدة، لأن قطر مجرّد مقدِّمة لما هو قادم من ويلات على الدول العربية حكاما وشعوبا. ليست قطر وحدها من يموِّل أو يتدخل في شؤون الدول الأخرى ويمد جماعات مسلحة بالمال والسلاح، بل إن لكل بلد فصائله في سوريا وليبيا، وليس ذلك خافيا على الرئيس الأمريكي وأجهزة المخابرات الأمريكية، لأن هذه الجماعات على غرار "داعش" و"النّصرة" وفصائل أخرى كثيرة نشأت وتضخّمت برعاية أمريكا وحلفائها في المنطقة بمن فيهم قطر والسعودية. كانت العراق يوما بلدا كبيرا آمٍنا بقدرات بشرية وطبيعة لا تنفد، فجاءت أمريكا ودمّرته بتزكية وأموال عربية وحولت واحدا من أقوى البلدان العربية إلى دولة فاشلة تحكمها العصبيات والطوائف المتناحرة، وكذلك كانت ليبيا وسوريا واليمن، وجاء الدور على قطر لإنهائها من الوجود بإرادة أمريكية وأدوات عربية! أما الكارثة الأكبر التي تعيشها الأمة الإسلامية فهي تطويع الدّين لخدمة المشروع "الترامبي" لتفكيك المنطقة العربية ونهب ثرواتها، من خلال مشهد كاريكاتوري نعيشه هذه الأيام لشيوخ دين معروفين أمثال الشّيخ عبد الرحمان السّديس، والشّيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ وهم يعطون تزكيتهم الدينية لقرار مقاطعة دولة قطر فيما يشبه "صكوك الغفران" التي كانت تمنحها الكنيسة في العصور الوسطى! هل يُعقل أن يسمح عالم دين بوضع علماء وشيوخ أمثال الشّيخ القرضاوي والشّيخ الصّلابي في قوائم الإرهاب، بل ويزكي هذا القرار مع أنه قبل أشهر فقط كان يجالسهما ويأخذ من علمهما؟! هل أصبح الدّين سلعة رخيصة إلى الدرجة التي يتحكم فيها ترامب الذي يواجه أزمة كبيرة في بلده بسبب التورّط في تمكين الروس من التلاعب بالانتخابات الأمريكية، بينما يصول ويجول في العالم العربي ويأخذ مئات الملايير من الدولارات ومعها مباركة شيوخ الدين لقراراته التي ينفذها نوابه في المنطقة؟!