رغم الضجة الإعلامية والدبلوماسية الكبرى التي أثيرت خلال الأسابيع الماضية، فإنّ الزّائر إلى مخيمات الرّوهينغا في بنغلادش يقف على هول المأساة للاجئين يواجهون مصيرهم وحدهم دون أدنى التفاتةٍ من المجتمع الدولي الذي دخل في "بكائية استعراضية" من دون أن يقدِّم الحد الأدنى من المساعدة الإنسانية والأمنية والدبلوماسية لهؤلاء. قصصٌ وشهادات يرويها الرّوهينغا النّاجون من المذابح يعجز العقل عن استيعابها، أطفال صغار يتمّ حرقُهم بالنّار وإغراقُهم في المستنقعات أمام آبائهم وأمهاتهم، ونساء يتداول الجنود على اغتصابهن ثم قتلهن، ورجال يُقتَلون بدم بارد من دون أن يرتكبوا شيئا... مذبحة يعلم العالم أجمع حقيقتها لكن لا أحد يعطيها حقها من الاهتمام! في هذه اللّحظة التي أخطّ فيها كلماتي ما زالت المذابح تُنفَّذ على نطاق واسع، ولا يزال الروهينغا الناجون من المذابح يتدفقون على الحدود مع بنغلادش، في ظروف لا يمكن وصفها، وسط المستنقعات والوديان، ولا يزال البوذيون والجيش البورمي يطاردون ما تبقى من المسلمين داخل إقليم أركان، من دون أن يتحرك المجتمع المدني بقوة لوقف المذبحة. وإلى الآن لا يزال الأطفال والشيوخ يموتون جوعا ومرضا في مخيَّمات لا تصلح للبهائم، بينما يمسك العالم الإسلامي الذي يملك نصف ثروات العالم ولا يعطي منها شيئا للروهينغا، الذين يكفيهم القليل، للخروج من الوضعية المأساوية التي يعيشونها. لقد ترك 1.7 مليار مسلم مصير مليون لاجئ روهينغي في العراء، ولم يتحرك إلا القليل من الأتراك وبعض المنظمات الإنسانية من الجزائر، لكن ما وصل لا يكفي للتكفل بهؤلاء الحفاة العراة الذي يعايشون الجوع والمرض ويواجهون الخوف في صورة تعبِّر صدقا عن موت الضمير الإنساني. أين نجوم الفضائيات من الدّعاة الذين يتبجّحون بخدمة الإسلام والمسلمين؟ لو خصّصوا مدخول شهر واحد من الأموال التي يحصلونها عن طريق الإشهار في حساباتهم على تويتر وفيسبوك لخففوا من معاناة شعب الروهينغا.. أين الأثرياء ورجال الأعمال والفنانون والتجار؟.. أين التنويريون الذين يدّعون أنهم أرباب "الإنسانية" من هذه المأساة المستمرة؟ سمعنا الكثير من الكلام والتباكي والتهديد والوعيد من زعماء على ما يحدث، وسمعنا الآلاف من الخطب الرنانة هنا وهناك، لكن لا أثر لكل ذلك في وقف مذبحة العصر المستمرة منذ 25 أوت الماضي إلى الآن في حق الروهينغا.