بعد سنوات من الاشتغال العلمي في مجال النقد الشعري والبحث الأكاديمي الأدبي المتشعّب، أثمرت الجهود المعرفيّة للدكتور يوسف أوغليسي، عن كتاب جديد متفرّد بعنوان "التحليل الموضوعاتي للخطاب الشعري"، يعرّف بالأصول النظرية للموضوعاتية، مستوحاة من مظانها الأولى، ويمارس تطبيقها على نصوص شعرية معاصرة، ويستعرض بالتحليل والنقد، أهمّ التجارب العربية في هذا الحقل المنهجي. وقد تساءل المؤلف رئيس اللجنة العلميّة لقسم الآداب واللغة العربية بجامعة منتوري في قسنطينة، عن خلفية اصطفاء هذا المنهج، على وجه التخصيص، ولماذا اعتماده مادةً للبحث، دون سائر المناهج؟ ثم يجيب في مقدمة الكتاب عن ذلك، فيقول يبدو المنهج الموضوعاتي واحدا من أندر المناهج حظوة وحضورا، وأقلّها استعمالا في الممارسات النقدية العربية، وأكثرها التباسا واستعصاءً لدى جمهور الباحثين العرب، مثلما يبدو النقد العربي المعاصر حديث العهد بهذا المنهج، سيّء الحظّ منه؛ إلى درجة أنّ سائر المناهج يصطفّ بعضها وراء بعض في عموم الكتب العربية التي تُمنهج النقد وتنظّر لمفاهيمه وتؤرّخ لرواده وتعرّف بمناهجه وتستحضر تطبيقاتها وتحاول تيسير كيفيات استعمالها وتعليمها؛ فتشير إلى جلّ ما يروّج في صندوق النقد الأدبي من مناهج نقدية متعدّدة، لكنها لا تكاد تنبسُ ببنت شفة منهجية موضوعاتية، حيث لا مكان لهذا المنهج حتى في أهمّ كتب المناهج النقدية وأشهر مدوّنات النقد العربية وأشدّها رواجا وأغناها معرفة. ومن هذا الفراغ السحيق، "رحنا نفرد لهذا المنهج كتابا كاملا"، مثلما يضيف الكاتب. وأوضح الدكتور يوسف أوغليسي أنه يراهن على هذا المنهج الذي يبتغي المصالحة بين الدال والمدلول في إطار "شكل المحتوى"، والمعايشة بين أنصار التفسير النصاني الشكلاني النسقي، وأنصار التفسير السياقي التكويني للمعنى، إذ يخلق فضاء مشتركا لا تبغي فيه فئة منهجية على أخرى، من شأنه أن يكون مخرجا شريفا لصراع منهجي متعصب، كان النص الإبداعي الخاسر الأكبر خلاله، حين انشغل النقاد عنه بالهدر الطويل والجدال العقيم في شؤون المفاضلة بين أدوات المقاربة المنهجية، يوم كان النص أحوج ما يكون إلى تشغيل مقولة "الغاية تبرر الوسيلة". وعلى ذمة هذا الرهان المنهجي الطموح، يقول المؤلف، أردنا لهذه الممارسات الموضوعاتية أن تشكل مشروعا منهجيا مفتوحا من شأنه أن يكون أبرز محطات المسار النقدي الشخصي". ويؤكد روّاد الأدب العربي أنّ كتاب الناقد المتخصص أوغليسي، سيشكل واحدا من أهمّ المراجع العلميّة في الوطن العربي ضمن التخصص النقدي، وربّما هو جهد معرفي غير مسبوق، سيلقى رواجا كبيرا في الأوساط الأدبيّة داخل وخارج الوطن.