المتأمّل لحالنا مع العشر الأواخر من رمضان، يدرك أنّ التزوّد من الأعمال الصّالحة أصبح آخر همّ يحمله كثير منّا في هذه الحياة، لا يكاد يُذكر أو يقارن أمام همّ لقمة العيش وهمّ التزوّد من الأموال والتوسّع في ملاذّ ومتع هذه الدّنيا، ولا شكّ أنّ من هذه حاله، علاوة على أنّه يحرِم نفسه السّعادة الحقيقية التي كتب الله أن تكون لمن آمن وعمل صالحا من عباده، فإنّه سيأتي عليه يوم يعضّ فيه أصابع النّدم على ما فرّط في جنب الله؛ ويعرف قدر الأعمال الصّالحة، في أربعة مواطن لا ينفع فيها النّدم، يتمنّى فيها الرّجوع إلى الدّنيا ليعمل صالحا، ولكن هيهات: الموطن الأوّل: عندما يأتيه الزّائر الأخير، ملك الموت، {حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}. في تلك اللّحظات يتمنّى العبد المفرّط أن يؤخّر ولو ساعة واحدة يقضيها ساجدا لله، باكيا بين يدي خالقه ومولاه، يُصلح فيها ما بينه وبين الله وما بينه وبين عباد الله، وأنّى له ذلك: {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}. الموطن الثّاني: في القبر، حيث الظّلمة والوحشة، وحيث لا جليس ولا أنيس إلا العمل الصّالح، هنالك يتمنّى العبد أن لو يعود إلى الدّنيا ليعمل صالحا، ولكن هيهات، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: مرّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على قبر دفن حديثا فقال: (ركعتان خفيفتان ممّا تحقرون وتنفلون يزيدهما هذا في عمله، أحبّ إليه من بقية دنياكم). الموطن الثالث: عند الوقوف بين يدي الله للحساب، يقول سبحانه وتعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ}. يطلب الرّجوع إلى الدّنيا ليعمل صالحا، وهو الذي عاش ستين أو سبعين أو ثمانين سنة غافلا عن الله؛ يطلب الرّجوع فيأتيه الجواب: {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}. الموطن الرّابع: عند دخول جهنّم عياذا بالله، يقول الحقّ جلّ وعلا: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}، فيأتيهم الجواب: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ}، أو لم نمهلكم في دنياكم عشرات السّنين؟، وجاءكم نذير الشّيب، وجاءكم نذير المرض، وجاءكم نذير موت الأصحاب والأقارب والأحباب، ولكنّكم أبيتم أن تعتبروا بغيركم، فاعتبروا اليوم بأنفسكم.