جذبت الحملة التي شنتها سلطات ميانمار (بورما) ضد أقلية الروهينغا المسلمة في ولاية راخين في 25 أوت الماضي، أنظار العالم وسخطه، لكن بدون أي رد فعل حقيقي لوقف معاناتهم المستمرة منذ عقود في هذا البلد ذي الأغلبية البوذية. وقالت الأممالمتحدة على لسان أمينها العام أنطونيو غوتيريش في وصف ما يتعرض له الروهينغا بأنه "تطهير عرقي"، وهو نفس التوصيف التي استخدمته منظمات حقوقية عالمية مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية حول هذه المسألة. الانتقادات والتصريحات المنددة من الخارج لحملة القمع البورمية لم تلق حتى الآن آذاناً صاغية من رئيسة حكومة ميانمار أونغ سان سو كي الحائزة على جائزة نوبل للسلام ! . وجاء في تقرير صادر عن الأممالمتحدة، إن "قوات الأمن في ميانمار ارتكبت عمليات قتل جماعية واغتصاب جماعي ضد أفراد من الروهينغا خلال الحملة الأخيرة، مما قد يصل إلى حد اعتبارها جرائم ضد الإنسانية". ونفى الجيش البورمي هذه الاتهامات وقال إنه ينفذ عمليات مشروعة ضد "المتمردين الإرهابيين". وسط هذه الظروف الرهيبة لم يجد الروهينغا حلاً إلا الفرار لبنغلاديش المجاورة، رغم مخاطر الرحلة وبؤس الأوضاع المعيشية في مخيمات اللاجئين هناك. "الشروق أونلاين" يقدم في هذه المادة لمحة عن الروهينغا ومعاناتهم وأسباب استمرار حملة الإبادة ضدهم بدون حل دولي، بالإضافة إلى اضطرار مجموعة من هذه الأقلية لحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم من بطش السلطات البورمية. من هم الروهينغا؟ أقلية الروهينغا المسلمة قومية عرقية تنتمي إلى عائلة الشعوب الهندية وتقطن في ولاية أراكان (راخين) غربي ميانمار ويبلغ عددهم أكثر من مليون نسمة. وتعدهم الأممالمتحدة أكثر الأقليات اضطهاداً في العالم. ولا تعترف سلطات ميانمار بمواطنة الروهينغا وتعتبرهم مهاجرين غير شرعيين وتطلق عليهم اسم "البنغال" نسبة إلى بنغلاديش وتحد من حركتهم وتحرمهم من المساعدات الحكومية. وكانت أولى عمليات الاضطهاد ضد المسلمين وأغلبهم من الروهينغا في بورما بين عامي 1550-1589 في عهد الملك باينتوانغ، الذي حظر الذبح الحلال وأجبر الرعايا على الاستماع إلى الخطب والمواعظ البوذية في محاولة لإجبار المسلمين على تغيير دينهم بالقوة، كما منع أيضاً احتفال المسلمين بعيد الأضحى وذبح الأضاحي. أما أولى المذابح التي تمت ضد المسلمين كانت في القرن السابع عشر عندما قام الملك ساندا توداما بقتل أفراد عائلة شاه جيهان الذين لجأوا إلى منطقة أراكان، كما تم قطع رؤوس الرجال ذوي اللحى ووضع النساء في السجن ليموتوا، وفقاً لموقع "ساسة بوست". وفي القرن العشرين في فترة ما بعد الاستقلال تعرض الروهينغا لموجات متتالية من الاضطهاد والعنصرية. مع بداية القرن الحادي والعشرين تصاعدت الأمور بين المسلمين والبوذيين حيث قام البوذيون بتدمير مقرات المسلمين وقتلوا منهم الكثير. مرحلة العنف الأبرز ضد الروهينغا هي تلك التي بدأت عام 2012 في ولاية راخين، والتي وصلت إلى حد الإبادة الجماعية. البداية كانت بمقتل 11 مسلماً بعدما أنزلتهم الشرطة من إحدى الحافلات وأطلقت عليهم النار دون سبب واضح؛ لتندلع احتجاجات كبيرة من قبل المسلمين وترد عليهم قوات الجيش بإطلاق النار تبعه إحراق عشرات المنازل، كما أسفرت هذه الحملة عن مقتل المئات وشردت 140 ألفاً من الروهينغا. عمليات القمع الأخيرة شنت قوات ميانمار حملة قمع عنيفة ضد الروهينغا بعد هجوم لمسلحين من الروهينغا على مراكز أمنية، في أوت الماضي، مما أسفر عن مقتل أكثر من 1000 شخص من المسلمين وهروب مئات الآلاف منهم إلى بنغلاديش. وفي 25 أوت هاجم مسلحون من الروهينغا مراكز شرطة ومعسكراً للجيش، مما أدى إلى سقوط نحو 12 قتيلاً من قوات ميانمار وعشرات المهاجمين. ويقول مراقبون حقوقيون والروهينغا الفارون، إن قوات الأمن في ميانمار وأفراد لجان شعبية من البوذيين الراخين ردوا بما وصفوه بحملة عنف وإشعال حرائق استهدفت طرد السكان المسلمين. وعلى سبيل المثال لجانب من عمليات تهجير الروهينغا، حتى ثلاثة أسابيع ماضية كانت توجد 21 قرية مسلمة في منطقة راثيدونغ في إقليم راخين علاوة على ثلاثة مخيمات للمسلمين الذين شردتهم أعمال عنف ديني سابقة. لكن السكان تركوا 16 قرية وجميع المخيمات وأحرقت بعضها مما دفع ما يقدر بنحو 28 ألف شخص للفرار، حسب تقرير نشرته وكالة رويترز للأنباء. ويقول مراقبون لحقوق الإنسان، إن القرى الخمس المتبقية في راثيدونغ وسكانها البالغ عددهم نحو ثمانية آلاف شخص يحاصرها بوذيون من راخين ومعرضة للخطر بشكل كبير. والموقف سيئ على نحو خاص في قرى أخرى، لأن أي طريق للهرب إلى بنغلاديش طويل ومرهق ومغلق في بعض الأحيان من قبل سكان معادين من راخين. ونقلت رويترز عن مسؤول ينتمي للروهينغا، إن القرويين يقبلون الرحيل مكرهين، لكن السلطات لم ترد على طلباتهم بشأن توفير الأمن. وأضاف أن القرويين يسمعون خلال الليل إطلاق نار من بعيد. وقالت منظمات حقوقية ووسائل إعلام نقلاً عن شهود، أن قرى للروهينغا تضم آلاف المنازل أحرقت وسويت بالأرض عن بكرة أبيها، وأن الجثث في كل مكان، وأن هناك آلاف المحاصرين في قرى الروهينغا.
اللاجئون الروهينغا بعد تصاعد أعمال العنف مؤخراً فر 430 ألفاً من الروهينغا على الأقل إلى بنغلاديش وإلى عدة دول مجاورة هرباً من الإبادة ويعيشون الآن في مخيمات بائسة في ظروف صعبة للغاية. وتمثل رحلة لجوء الروهينغا إلى بنغلاديش كابوساً مروعاً، حيث صعوبة التنقل بسبب الإجراءات الأمنية من قوات ميانمار إضافة إلى التضاريس الوعرة في طريق الهروب. إلى ذلك اتهمت منظمة العفو الدولية جيش ميانمار بزرع ألغام أرضية على الحدود مع بنغلاديش التي تفر إليها أعداد كبيرة من أقلية الروهينغا. وتعد بنغلاديش الوجهة الأساسية للموجات المتعاقبة للاجئين الروهينغا، إلا أن بعضاً منهم لجأ إلى الهند والنيبال. واستقرت مجموعة صغيرة في باكستان أيضاً. ويعاني الروهينغا من أوضاع مأسوية في مخيمات اللجوء مع اكتظاظ المخيمات خصوصاً بالنساء والأطفال ونقص المساعدات الإنسانية الأساسية. وقال مارك بيرس مدير وكالة "أنقذوا الأطفال" للإغاثة في بنغلاديش: "يصل العديد من الروهينغا جوعى ومرهقين بلا غذاء ولا ماء. أنا قلق لأن الطلب بالأخص على الغذاء والماء والمأوى والمتطلبات الصحية الأساسية لا يلبى بسبب الأعداد الكبيرة من المعوزين. إن لم تتوافر للأسر احتياجاتها الأساسية فسيسوء الوضع الذي يعانون منه وقد يلقى البعض حتفهم". وتفرض السلطات في بنغلاديش معاملة صارمة مع اللاجئين الروهينغا، حيث قالت الشرطة، إن لاجئي الروهينغا لا يسمح لهم بالتنقل إلى أي مكان غير الأماكن المخصصة لهم، ولا يسمح لهم بالعيش مع أي عائلة قريبة منهم أو مع أصدقاء لهم. ولا يسمح لشركات النقل وسائقي الشاحنات بنقل اللاجئين، كما تم تنبيه مالكي الشقق بعدم تأجير بيوتهم للروهينغا. المواقف الدولية من معاناتهم مع اندلاع أعمال العنف ضد الروهينغا في ميانمار، في 25 أوت الماضي، اكتفى المجتمع الدولي وحكومات العالم الإسلامي بدعوات خجولة لوقف حملة القمع ضدهم. وسارعت عدد من الدول العربية والإسلامية باستنكار الحملة العنيفة ضد الروهينغا، لكنها افتقدت لأدوات الضغط الفعالة. وعبّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن غضبه تجاه تفاقم مأساة الروهينغا. وقامت عقيلته أمينة رفقة ابنهما بلال ووزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو، في يوم 7 سبتمبر الجاري، بزيارة لمخيمات النازحين الروهينغا في بنغلاديش للوقوف على معاناتهم ومد يد العون لهم. بدورها، أعربت الجزائر، يوم 8 سبتمبر 2017، في تصريح للناطق الرسمي لوزارة الشؤون الخارجية عبد العزيز بن علي شريف عن "انشغالها العميق" إزاء أعمال العنف التي تناقلتها العديد من المصادر الإعلامية والمرتكبة ضد مسلمي الروهينغا في ميانمار، داعية حكومة ميانمار ل"حماية مواطنيها الروهينغا بشكل عاجل". وأضاف بيان الخارجية الجزائرية بالقول: "ندعو حكومة ميانمار لاتخاذ كل الإجراءات الضرورية لتسليط الضوء على أعمال العنف هذه والقيام بدورها في حماية مواطنيها من الروهينغا المسلمين"، وفقاً لوكالة الأنباء الجزائرية. وفي موقف لافت، خرج الرئيس الشيشاني رمضان قدريوف في العاصمة غروزني وسط حشود متضامنة مع إخوانهم المضطهدين في بورما، يوم 4 سبتمبر الحالي، موجهاً جام غضبه لحكومة ميانمار، واللامبالاة التي يبديها الكرملين تجاه عمليات الإبادة التي تجري بحق مسلمي الروهينغا في إقليم أراكان. ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، حملة القمع البورمية ضد الروهينغا بعملية "التطهير العرقي"، داعياً إلى وقف العنف وحماية المدنيين. ومع احتدام العنف ضد الروهينغا، واجهت رئيسة وزراء ميانمار أونغ سان سو كي - الحائزة على جائزة نوبل للسلام - وابلاً من الانتقادات من الخارج لعدم وقفها العنف، وارتفعت الدعوات لسحب الجائزة الرفيعة منها بسبب موقفها السلبي تجاه تفاقم القمع. من جهتها، دعت جماعات حقوقية دولية إلى وقف الإبادة ضد الروهينغا، كما دعت هيومن رايتس ووتش إلى فرض عقوبات وحظر على السلاح ضد جيش ميانمار. الموقف الأمريكي جاء محتشماً عبر بيان للبيت الأبيض اكتفى بالمطالبة بحماية المدنيين. وقال البيت الأبيض في بيانه: "ندعو سلطات الأمن في بورما (ميانمار) إلى احترام سيادة القانون ووقف العنف وإنهاء تشريد المدنيين من جميع الطوائف". من جانبه، أدان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العنف في ميانمار وطالب بالسيطرة على الموقف، فيما أعربت الصين عن مساندتها لحملة ميانمار ضد من وصفتهم ب"الإرهابيين". جيش إنقاذ روهينغا أركان تأسس "جيش إنقاذ روهينغا أراكان"، في مارس الماضي، معلناً أنه يقاتل دفاعاً عن أقلية الروهينغا المضطهدة في ميانمار. وأعلن "جيش إنقاذ روهينغا أراكان"، المعروف محلياً باسم "حركة اليقين"، مسؤوليته عن الهجمات التي وقعت في 25 أوت الماضي، وغارات مماثلة أصغر في أكتوبر 2016. يقود هذا الفصيل المسلح عطاء الله، الذي يصدر أحياناً رسائل بالفيديو يكشف فيها عن مواقف جماعته إزاء التطورات في ولاية راخين (أركان). ولد عطاء الله أبو عمار جونوني في كشمير في باكستان لأب مهاجر من الروهينغا، و سافرت أسرته إلى السعودية وهو في التاسعة من عمره حيث ترعرع، حسب مجموعة الأزمات الدولية. وفي لقاء عبر سكايب، من موقع لم يتم الكشف عنه، مع وكالة رويترز للأنباء في مارس الماضي قال عطاء الله، إن حركته ستواصل القتال حتى لو مات مليون شخص، إلا إذا اتخذت زعيمة البلاد أونغ سان سو كي إجراءات لحماية الروهينغا. ونفى عطاء الله أي صلة بإسلاميين أجانب، وقال إن الحركة تركز على حقوق الروهينغا، مشيراً إلى تعرضهم لاضطهاد على يد الأغلبية البوذية في ميانمار. وقال عطاء الله: "لا يمكننا أن نضيء الأنوار ليلاً، لا يمكننا التنقل من مكان لآخر خلال النهار أيضاً، نقاط تفتيش في كل مكان، ليست تلك طريقة ليحيا بها آدميون". وتعتبر السلطات في ميانمار "جيش إنقاذ روهينغا أركان"، "تنظيماً إرهابياً". جدير بالذكر، أن تنظيم القاعدة دعا المسلمين إلى دعم الروهينغا بالمال والسلاح والنفير إلى إقليم أركان في ميانمار لحمايتهم، لكن مسلمي الروهينغا رفضوا بشكل واضح هذه المساعدة وطالبوا "دول المنطقة باعتراض ومنع دخول إرهابيين إلى ولاية راخين"، معتبرين أن دخولهم "من شأنه أن يفاقم الوضع". وكتب "جيش إنقاذ روهينغا أراكان" في بيان على تويتر: "ليس لدينا أية علاقات مع تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أو أي مجموعة إرهابية دولية. ولا نرغب في أن تتدخل هذه المجموعات في النزاع في أراكان".