الآن وقد أسدل الستار على مغامرة المنتخب الجزائري في نهائيات كأس العالم لكرة القدم، يمكننا أن نقف وقفة موضوعية - بعيدا عن أجواء "الخضرة" السائدة ! - لتقييم مشاركتنا في هذا الحفل الدولي المتواصل بجنوب إفريقيا منذ 11 يونيو الجاري. لا جدال أن العناصر المهاجرة التي تقمصت الألوان الوطنية في هذه المنافسة تستحق كل التقدير والاحترام. لقد لبت النداء، وأبلت البلاء الحسن سواء في التصفيات أو النهائيات.. لكن لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وليس الذنب ذنبها إذا كان المدرب الوطني رابح سعدان أصر على خوض نهائيات جنوب إفريقيا بلا هجوم، كما يدل على ذلك عقم الخط الأمامي خلال المباريات الثلاث للدور الأول. ولعل عمى المدرب الوطني على هذا الجانب، يعود إلى لعنة عناصر النخبة المحلية التي أصر على تهميشها بشكل لافت، إذ لم ير في فرق النخبة كلها عنصرين أو ثلاثة، يمكن أن يعالج بها عقم هجومه! هذا الإصرار الغريب لا ندري خلفياته، وربما تكشف الأيام التوالي عن بعض خباياه! وبخصوص مشاركة الفريق بصفة عامة، يجدر بنا التذكير - غداة إقصاء المنتخب الجزائري في الدور الأول- بالحكمة القائلة، بأن الإنسان يتعمق إحساسه بالسعادة كلما قارن حاله بحال غيره. فحالنا - والحمد لله ! - أحسن من حال كوريا الشمالية مثلا .. وهي بكل تأكيد أحسن من حال فرنسا! ومن المفروض أن تكون خيبة الجمهور الكروي عندنا أهون من خيبة جمهور البلد المنظم الذي كان من حقه أن يتطلع - بكل مشروعية - إلى تجاوز "البفانا - بفانا" عتبة الدور الأول.. ونعود إلى حال فرنسا لنقول بدون مبالغة أنها منيت ب "واترلو" (*) كروي حقيقي! فلا شك أن منتخب الديكة دخل النهائيات ، ولعنة التأهل غشا على حساب إيرلندا تطارده! فقد كسب ورقة التأهل بلمسة يد صارخة، أسكن بها الهاجم تيري أنري الكرة في شباك الحارس الإيرلندي بباريس، نقول أن اللمسة كانت صارخة، لأنه لا مجال للتمويه عليها، بدليل أن صاحبها اعترف بها علانية عقب ذلك. والطريف في الأمر أن السلطات الفرنسية - في أعلى مستوى ! - تقبلت هذا الغش الموصوف عن طيب خاصر، مفضلة الإلقاء بالمسؤولية على حكم المقابلة! غير مقدرة حق قدرها مضاعفات ذلك على الصعيد البسيكولوجي لعناصر المنتخب نفسها! للتذكير أن الجمهور الرياضي بفرنسا أسوة بفئات واسعة من المجتمع السياسي والمدني، لم يخف استنكاره ورفضه - ضمنا وعلنا - لطريقة التأهل بالغش.. وكان المفروض أن تستخلص الجهات المعنوية - بفرنسا وفي الاتحادية الدولية لكرة القدم - النتيجة من ذلك، فتقرر إعادة المقابلة، حتى يتحرر الجميع من سلطان الغش وآثاره النفسية والأخلاقية.. وهذا ما لم يحدث للأسف، فكانت العاقبة "واترلو" سيكولوجي كذلك! إن التركيز على حال فرنسا لا يعني طبعا أن الساهرين على أمر الكرة - وغيرها - هناك يحتكرون ظاهرة الغش في الرياضة - ذلك أن نظراءهم عندنا - وفي عدد لا بأس به من بلدان البؤس والتخلف - لا يختلفون عنهم! إن لم يتفوقوا عليهم، شأن التلميذ الذي كثيرا ما يتجاوز أستاذه! فالسادة المسؤولون على شأن الكرة في بلادنا يغشون بالكذب الموصوف على الذات، وعلى الجمهور المحب لهذه الرياضة بصفة عامة. ويبدو الغش عندنا في المنطلق ذاته: إمكانية تكوين فريق وطني يتجاوز النخبة المحلية لكرة القدم جملة وتفصيلا! فمادامت الجزائر في بحبوحة مالية - بفضل الريع النفطي - لماذا لا نكوّن منتخبا من عناصر جلها من الخارج، تكون أكثر جاهزية لمواجهة التحديات على المدى القصير، تصفيات كأسي العالم والأمم الإفريقية! إن منطق المدى القصير في الرياضة - شأن مختلف الميادين الجدية للنشاط الإنساني - منطق باطل من أساسه.. تماما مثل منطق محاولة الفوز بالمال وبالصحافة! فهذه وذاك ما هما سوى قوة إسناد، يمكن أن تساعد حقا القوى الفاعلة في الميدان، لكن لا يمكن أن تحل محلها أو تحقق النصر بدلها! فالنصر في الكرة يصنعه عمل تحضيري طويل النفس، تشرف عليه نخبة نزيهة من المسيرين من ذوي الكفاءة والرأى السديد والغيرة الوطنية الحق، "لا غيرة" الهرج والمرج والتلاعب بعواطف هواة الكرة. إن مثل هذه "الغيرة" المغرضة - الموظفة لتغطية الغش بالكذب الموصوف - هي "غيرة" باهظة التكلفة، على ضوء الموارد التي أنفقت في محاولة تحقيق "فوز رياضي سريع" في كأسي العالم والأمم الإفريقية، كما هي باهظة التكلفة على الصعيدين السياسي والدبلوماسي. - سياسيا لأن السلطات مطالبة بالإنفاق على تصريف الغضب الذي يمكن أن ينجم من تفطن جمهور الكرة خاصة، لإبعاد "الحضرة" التي استدرج إليها بتجنيد وسائل الإعلام بطريقة غير مسبوقة! - دبلوماسيا لأن السلطات مطالبة بمعالجة الانعكاسات السلبية لهذه "الحضرة" على التضامن العربي خاصة.. (*) معركة حقق فيها الإنجليز نصرا تاريخيا على جيوش نابليون في 18 يونيو 1815م.