ألقت الأزمة الخليجية- القطرية بظِلالها الكثيفة على علماء الأمة، وانتقلت الانقسامات السياسية بين هذه الدول الشقيقة إلى الفقهاء الذين أصدروا فتاوى متناقضة تماماً؛ ففي حين سارع مفتي السعودية آل الشيخ وكذا الشيخ السديس إلى تأييد قرارات السعودية ودول الخليج بشأن محاصرة قطر ووضع 59 فردا و12 كيانا على قائمة الإرهاب، وساقوا لها المبررات والأعذار ومنحوها غطاءً شرعيا، قام مائة عالم من مختلف أنحاء العالم الإسلامي بإصدار فتوى جماعية تحرّم قطعا حصار المسلم لأخيه المسلم وتستنكر التطاول على قامات كبيرة مثل القرضاوي وتصنيفه "إرهابيا" وهو ما يمثل إهداراً لقدوة العلماء في الأمة الإسلامية. بينما تحسّرت هيئة علماء المسلمين في العراق على أن مقاطعة الكيان الصهيوني لم تُفعَّل لدى العرب كما يحصُل مع قطر هذه الأيام، مشدِّدة على أن حصار المسلم لأخيه المسلم حرام، أما جمعية علماء المسلمين في الجزائر فقد لخّصت المأساة بهذه العبارة: "لقد أطربتم أعداء الأمة بما أقدمتم عليه".
100 عالم من مختلف دول العالم: مقاطعة قطر وحصارُها حرامٌ شرعاً نرفض إدراج قامات دينية كالقرضاوي على قوائم الإرهاب قالت “الجبهة التنسيقية لعلماء أهل السنة”، إن مقاطعة دولة قطر وحصارها “حرام شرعا، والمشاركة فيه لا تجوز بأي وجه من الوجوه”. جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقدته الهيئة في مدينة إسطنبول السبت، لبيان موقفها ورأيها الشرعي بعد أن قطعت الإمارات والسعودية والبحرين ومصر، ودول أخرى، علاقاتها مع قطر. وشدَّدت الجبهة، عبر بيانها، الذي وقَّع عليه 100 عالم من مختلف دول العالم، على أن “الضرر ممنوعٌ وإيقاع السوء والأذى بشعب كامل بلا سبب شرعي حقيقي، أمرٌ حرّمته الشريعة في نصوصها المتواترة تحريما قطعيا”. ونشرت وكالة "الأناضول" قائمة العلماء المائة، وهم علماء بارزون في دول إسلامية عديدة ومن بينهم د. أحمد الريسوني، وحامد بن عبد الله العلي، ونواف هايل تكروري، وجمال عبد الستار محمد، ومولاي عمر بن حماد، وأحمد العمري، ومحمد المختار الشنقيطي، والشيخ خالد سيف الله الرحماني، ووجدي غنيم... وأكدت الجبهة أن “الحصار الذي فرضته بعض الدول العربية على دولةٍ مسلمة دون بيِّنة أمرٌ غير مقبول”. وشدَّدت على “ضرورة رفع الأذى عن الشعب القطري الذي سيتعرَّض لتبعات الحصار المفروض عليه دون أسباب”. وطالبت الجبهة ب”رفع الحصار المفروض على قطر؛ لأن هذه السياسات ستزيد من الآثار الكارثية، من خلال انتشار الفتن والاضطرابات في المنطقة، ومضاعفة الإحباط لدى الشباب وفقدان ثقته في أي أمل، وضياع هويَّته وانتمائه إلى قضايا أمته العربية المسلمة”. وشدَّدت الجبهة على أن “مقاومة المحتلّ حق قررته كل الأديان وجميع القوانين، وأنه لا يجوز تخذيل هذه المقاومة من العرب والمسلمين؛ فضلا عن العلماء، أو وصفها بما لا يصحّ أن توصَف به”، في إشارة إلى إدراج حركة المقاومة الإسلامية “حماس″ على قوائم الإرهاب السعودية والبحرينية والإماراتية. كما رفضت الجبهة “إدراج قامات دينية من بينهم الشيخ يوسف القرضاوي على قوائم الإرهاب”. ورأت أن "وضع العلماء على قائمة الإرهاب جريمة في حق ورثة الأنبياء" و"أن في ذلك إهداراً لقدوة العلماء في الأمة الإسلامية، وأن البيانات التي أيدت الحصار والقطيعة مثل الأزهر، ورابطة العالم الإسلامي لا تمتّ إلى الفقه والشريعة بصِلة". وخلال المؤتمر الصحفي ذاته، قال الشيخ وجدي غنيم (مدرج اسمه في قائمة الإرهاب التي أصدرتها الدول الخليجية الثلاث ومصر مؤخرًا) إن “التحريض ضد المسلمين إثمٌ بيِّن، وإن العلماء لابد أن يقفوا وقفة من خلفية فقهية ودينية وليس وقفة سياسية، أمام هذه القرارات التي تستهدف المسلمين بوجهٍ عام”. من جانبه، قال الشيخ ونيس مبروك (ليبي)، إن “البيان تعبير حقيقي وصادق للعلماء والمفكرين في هذه الأمة؛ لأن دور العلماء الحقيقي لابد أن يبيِّنوا الحكم الشرعي بوجه عام والتحذير من عواقب هذه الأمور”. وتابع: “كلنا ساهمنا في صياغة البيان وتعمَّدنا عدم إثارة الحساسيات”. وشدَّد على أن “هذا البيان ليس ضد السعودية، لكنه تحذيرٌ إلى من اتخذ هذا القرار الخاطئ (ضد قطر) ليرجع عن قراره”. وقد أصدرت السعودية ومصر والإمارات والبحرين الخميس قائمة أدرجت ضمنها 59 شخصاً، و12 كياناً مرتبطين بقطر على “لوائح الإرهاب”، في حين قلَّلت الأممالمتحدة، من أهميتها. و”الجبهة التنسيقية لعلماء أهل السنة” هي هيئة جامعة لهيئات واتحادات شرعية ومجالس إفتاء سُنِّية من 15 دولة
بينما وصفه السديس ب"الخطوة السديدة" آل الشيخ يعدّ حصار قطر جائزا وفيه مصلحة للمسلمين؟! دعا مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، الإخوان المسلمين إلى الابتعاد عما سماه "العصبية والمغالطات"، مُعتبرا أن من اعتقد أن "إجراءات المملكة تؤذي الشعب القطري فهو مخطئ وأن حصار قطر حلالٌ شرعا؟!". جاء ذلك تعليقا من المفتي آل الشيخ حول اتهامات أطراف من جماعة الإخوان التي توجِّه إلى المملكة اتهامات بعدم وقوفها مع البلدان الإسلامية، وقال المفتي العام: "على المسلمين تقوى الله، وأن يكون منهجُهم واضحا من الكتاب والسنة، ويجب ألا يكون هناك غلو أو مغالطات، ويجب أن يكون هناك منهجٌ واضح بالعمل بكتاب الله، ومن جاء بذلك فهو على حق، ومن دعا إلى باطل فهو باطل، ويجب البُعد من الأقوال والمعتقدات". وأضاف المفتي: "السعودية بلدٌ إسلامي مستقيم، وممولة للخير أينما وُجد، القرارات الأخيرة التي اتخذتها المملكة وعدد من الدول ضد قطر أمور إجرائية، فيها مصلحة للمسلمين ومنفعة لمستقبل القطريين أنفسهم؟!"، وأضاف "هذه القرارات مبنية على الحكمة والبصيرة وفيها فائدة للجميع"؟! وقال المفتي إن هناك "حملة لتشويه صورة الشيخ محمد بن عبد الوهاب"، معتبرا أن دعوته "كانت دعوة إصلاحية للتطهير من البدع والشِّرك، وكانت دعوة خير، ومن يحاول تشويهها ونشر المغالطات حولها فهو كاذب". من جهته، وصف الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ عبد الرحمن السديس الإجراءات التي اتخذتها السعودية والإمارات ضد قطر ب"السديدة"؟! وأضاف السديس في تصريح لصحيفة "السبق" السعودية أن تصنيف عددٍ من الجماعات والمؤسسات "إرهابية" هو "قرارٌ سديد"، داعيا العاملين في الإدارات السعودية كافة إلى الالتزام بالتوجيهات التي أصدرتها المملكة وعدد من الدول العربية الشقيقة في بيانهم المشترك. وحذَّر من "الانخراط والانجراف خلف هذه الأعمال المشبوهة بأي وجه من الوجوه، أو التواصل مع هذه الفئة الضالة الإرهابية، أو مع من يمت لهم بصلة!"، متابعا "يجب ألا يكون لهم في الرئاسة ومرافقها وإداراتها أي نوع من أنواع التواصل أو التعامل مع هذه الفئة الإرهابية، ومَن يثبت عليه شيء من ذلك سيكون عرضة لتطبيق الأنظمة والقوانين بحقه". ودعا السديس بأن يوفق الله قيادة السعودية "الرشيدة" لخدمة الإسلام والمسلمين.
هيئة علماء المسلمين في العراق: "لا يجوز عقلا ولا شرعا أن يحاصر المسلمُ أخاه المسلم" قال الناطق باسم هيئة علماء المسلمين في العراق، يحيى الطائي، إن حصار قطر ومقاطعتها يعمّق الأزمة، ولا يسمح بانفراجها، مشيرا إلى أن المقاطعة مع إسرائيل لم تفعل سابقا كما حصل ضد قطر حاليا. داعيا إلى "وزن الأمور عندما يكون الخلاف بين الأشقاء، بأن تُحل بطريقة ودية، لأن هؤلاء يمثلون القاعدة الأساسية للأمة، ونحن أمام صراع عربي إسرائيلي، علينا أن نتوحّد على هذا، وهناك الصراع على المنطقة والنفوذ، وإيران الطرف المستفيد من هذه الصراعات". وفي مقابلة مع وكالة "الأناضول" في إسطنبول، أوضح أن الهيئة في "قلق شديد مما حصل في الأزمة"، وهي ضد القرارات التي اتخذت بحق قطر، حيث لا يجوز استخدام المقاطعة ضد دولة عربية، داعيا جميع الأطراف إلى جلوس إلى طاولة الحوار لحل الأزمة. وقال الطائي أيضا: "هذه الأزمة لا تصب بمصلحة الأمة، لأن مصلحتها أن تتوحد وتتضافر جهودها، وخاصة في هذه المرحلة المهمة جدا". وشدد على أن "الحصار في رمضان أو غيره لا يجوز عقلا ولا شرعا، أن يحاصر المسلم أخاه المسلم، مهما كانت الظروف". الطائي دعا "جميع الأطراف إلى الجلوس إلى طاولة الحوار وحل النزاعات والمشاكل بينها، فهي ليست كالمشاكل مع الكيان الصهيوني.. إلى الآن المقاطعة مع إسرائيل لم تفعّل كما فعّلت الآن مع قطر". واستحضر الطائي مقولة لوزير خارجية أمريكا الأسبق هنري كيسنجر يقول فيها: "(ليس من وظيفة الولاياتالمتحدة حل الأزمات، بل توظيفها لمصلحتها)، فأمريكا ستستفيد من هذه الأزمة، ربما أمريكا ستسلح كل الأطراف من أجل أن يكون هناك صراع خليجي فيما بينهم، أمريكا وروسيا والدول العظمى تستفيد من هذه الصراعات وتوظفها من أجل أغراض سياسية". وأبدى الناطق الرسمي خشيته من أن يتكرر سيناريو احتلال العراق للكويت، باحتلال قطر، إذ أن "هذه الدول لا تتحمل هذا السيناريو فهي ليست كالعراق، فعملية إضعافها ستكون شديدة جدا، وستكون لقمة سائغة أمام المشروع الإيراني". وهيئة علماء المسلمين في العراق تضم جمعا من علماء الدين السنة وتأسست بعد الاجتياح الأمريكي للعراق في العام 2003 على يد العالم حارث الضاري الذي توفي في 2015، وجعل من الدفاع عن حقوق السنة هدفا لها.
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين: "لقد أطربتُم أعداء الأمة بما أقدمتم عليه" دعت جمعية العلماء المسلمين، من سمتهم "جميع العقلاء في الأمة، كيفما كانت مواقعهم، أن يعملوا على جلوس الأشقاء الفرقاء، إلى طاولة الحوار، لحل النزاع فورا في الخليج"، وأبدت أسفها على الوضع الذي آلت إليه المنطقة نتيجة للصدام الكبير بين الثلاثي "السعودية والإمارات والبحرين"، وفي الطرف الآخر قطر. وذكرت الجمعية، في تعليقها على المستجدات الخطيرة الحاصلة في الخليج "تالله لقد آلمتنا في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين- هذه الأحداث المؤلمة، المتمثلة في تفاقم الصدع، وتفرق الجمع.. فهل يُعقل، يا أبناء أمتنا، أن تذهب ريحُكم في شهر الأمّة، وهو شهر الوحدة والتوحيد، فتقطعوا العلائق، وتمزقوا الوثائق، وتخالفوا كل الحقائق؟"، كما أعابت الوضع الذي آلت إليه الأمور "لقد أطربتم أعداء الأمة، بما أقدمتم عليه من قطع العلاقات، والتلويح بالتهديدات". وتساءل بيان الجمعية: "أين دستور القرآن الذي وحّد بينكم؟ وأين ميثاق الأوطان الذي نظّم شملكم؟ وأين حق الإنسان الذي عزز حكمكم؟"، وخلصت تؤكد "إن ما أقدمتم عليه من قطع العلاقات في شهر الثواب والحسنات، لتأباه عليكم، العقيدة الإسلامية، والشهامة الوطنية، والنخوة العربية، وكلها من أقدس المقومات، لذلك نهيب بعلماء الأمة، وقادة حكمها، نهيب بهم جميعا، لإصلاح ذات البين، بالحوار، والكلمة الطيبة، وتغليب المصلحة العليا للأمة، على كل المصالح الأخرى".