تستقطب محلات الشاي الصحراوي بديكور خيماتها المميز ورائحة الشاي الممزوج بالليمون والنعناع المنبعثة منها المارين من أطفال، نساء، مراهقين وشيوخ تعوّدوا على احتسائه حتى أضحى تقليدا يوميا، لكن خلف الديكور الجميل ووراء الصواني المصفوفة صور وحقائق لكوارث صحية وقفنا عليها خلال جولة قادتنا إليها مع أعوان الرقابة وقمع الغش. يمتلك معظم باعة الشاي والمكسرات بطاقة حرفية تسمح لهم ببيع الشاي فقط، فوضع كراس أو طاولات للجلوس إليها واحتسائه يعد مخالفة وحتى عرض الحلويات التقليدية أيضا يصبح نشاطا خارج النشاط المذكور في السجل التجاري، وهو ما كشفه لنا فريق أعوان الرقابة وقمع الغش المكوّن من ممثل مديرية التجارة، دهار العياشي، ورئيس محقق رئيسي للمنافسة والتحقيقات الاقتصادية، نعيمة سماش، اللذان رافقناهما خلال مراقبة المحلات بالأبيار.
مواد تنظيف جنبا إلى جانب مع إبريق الشاي عندما ولجنا أول محل والذي كان مزينا بصواني الحلويات التقليدية ظننا أنه لن تكون مخالفات هنا، فكل شيء يبدو على ما يرام. وبمجرد ما طالب ممثل مديرية التجارة العامل بالسجل التجاري امتقع لونه، فالأمر يتعلق بالرقابة وهو ما يخشونه دوما، ليتصل بصاحب المحل ويطالبه بجلبه، في الوقت الذي راح فيه أعوان الرقابة يفحصون المحل، والملاحظة الأولى كانت غياب سخان المياه وهو أمر ضروري ومشروط في جميع المحلات لكي يستعمل الماء الساخن في غسل الأواني، والصدمة كانت كبيرة لما شاهدنا إبريق الشاي إلى جانب قارورة ماء جافيل، وسائل مسح الأرضية، والصابون. وما إن فتح ممثل المديرية خزانة صغيرة حتى بهتنا، صينيات حلويات مازالت بقايا عالقة عليها تغرق في العسل مخبأة من دون غسل، أغراض متسخة، مصفاة شاي تحول لونها من الأبيض إلى الأسود القاتم، ضف إلى ذلك الوعاء الذي يتم غلي الشاي فيه أصبح غطاؤه ملتصقا جراء تراكم الأوساخ والغبار عليه لفترة طويلة، وهو ما يدل على عدم غسله لفترة، علبة حلوة الترك وعليها سائل أسود اللون ولم تكن وضعية الأرضية أحسن بل كل ما في المحل كان بحاجة لحملة نظافة.
خلطات أعشاب مجهولة ومقويات تقدّم مع الشاي وما شدّ انتباهنا هو عرض بعض خلطات أعشاب علاجية ومقويات يتم إضافتها للشاي حسب الرغبة كمربى الزنجبيل، مربى الحبة السوداء، مربى الحلبة بالشكولاطة، مربى الزنجبيل بالكراميل، مربى الزنجبيل بالنعناع. وعند اطلاعنا على استخداماتها وجدنا غالبيتها مخصصة لعلاج الضعف العام، فقدان الشهية، وتعالج بعض الأمراض كالضغط. واستغرب ممثل مديرية التجارة وجود هذه الخلطات في محل للشاي بالرغم من تبرير العامل بكثرة طلب الزبائن عليها ليطالبه بعدم عرضها مرة أخرى. بعد فترة قدّم صاحب المحل يحمل بيده السجل التجاري، فراح فريق الرقابة يعدد له النقائص والمتمثلة في احتياط الماء، السخان والنظافة ليبرر الأمر بجهله ضرورة ذلك وتعهد بتنظيف المحل، ولما استفسروه عن مصدر المنتجات عديمة الهوية ويتعلق الأمر بالحلويات السورية، رد بأنها من عند متعامل سوري، أما "الفلان" و"موس الشكولا" فهي من آخر جزائري ليطالبوه بضرورة عرض بيانات الممول والمواد التي تصنع منها، وبعد مراقبة سجله التجاري أكدا له أن الحلويات غير مدرجة فيه فقط الشاي والمكسرات وقد سبق وأن قدمت إليه فرقة الرقابة وقمع الغش ووجهت له الملاحظات.
عمال يمارسون مهامهم من دون ملف صحي ولم يفوّت طاقم الرقابة الفرصة لتحذيره من التخزين العشوائي وبطريقة غير منتظمة، كما أنذرا صاحب المحل بخصوص وضعية العامل فلابد أن يحوز ملفا صحيا متعلقا بالأمراض الصدرية، الطب العام والتحاليل الطبية يجدد كل 6 أشهر لأن المحل تعرض فيه مواد موجهة للاستهلاك، وهذا حرصا على سلامة المستهلكين من الأمراض. ليشتكي صاحب المحل من هجرة العمال ففي كل مرة يأتي بعامل جديد. ليوجه بعدها فريق الرقابة استدعاء لصاحب المحل للقدوم لمصلحة حماية المستهلك وقمع الغش لتحرير محضر معاينة وتصريح ضد المعني، وسيكون أمامه خيار دفع غرامة الصلح وتتراوح مابين 10 إلى 30 مليون سنتيم، أو المتابعة القضائية لدى المحكمة المختصة إقليميا أو غلق المحل لحين تسوية وضعيته.
حلويات شرقية وقلب اللوز مزينة بغبار الطرقات بالرغم من ضيق المساحة داخل جل محلات بيع الشاي لكن أصحابها يصرون على ديكور الخيمة، وهو ما يقلّص حجمها بشكل كبير جدا. دخلنا محلا ثانيا بدا العامل فيه وهو ابن منطقة الجنوب "تيميمون" معتزا بالديكور فهو يعبر عن أصالة المنطقة، لكن ما صدمنا هي صينيات الحلويات وقلب اللوز الموضوعة في زاوية بعضها على الأرض، وأخرى فوق طاولة بمحاذاة الطريق عرضة للغبار وعبث الزبائن ليفحص بعدها الطاقم الأواني والمكسرات. وما لفت انتباهنا في هذا المحل تواجد نفس الخلطات الغريبة السابقة من خلاصة الحلبة، الزنجبيل لاستعمالها في الشاي، وعند الاطلاع على السجل التجاري ورخصة الاعتماد تبيّن أنها خاصة بمطعم ومقهى ولا تتعلق بالمحل فتم استدعاء صاحب السجل التجاري لمقر المديرية للتحقق من الرموز وطبيعة الرخص المسلمة له.
قارورات مسرطنة لوضع الشاي الساخن من الأمور التي تصدمك في المحلات الخلفية دوما أنها عكس ما يظهر للزبون، وهو ما شاهدناه في جولتنا، فالفوضى سيدة الموقف في الغالب، في المحل الأخير والذي يعمل فيه شاب قدم من ولاية أدرار، كان يستعمل التخزين العشوائي فوضع "الطابونة" في الأرض، الأواني جميعها بكبر حجمها وثقل وزنها معلقة، قارورات غاز "البوتان" موضوعة على الرف وهو خطر حقيقي، والأدهى من هذا كيس بلاستيكي كبير يحتفظ فيه بقارورات المياه المعدنية كبيرة الحجم وصغيرة الحجم كي يضع فيها الشاي للزبائن، وهنا اندهش المراقبون وحذّروه من خطورة وضع مشروب ساخن في قارورة بلاستيكية ليطلب منهم مهلة لتحسين الأمور فوجهوا له إعذارا شفويا حتى يكمل بعض النقائص. ويحرص أعوان الرقابة على مراقبة نوعية الملاعق المقدمة في هذه المحلات والتي لابد أن تكون ثقيلة، فغالبية المحلات يعتمدون على نوعية رديئة سهلة الاعوجاج مصنوعة من "الزاماك"، وهو قصدير مطلي باللون الفضي تسبب السرطان لمستعمليها لذا يمنعون استخدامها ويصادرونها فور العثور عليها. وبعيدا عما شاهدناه ووقفنا عليه من غياب للنظافة والترتيب في هذه المحلات، إلا أنها تظل الأقرب والأحب للناس، حتى الماكثات بالبيت وجدناهن قد خرجن بعد وجبة الغذاء لشرب الشاي وأطفال قدموا لشراء فول سوداني "كاوكاو" حار وبذور الذرة بطعم الجبن و"الباربيكا"... وغيرها من المكسرات الغريبة والجديدة التي كنا نسمع الطلب عليها في كل مرة.