سجل المجلس الشعبي الوطني بتشكيلته الجديدة، في ثالث ليلة من مناقشة مخطط عمل الحكومة، أول مواجهة مفتوحة بين النواب، ومشادة كلامية، وتراشقا بالإهانات، بسبب اللغة الأمازيغية، وذلك على مرأى ومسمع رئيس المجلس السعيد بوحجة الذي عجز عن إخماد النيران الملتهبة بين نائب عن كتلة الآفلان ونواب كتلة الأرسيدي المطالبين بالاعتذار عما اعتبروه إساءة. تواصلت جلسات مناقشة مخطط عمل الحكومة، وتواصلت معها مشاهد عدم الاكثرات والجدية، في التعاطي مع أحد أهم المشاريع الوطنية، ففي قاعة شبه فارغة ومقاعد شاغرة لنواب ألهتهم انشغلاتهم عن تصورات الحكومة وحيلتها للتكفل بانشغالات الشعب، انطلقت الجلسة المسائية للمناقشة سهرة الخميس في حدود الدقيقة ال25 بعد العاشرة ليلا، وفي بداية الجلسة لم يكن غياب أغلبية النواب فقط الذي يصنع الحدث، فحتى رئيس المجلس الشعبي الوطني السعيد بوحجة تأخر وتخلف عن توقيت انطلاق جلسة المناقشة، فاضطر أحد نوابه لاستخلافه في بداية الجلسة، قبل أن يلتحق بقبة البرلمان بعد قرابة الساعة من التأخر. المشهد العام داخل قبة البرلمان، لا يعطي أبدا الانطباع أن غيابات النواب عن الجلسات أثارت جدلا واسعا، وشغلت الفضاء السياسي، وجعلت الحكومة تتحرك لمراجعة النظام الداخلي لهذه الهيئة وتجعل حضور الجلسات إجباريا، وترفقه بعقوبات في حال الغياب، فقبة مبنى زيغوت يوسف مقاعدها بقيت شاغرة، بما فيها الصفوف الأمامية المخصصة لوزراء الحكومة، فإن كان هؤلاء لم يحضر منهم سوى 5 وزراء فقط، فالغالبية المطلقة من النواب لم يحضروا هذه الجلسة ومن حضر منهم جاء لتسجيل تدخله فقط، وبمجرد الانتهاء من كلماتهم التي حملت في الغالب الطابع الجهوي، ولم تخرج عن أطر مشاكل "الدشرة والدوار" حتى يغادر النائب القاعة في اتجاه بهو الغرفة السفلى، غير مكترث لمداخلات زملائه، وبعيدا عن مضمون المداخلات ومستويات اهتمامات نواب المجلس، شهدت سهرة اليوم الثالث من المناقشة أول احتكاك ومواجهة مباشرة بين النواب، كانت بطلتها نائب حزب جبهة التحرير الوطني عن ولاية عين الدفلى خيرة بونعجة التي استفزت كتلة التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية العائد إلى البرلمان بعد أن غاب عن العهدة التشريعية السابقة، فبمجرد أن نطق النائب عن كتلة الأرسيدي بلسان أمازيغي، حتى طالبته النائب في خرجة غير متوقعة وغير مفهومة من نائب الأفلان بالحديث باللغة العربية، هذه "التغريدة" خارج السرب جعلت نواب كتلة الأرسيدي ينفجرون في كلمة واحدة، مذكرين النائب التي يبدو أن ذاكرتها خانتها، فغاب عنها أن اللغة الأمازيغية لغة رسمية، بموجب الدستور. نواب الأرسيدي استشاطوا غيضا خاصة أن النائب خيرة بونعجة لم تكتف بملاحظتها غير المبررة، بل دخلت مع نواب الأرسيدي في مشادة كلامية، بعد أن نعتوها هؤلاء بجميع الأوصاف ووصل الأمر إلى حد وصفها من قبل النائب صاحب التدخل بقليلة الأدب، هذه المشادة الكلامية التي تعتبر أمرا عاديا في برلمانات العالم لو لم تتجاوز أطر اللباقة وآداب التدخل، وقف أمامها رئيس المجلس السعيد بوحجة مكتوف الأيدي، واكتفى بمطالبة نائب الأرسيدي بمواصلة كلمته، وفي وقت تكفل نائب آخر عن كتلة الأفلان بمهمة إخماد ثورة صاحبة الهجوم، طالب نواب الأرسيدي رئيس المجلس بإجبارها على الاعتذار، وهو الأمر الذي لم يكن، رغم الانتقادات التي شغلت فضاء بهو المجلس، وسط ذهول من تصرف النائب بونعجة واحتجاجها على استخدام الأمازيغية التي تعتبر اللغة الرسمية الثانية، في وقت يصمت العديد عندما يسجل البعض تدخلاته باللغة الفرنسية.