في الذكرى التاسعة والثلاثين لوفاة الرئيس الراحل هواري بومدين، تضيئ الشروق المزيد من نقاط الظل المظلمة في حياة الرئيس الراحل محمد بوخروبة، من خلال الحديث مع شخصيات تاريخية وسياسية كانت مقربة من الرجل.. وتطالعون في هذا الملف الثري العديد من الحوارات الصحافية مع رجال لديهم ما يقولون وما يكشفون من بعض الخفايا عن فترة رئاسة الرجل الذي ما يزال يحظى إلى اليوم بشعبية جارفة وسط الجزائريين، حتى بين أبناء الأجيال التي لم تعاصر فترة حكمه، لكنها تسمع عنها الكثير والكثير.. وبهذه المناسبة نبدأ الملف مع عميد الوزراء الجزائريين الدكتور بوعلام بن حمودة، الذي يستحضر المناقب الإنسانية للرجل، ويكشف عن الأبعاد الإنسانيّة في شخصية القائد الملهم، وكيف كان يتعامل مع مساعديه من وزراء ومستشارين. . --- عميد الوزراء الجزائريين الدكتور بوعلام بن حمودة ل"الشروق": بومدين بكى في مواقف كثيرة.. وهكذا سيّر الملفات الساخنة - بوخروبة قائد هادئ.. يستمع ويستشير ويقبل الرأي الآخر - بومدين رجل يحبّ النّكت ويضحك خارج الاجتماعات وزير المجاهدين والعدل والأشغال العمومية طيلة 13 عامًا من عهد بومدين، تحدّث في حوار مع "الشروق" عن إدارة الرئيس لاجتماعات الحكومة، وطريقة عمله مع الوزراء في معالجة الملفات الكبرى، مؤكدا أنه كان رجلا هادئ الطبع، يُنصت كثيرا ويستشير على نطاق واسع، قبل أن يستقرّ رأيه على اتخاذ القرار السياسي. وأضاف الأمين العام الأسبق لجبهة التحرير الوطني أنّ بومدين، وعلى خلاف ما تُظهره "الكاريزما" القوية التي حباه الله بها، فإنه إنسان اجتماعي إلى أبعد الحدود، يحب النكتة حكاية وسماعًا، ويضحك خارج اللقاءات الرسميّة، مثلما يتأثر بشدّة إلى حد البكاء في مواقف أخرى، ذكر "بن حمودة" في حديثه مع "الشروق" نماذج عنها. عشتم كوزير في قطاعات عديدة لسنوات مع الرئيس هواري بومدين رحمه الله، ماذا تتذكرون عن "الإنسان"، وكيف تصفون مشاعره الإنسانية من خلال معايشتكم له؟ إن الحديث عن المرحوم الرئيس هواري بومدين يتطلب مؤلّفات نظرا إلى الدور الذي قام به كمجاهد من أجل تحرير الجزائر من قبضة الاستعمار وكقائد للأركان العامة لجيش التحرير الوطني وكوزير للدفاع الوطني، وكرئيس لمجلس الثورة ورئيس للجمهورية الجزائرية. فالحوارات على أهميتها في الحقيقة غير كافية لتغطية الموضوع، إلا أنها ستقدم بعض المعلومات التي توضح جوانبا من الشخصية العظيمة التي تميّز بها الرئيس هواري بومدين (محمد بوخروبة). صحيح أنني كنت عضوا في كل الحكومات التي ترأسها هواري بومدين من جوان 1965 إلى ديسمبر 1978، فشغلت على التوالي منصب وزير المجاهدين ثم وزير العدل ثم وزير الأشغال العمومية، فطول هذه المدة، تميّزت العلاقات بيننا بالأخوة والاحترام المتبادل، فخلافا لما يقال كان الرئيس هواري بومدين متفتحا وهادئ الطبع ينصت إلى محدثه ويتجنب الكلام الزائد، أما اجتماعات الحكومة فقد كانت تستغرق ساعات كثيرة، يتدخل فيها المعني بالملف والوزراء الآخرون كذلك، فالقرار النهائي يعلنه الرئيس كخلاصة وفية لما دار في النقاش. بعض مقربيه، أكد أن الرجل لم يكن يستشير أحدا في الواقع، بل يمرر قراراته الجاهزة عن طريق الاستشارة، ما تعليقكم؟ كان الرئيس يتقبّل الرأي الآخر، كدليل على ذلك قبل الرئيس رفضي لمنصب وزاري عرضه عليّ سنة 1969، ولمنصب وزاري آخر سنة 1977، ففي سنة 1969 فضلت أن أكمل مهمتي في وزارة المجاهدين، وفي سنة 1977 فضلت أن أذهب إلى الميدان كوزير للأشغال العمومية، فقد اقتنع هواري بومدين بحججي بكل أخوة ومن دون عبوس ومن دون امتعاض. هل فعلا كان الرئيس بومدين ينصت ويستمع أكثر مما يتكلم، وكيف أثر ذلك في اتخاذه للقرارات الكبرى؟ قلتم "كان الرئيس بومدين ينصت ويستمع أكثر مما يتكلم" وهذا صحيح، لقد كان صبورا في الاجتماعات، لأنه يطيلها لتسجيل كل الآراء، تعليقه عليها كان مختصرا لكنه لا يترك المناقشة تبتعد عن الموضوع، خارج الاجتماعات يخصص وقتا واسعا لاستقبال الوزراء وللاستفسار عن قطاعاتهم، أو الصعوبات التي يلاقونها في التنفيذ وفي علاقاتهم بزملائهم. طول الاجتماعات وطول مناقشة المشاريع وتعدد اتصالاته بالوزراء، كل ذلك يدل على بحثه عن الحلول النهائية، أضيف أنني كثيرا ما كنت أنبّهه في مقابلاتي له عن السلبيات في طريقة العمل، وفي بعض الاختبارات الأساسية، فقد كان يقبل ذلك ويسجله للتفكير فيه. وقد ذكرت سابقا أنني رفضت مرتين مناصب عرضها علي، ولم يغضب الرئيس من موقفي، لأنه كان يعلم أن ذلك الموقف مبني على النزاهة وعلى الصراحة. كثيرا ما وُصف الزعيم بومدين بكونه أب الجزائريين والفقراء، ماذا تتذكرون اليوم من إحساسه بحاجات وآلام الشعب؟ برنامج الرئيس هواري بومدين منبثق كله من برنامج طرابلس الذي صادق عليه المجلس الوطني للثورة الجزائرية في جوان 1962، وقد أثراه الرئيس بأهداف ملموسة، تصب كلها في مصلحة الفئات المحرومة، فالثورة الزراعية قصدت إعادة الكرامة لسكان الريف الذين كوّنوا الأغلبية في صفوف الثورة، والثورة الثقافية كان هدفها تعميم التعليم والتكوين والثقافة الوطنية، أما الثورة الصناعية فكانت تهدف إلى استرجاع الثروات لصالح الشعب الجزائري وتوفير الشغل للمواطنين، ورفع المستوى التكنولوجي للشعب الجزائري، قائمة الإنجازات لصالح الشعب الجزائري (بالأخص للفئات المحرومة) كثيرة وتستحق مجلدات (فك العزلة عن المناطق النائية، الطب المجاني، مساعدة المجاهدين وذوي الحقوق...)، فالقائمة طويلة. فئة عائلات الشهداء تحديدا كانت تمثل حملا ثقيلا على كاهل بومدين من موقعه كرئيس، كيف عاش الرئيس معاناة هؤلاء؟ أمام معاناة المجاهدين وذوي الحقوق حرص الرئيس هواري بومدين على التعجيل بحلّ مشاكلهم المتعلقة بالمنح وبالحقوق الاجتماعية، أتذكر أنه لبّى مطالباتي العديدة التي شملت ملف المنح والمبالغ المالية المخصصة لها وملف التشغيل وتوزيع أراض على الفلاحين من بين المجاهدين، وملف تخصيص أولوية في بعض قطاعات التوظيف والاهتمام بأبناء الشهداء (من خلال مراكز توفر لهم الإيواء والتعليم والتكوين)، وإنشاء مراكز للمعطوبين المحتاجين إلى تجهيزات خاصة. وقد وافق الرئيس على منح حق مواصلة الدراسة الجامعية لمجاهدين كان لهم مستوى البكالوريا عند شن الإضراب والالتحاق بصفوف ثورة التحرير. والمعروف أنه كان دائما يحضر المناسبات التاريخية التي تقترحها المنظمة الوطنية للمجاهدين بتنسيق مع وزارة المجاهدين (مثل الاحتفال بيوم 20 أوت المجيد). هل ينكّت بومدين عند حديثه مع الآخرين، وهل يحب سماع النكتة من غيره؟ كثيرا ما ينكّت خارج الاجتماعات الرسمية وخاصة في اللقاءات المحدودة العدد. هل تذكر حالات بكى فيها الرئيس بومدين أو أثرت فيه كثيرا غير المتداولة بين الجزائريين؟ رجوت مرارات من الرئيس هواري بومدين أن يزور مركزا من مراكز أبناء الشهداء فلاحظت أنه كان متأثرا جدا لأن المشهد كان يذكره بتضحيات آبائهم وتضحيات الشعب الجزائري برمّته، كما لاحظت تأثره في مناسبات أخرى هامة، أذكر منها مناسبة الإعلان عن تأميم المحروقات (1971) أو الإعلان عن التخلص من العمل بالتشريع الفرنسي الموروث (4 جويلية 1975) أو الإعلان عن الثورة الزراعية (1971) التي تعطي الأرض خصوصا لمن يخدمها وتعيد الكرامة إلى فئة الفلاحين وفئة العمال. إن أهم شيء كان يشغل باله هو بناء مؤسسات الدولة الجزائرية ورفع المستوى الثقافي والعلمي وازدهار الاقتصاد الوطني من دون أن يستغل الإنسان أخاه الإنسان، كل ذلك داخل جزائر سيدة اختياراتها وفي علاقاتها مع غيرها من الدول. حاوره: عبد الحميد عثماني . --- وطيدة مع بوتفليقة والشاذلي.. مقبولة مع كافي وسيئة مع بوضياف هكذا كانت علاقة بومدين برؤساء الجزائر منذ الثورة إلى اليوم عرفت علاقات الرئيس الراحل هواري بومدين بمختلف الشخصيات التي تولت رئاسة الجزائر الكثير من التجاذبات، ففي الوقت الذي توجد شخصيات يتصف معها بعلاقة جيدة، على غرار الشاذلي بن جديد وعلي كافي وعبد العزيز بوتفليقة، فإن هناك شخصيات أخرى اتسم التعامل معها بنوع الفتور، أو غياب أوجه التوافق من أساسه، مثلما حدث مع بوضياف وفرحات عباس وبدرجة أقل بن يوسف بن خدة. أكد الدكتور رابح لونيسي من جامعة وهران ل"الشروق"، بأن علاقة بومدين كانت عادية مع فرحات عباس الذي يعد أول رئيس للحكومة المؤقتة، لأن بومدين كان قائد العمليات في الغرب الجزائريين، ولم تكن له إحتكاكات معه، وعندما أصبح بومدين قائدا للأركان العامة في جانفي 1960 كان من المفروض حسب محدثنا أن يكون تحت مسؤولية اللجنة العسكرية الثلاثية (كريم وبوصوف وبن طوبال)، لكن استقل عنهم، وهو ما يعني في نظر رابح لونيسي أنه استقل عن الحكومة المؤقتة نهائيا، ما خلف مشاكل آنذاك، لكن هذا لم يمنع حسب محدثنا فرحات عباس من الإلتحاق بتحالف بن بلة-بومدين أثناء أزمة 1962، وهو الالتحاق الذي لم يكن على قناعة في نظر الدكتور رابح لونيسي، بل انتقاما من رئيس الحكومة الجديد بن يوسف بن خدة، أي قضية شخصية، وهو ما ندم عليه فرحات عباس كثيرا فيما بعد، واصفا تصرف فرحات عباس أنه تم على أساس عاطفي وانفعالي، بدليل أن فرحات عباس تولى رئاسة المجلس التأسيسي بعد استرجاع الاستقلال ليستقيل بعد تجاوز تحالف بن بلة-بومدين المجلس التأسيس وصياغة دستور خارجه أي في قاعة الماجستيك آنذاك - الأطلس اليوم، وتدهورت العلاقة بينهما عندما أصبح بومدين رئيسا بعد انقلاب 19جوان 1965، واستمرت على ذلك حتى إصدار فرحات عباس ومعه كل من بن خدة وحسين لحول والشيخ خير الدين بيانا في 1976 ضد سياسات بومدين خاصة مشروع الميثاق الوطني وكذلك ضد سياسته اتجاه قضية الصحراء الغربية والمغرب الأقصى، فوضع بومدين الأربعة تحت الإقامة الجبرية، كما أممت صيدلية فرحات عباس، لكن بعد وفاة بومدين لم يتوان فرحات عباس على زيارة قبره غداة دفنه، وصوّر التلفزيون ذلك وأعلنها في نشرة الأخبار، فقد ألف فرحات عباس عدة كتب، أنتقد فيها سياسات بومدين كثيرا واصفا اياها ب"الشيوعية والدكتاتورية". من جانب آخر، يرى الدكتور رابح لونيسي بأن علاقة بومدين مع بن خدة بصفته ثاني رئيس للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، فقد كانت جيدة في البداية، بل طلب منه بومدين أنه سيدعمه في كل شيء مقابل تخلصه من الباءات الثلاث كريم وبوصوف وبن طوبال، لكن ساءت العلاقة بينهما بعد قضية الجندي الأسير في تونس، بسبب رفض بومدين تسليمه للحكومة المؤقتة، فاستقال بومدين من قيادة الأركان كمناورة منه، ليعيده ضباط جيش ما وراء الحدود، لتستقل قيادة الأركان العامة نهائيا عن الحكومة المؤقتة، لأن هذا يعني أن بومدين قد عينه ضباط الجيش، وليس الحكومة المؤقتة، فمنذئذ والعلاقات بينهما تتدهور حتى وصلت إلى حد إقالته من طرف بن خدة أثناء أزمة صيف 1962 ورفضه ذلك، والتي كانت بداية الطريق لزحف جيش ما وراء الحدود على العاصمة لأخذ السلطة وتنصيب بن بلة رئيسا للجزائر بعد انتخابات صورية. وقال الدكتور رابح لونيسي في سياق حديثه ل"الشروق": "لكم ساءت علاقات بن بلة ببومدين بعد محاولات بن بلة التخلص منه ومن مجموعة وجدة بإقالة وزرائها في حكومته الواحد تلو الآخر حتى وصل عند وزير الخارجية بوتفليقة الذي رفض الاستقالة، مما أدى إلى انقلاب 19جوان 1965، فوضع بن بلة في الإقامة الجبرية حتى وفاة بومدين ليطلق بن جديد سراحه"، مضيفا في السياق ذاته "أما علاقات بومدين ببن جديد فقد كانت جيدة على العموم، وكان يزوره في وهران عندما تشتد عليه الأمور، وكان كثير الاستشارة له، وعندما مرض بومدين عيّن بن جديد كمنسق أعلى للجيش والأمن، مما مهد له الطريق لتولي الرئاسة في 1979". وبخصوص علاقة بومدين بالرئيس المغتال محمد بوضياف فيرى الدكتور رابح لونيسي بأنها لم تكن جيدة على الإطلاق، وهذا منذ أن رفض بوضياف عرض بومدين عليه بواسطة بوتفليقة تولي الرئاسة، ورد على مبعوثه بطريقة فضة، فقد كان بوضياف حسب محدثنا من أشد المعارضين لبومدين طيلة حياته، من خلال حزبه "حزب الثورة الاشتراكية"، مضيفا بالقول "يروج بأن بوضياف حل حزبه بعد متابعته جنازة بومدين، لكن يبدو أنه ليس صحيحا، فحل بوضياف لحزبه يعود إلى المشاكل والانشقاقات الحادة التي عرفها الحزب آنذاك". أما علاقة بومدين بعلي كافي، فقد وصفها الدكتور رابح لونيسي بالمتوافقة، حيث قال في هذا الجانب "لقد شاركا سويا في اجتماع العقداء العشر في صيف 1959، وتطابقت مواقفيهما في كثير من القضايا المطروحة آنذاك، فأصبح كافي سفيرا في عدة دول عربية في عهد بومدين، وهو نوع من التهميش والإبعاد له". أما بخصوص الرئيس السابق اليمين زروال فيرى الدكتور رابح لونيسي أنه من المستبعد أن يكون قد إحتك ببومدين كثيرا، على خلاف الرئيس الحالي للجمهورية عبد العزيز بوتفليقة المعروف حسب محدثنا بالعلاقات الوطيدة مع بومدين منذ أن تعارفا في المغرب الأقصى، وتوطدت هذه العلاقات لدرجة أنه كان بمثابة نائبا للرئيس بومدين، ولو أن هذه العلاقات حسب الباحث رابح لونيسي قد عرفت بعض التجاذبات، لكنها عادية وموجودة في كل العلاقات. صالح سعودي . --- الوزير والدبلوماسي السابق مصطفى بن عمر يكشف: بومدين ترك 18 مليار دولار كدين خارجي والشاذلي بريء - بن بلة له يد في اغتيال خميستي وفتحي الذيب تجاوز حدوده - المصريون والكوبيون كانوا يتدخلون في شؤون الجزائر - اتهموني بمحاولة اغتيال بن بلة بسبب مستحقات "و.أ.ج" لدى المصريين - عينت "غلام الله" في الأمانة العامة لوزارة التربية لتجنّب تهمة الفرنسة - الحسن الثاني كان متعاليا واستغل صراع قادة الثورة لخدمة أطماعه يتطرّق الدبلوماسي السابق، وزير الميزانية والتجارة والتربية في عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، مصطفى بن عمر، في كتابه الأخير "بين الدبلوماسية والمهام الوزارية"، الصادر مؤخرا عن منشورات "هومه" إلى ذكرياته والمواقف التي صادفته في مهامه التي تنقل أثناءها بين عدة سفارات وممثليات دبلوماسية جزائرية مباشرة بعد الاستقلال، حيث التحق بشؤون الخارجية للعمل مع محمد خميستي، الذي أوكلت له مهمة تنظيم الوزارة. يضعنا الوزير والدبلوماسي بن عمر في صورة السنوات الأولى للاستقلال حيث "وقعت بعض التعيينات الصادمة.." التي أوصلت "الدخلاء الوافدين الذين كانوا يتابعون دراساتهم في هدوء واطمئنان بالشرق الأوسط أو أوروبا، بل حتى فرنسا، أتوا إلى الشؤون الخارجية لينتزعوا من دون أدنى صعوبة رتب مستشارين". "في تلك السنوات لم يكن مبنى الخارجية يبعد كثيرا عن فندق "سان جورج"، كان هناك المركز الآخر للسلطة يظهر أكثر تأثيرا، إذ كان تحت رعاية العقيد بومدين محاطا بضباط أوفياء وحيث كانت أيضا تأتي أخبار القيل والقال من فيلا "جولي" حيث كان يقيم بن بلة، لم تكن تشجع على إقامة جهاز دبلوماسي يليق بالثورة"، حيث أتباع بن بلة يتصرفون بأساليب "دنيئة" في بداية الاستقلال. ومن تلك الأساليب التي توقف عندها صاحب الكتاب قصة اتهامه بمحاولة اغتيال الرئيس بن بلة، والتي سردها المؤلف كما يلي "كان الأمر في الحقيقة يتعلق بمستحقات وكالة الأنباء الجزائرية على السفارة المصرية والتي كانت تتهرب من تسديدها...مع مرور الوقت، كبرت هذه الفواتير وأصبحت ثقيلة على الوكالة، الفواتير المذكورة كانت عبارة عن تكلفة البرقيات التي كان المصريون ومصالحهم الصحفية يرسلونها بكثرة إلى القاهرة عبر خط وكالة الأنباء الجزائرية، وكنت قد دعمت الوكالة لاستعادة مستحقاتها.. ووصل الأمر إلى السفير المصري آنذاك بالجزائر خشابة، الذي سبق له وأن تجاوز الحدود معنا، وقد كان يحث فعلا مع فتحي الذيب رئيسه وقائد المخابرات المصرية في القاهرة "أن يتصرف الاثنان مع مصالحنا بالأسلوب غير اللائق" يواصل الوزير رواية الحادثة فيقول "كان السيد خشابة على اتصال مستمر مع أحد المقربين لبن بلة كان مسؤولا أيام الثورة عن عبور الأسلحة الجزائرية من ليبيا ومصر، أقنعه خشابة أنني حاولت اغتيال بن بلة.. وكان الهدف من ذلك إخفاء تسوية فواتير وكالة الأنباء الجزائرية، وتخويف الذين يقفون حجرة عثرة في طريق "المصالح" المصرية في الجزائر". بومدين وكذبة 15 مليار دولار في ذات الكتاب يعرج مصطفى بن عمر أيضا على مهامه كدبلوماسي في عدة مناطق من العالم، من مالي إلى إسبانيا والبرتغال والصين والهند، وكذا مروره على وزارة المالية كنائب وزير مكلف بالميزانية، حيث تحدث عن قضية الدين الخارجي، ودافع عن الرئيس الشاذلي بن جديد، وقال إن من ادعى أن بومدين ترك 15 مليار دولار، وكان يقصد أن من جاء بعده أهدر تلك الأموال، مجرد كذبة وافتراء، موضحا أن الدين الخارجي بلغ 18 مليار دولار عام 1979، أي بعد رحيل بومدين مباشرة، كما توقف عند مروره بوزارة التجارة، خاصة تجربة إعادة هيكلة المؤسسات التي اعتبرها "مرحلة إضافية قبل التوجه إلى الإصلاحات الجذرية". قصة اغتيال خميستي ومسؤولية بن بلة يواصل الكاتب شهادته على الأحداث التي عايشها، منها حادثة مقتل وزير الخارجية محمد خميستي الذي كان "منزعجا إلى حد القلق من التدخلات المتكررة من محيط بن بلة حول كيفية إدارة السياسة الخارجية للبلاد، وكنا نعرف أن الكوبيين والمصريين كانوا يتدخلون صراحة في شؤوننا" كانت الأمور تسير على هذا النحو إلى أن وقعت محاولة اغتيال خميستي في أفريل 1963، حيث أصيب الوزير الشاب بجروح أمام مقر المجلس الشعبي الوطني، ونقل على إثرها إلى مستشفى باشا، حيث توفي بعد بضعة أيام". في العاصمة كانت تدور روايتان، إحداهما ترجح جريمة الاغتيال السياسي والثانية تتهم محمد زنادي الذي انتقم من خميستي، لأنه كان خطيبا مرفوضا من قبل سيدة فضلت عليه خميستي، لكن الوزير بن عمر يلمح إلى ضلوع بن بلة في عملية الاغتيال هذه، بدليل أنه أقدم بعد شهر من الحادثة على إلحاق مصالح وزارة الخارجية به بمرسوم، وصار بموجبها وزيرا للخارجية، ورئيس دولة ورئيس حكومة والأمين العام للحزب. دور سعد دحلب في معركة كسب الوقت مع المغرب توقف الوزير مصطفى بن عمر بشيء من التفصيل عند العلاقات الجزائرية المغربية بعد الاستقلال مباشرة، حيث عمد بن بلة إلى تعيين السياسي المحنك سعد دحلب كسفير وممثل خاص للجزائر لدى ملك المغرب، حيث كانت الجزائر تسعى لإقامة "علاقات متينة مع جارتها" أو على الأقل تسعى لربح الوقت، لأن الوضع عندنا في تلك الفترة لم يكن على ما يرام. لكن الرباط كانت تحضّر لبعث قضية الحدود وملك المغرب كان يعرف مكانة ووزن دحلب، لذا رحب به أيما ترحيب، لدرجة أنه دعاه لحضور اجتماعات مجلس الوزراء المغربي. ويذكر المتحدث أن الطبيعة المتعالية للملك الحسن الثاني تمنعه من أن "ينجر وراء أي مبادرة تأتي من أي حزب حتى لو كان حزب الاستقلال"، لذا سعى لإفشال مشروع التحالف بين بعض القادة الجزائريين والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وزعيمه المهدي بن بركة، ملك المغرب سعى ليفرض على الجزائر إعادة رسم الحدود وفق أطماعه التوسعية في "المغرب الكبير"، مستغلا المشاكل التي برزت بين قادة الاستقلال الجدد. يسرد المتحدث حادثة محاولة الاغتيال التي تعرّض لها في المغرب، عندما كان موظفا بسفارتنا هناك، حيث اقتحم أشخاص منزله وتركوا الغاز مفتوحا، لولا أنه لم يشعل الأضواء لدى عودته إلى منزله ليلا، بل فتح النوافذ وخرج إلى الشارع، حيث لاحقته سيارة "فولفور" من تلك التي تستعمل من قبل شرطة الجنرال أولفقير، كانت تتبع حركاته وحاولت دهسه، لولا أنه كان ملتصقا بالجدران، واضطر لقضاء الليل في منزل محمد مسيلي، ولاحقا كان يبيت في مقر السفارة، تجنبا لأي حادث مماثل، نظرا لجو العداء المشحون الذي كان يسود في الرباط، وقد أدانت الجزائر حادثة محاولة الاغتيال هذه. هيلي سيلاسي وبوتفليقة ومسار رسم الحدود مع المغرب توقف مصطفى بن عمر عند مساعي منظمة الوحدة الإفريقية في حل النزاع الجزائري المغربي عام 1963، حيث توسط الزعيم هيلي سيلاسي بصفته رئيس المنظمة بين الجزائر والرباط، وطلب حضور وزير الخارجية آنذاك عبد العزيز بوتفليقة، الذي أعطى موافقته، لكنه وضع مقابل ذلك شروطا منها "أن يعود فور انتهاء المحادثات ولا يبيت إلا في السفارة، وأن يتم استقباله في الرباط من قبل أعضاء السفارة واستبعاد أي مسؤول مغربي". ويذكر المتحدث أن بوتفليقة في طريق العودة إلى السفارة "لم ينبس بأي كلمة ونام في السفارة في مكتب معد على عجل وعاد إلى الجزائر في اليوم الموالي بعد لقاء ثاني مع كيتيما بيفرو وزير الخارجية الإثيوبي"، وقد تم لاحقا التوقيع على اتفاق بماكو لترسيم الحدود بين الجزائر والمغرب من طرف بن بلة والحسن الثاني، وبذلك تكون المغرب قد فشلت في جر الجزائر وحملها على إعادة النظر في ترسيم الحدود، وقد بقيت المغرب مدة 15 عاما أي إلى عام 1979 حتى توقع رسميا على اتفاق الحدود. مرحلة أخرى توقف عندها صاحب الكتاب، تمثلت في مروره بوزارة التربية التي تولاها في نوفمبر 1987 بعد زهور ونيسي، وكشف صاحب الكتاب أنه سعيًا لتكذيب القلاقل التي انتشرت حوله، في كون جاء إلى الوزارة لفرنستها، أقدم على تعيين أبو عبد الله غلام الله كأمين عام في الوزارة، وهو "معرب أحادي اللغة"، ودافع بن عمر عن خياراته في الوزارة، مستشهدا بما كتبته الصحافة يومها في نجاح الدخول المدرسي ونتائج الامتحانات التي مرّت من دون تسريبات. زهية منصر . --- بختي بونيل، الضابط والإطار السابق برئاسة الجمهورية: بومدين قال: "ليس هناك رئيس ومرؤوس في الرئاسة" - هذا ما قاله الراحل بومدين لطباخته - كان يصحح للمفرنسين وللكاتبين بالإسبانية - كان يخاطب المعربين.. ستصبحون أغلبية - "حزب فرنسا" رفض تكوين الإطارات في المشرق في هذا الحوار يتحدث بختي بونيل، الضابط المتقاعد والإطار بخلية الاتصال برئاسة الجمهورية في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، عن جوانب خفية من حياة بومدين.. يعرض من خلالها إلى تعامله معهم ومع بعض رجالات نظامه، على غرار مدير التشريفات بالرئاسة، عبد المجيد علاهم، ووزير خارجيته آنذاك، عبد العزيز بوتفليقة، ورابح بيطاط، فضلا عن صداقته المتينة بالزعيم الليبي الراحل، معمر القذافي، وعلاقته بوالدته وزوجته.. وتفاصيل أخرى ستجدونها في هذا الحوار. كيف التحقتم بخلية الاتصال بالرئاسة؟ كنا ثلاثة ضباط نحضر أنفسنا للالتحاق بالأكاديمية العسكرية بشرشال، وذات يوم وقبل انطلاق السنة الدراسية، جاءنا أمر للالتحاق بالرئاسة، وكان في استقبالنا مدير التشريفات عبد المجيد علاهم، الذي أبلغنا بمهمة تشكيل خلية الاتصال بالعربية على مستوى رئاسة الجمهورية. كانت الخلية تنشط بثلاث لغات فقط، هي الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، وأفهمنا بأن الدور المطلوب منا هو تشكيل خلية تشتغل باللغة العربية، وكان ذلك في العام 1974. معنى ذلك أن اللغة العربية لم تدخل خلية الاتصال بالرئاسة إلا في العام 1974؟ نعم، لم تكن موجودة من قبل. وما كان موجودا في القاعة وله صلة باللغة العربية، لم يتعد آلة راقنة مركونة في زاوية القاعة وقد علاها الغبار. أبلغنا علاهم بأن مسؤوليتنا نحن الثلاثة، هي متابعة أخبار هيئة الإذاعة البريطانية، وإذاعة القاهرة بالإضافة إلى إذاعة ألمانية. كلفنا بالتقاط الأحداث آنذاك، الصراع بين الشرق والغرب، الحوار شمال جنوب، والقضايا التي تهم الجزائر بالطبع. كنا نحرر الأخبار وننجز ملخصات لمقالات الصحفي محمد حسنين هيكل، مدير جريدة الأهرام، وكذا لطفي الخولي ثم نكتبها على الآلة الراقنة، ونسلمها لعبد المجيد علاهم، وهو يسلمها بدوره للرئيس الراحل هواري بومدين. ولماذا حسنين هيكل ولطفي الخولي؟ لم يكن حسنين هيكل ولطفي الخولي فقط، كان أيضا الصحافي الفرنسي بول بالتا.. وهؤلاء كانوا يترددون باستمرار على قصر الرئاسة، وكانت لهم علاقات جيدة بالرئيس الراحل هواري بومدين. كنا نشاهدهم وهم يتجولون معه في ساحلا قصر المرادية. وذات مرة تزامنت زيارة بول بالتا للجزائر وشهر رمضان.. وبينما كان في الطرق إلى قصر المرادية أراد شرب فنجان قهوة لكنه لم يجد لأن المقاهي كلها مغلقة، ولما قابل بومدين قاله له يبدو أن القهوة انتهت في الجزائر.. لقد بحثت عنها في الجزائر بكاملها ولم أجدها.. إنه نظام محكم. عندها طلب بومدين إحضار قهوة لضيفه من مقهى الرئاسة، غير أنه تفاجأ أيضا بغياب معد القهوة، عندها قرر بول بالتا الصيام مع بومدين. ومن الناس الذين كانوا على اتصال مباشر بالرئيس الراحل، الرئيس بوتفليقة، كان يلتقي به يوميا، ومن دون المرور على عبد المجيد علاهم وفق ما تقتضيه الإجراءات البرتوكولية المعهودة، بالإضافة إلى العقيد محمد الصالح يحياوي، قائد الكلية العسكرية بشرشال يومها. كان بومدين اجتماعيا وفي منتهى البساطة. أنا أتذكر حادثة وقعت في الرئاسة، وهي أن بنتا كانت تشتغل على الآلة الراقنة، وهي بنت شهيد، وأمها هي المسؤولة عن منظفات الرئاسة، وفي نفس الوقت تطبخ للرئيس في بيته المأكولات الشرقية. وفي أحد الأيام ارتدت تلك البنت لباسا سافرا (قصيرا) وجاءت إلى الرئاسة. وكان يومها الأمين العام للرئاسة، هو الدكتور أمير، وهو طبيب، ولما رآها قادمة طلب من أحد معاونيه طردها. انتظرت والدتها (الطباخة) العفو لكنه طال، عندها استغلت فرصة لقائها بالرئيس الراحل، كي تطرح عليه القضية، فقال لها: في الرئاسة ليس هناك رئيس ومرؤوس، الجميع سواسية.. غير أن المفاجأة كانت كبيرة عندما قرر بومدين تخصيص جزء من أجرته الشهرية لفائدة ابنتها، حتى لا يكسر قرار أمينه العام. وقد استمر هذا الوضع لمدة ستة أشهر، إلى أن علم بالأمر الأمين العام للرئاسة، فقرر بعدها العفو عن بنت كبيرة طباخي الرئيس، وهي الحادثة التي سمعناها من فم المعنية التي تشتغل معنا في خلية الاتصال بالرئاسة، راقنة على الآلة. كان بومدين اجتماعيا.. لكنه كان حازما وقت الحزم ومازحا في مناسبات أخرى. كنا نشاهده وهو يتجول في ساحة قصر المرادية.. يمازح مستشاره الراحل مولود قاسم نايت بلقاسم ويقول له: هل لا زلت تعتقد نفسك في السويد، ويخاطب عبد المجيد علاهم قائلا: سي عبد المجيد، كلم معمر (القذافي) ليتناول العشاء اليوم معنا، وكان يحضر القذافي في اليوم ذاته. لم يكن استقبال القذافي برتوكوليا في الرئاسة، برغم حرص عبد المجيد علاهم على تذكير بومدين بجاهزية التشريفات، لأن بومدين كان يعتبر القذافي صديقا حميما. كان يدخل قاعة التحرير، حيث كنا نعد له ملخصات الأخبار والتحاليل، ويقرأ ما كنا نكتبه قبل وصولها إليه، وكان يصحح أخطاء من كانوا يكتبون باللغتين الفرنسية والإسبانية، نحوا وصرفا. وذات مرة وقف بجانب زميل وقال له، من أين أنت، فرد عليه الزميل، أنا من قالمة. فبادره بومدين ما اسم عائلتك، فرد عليه "حداد"، فإذا ببومدين يعرف والده، فحمله تبليغ السلام لوالده.. كان بومدين كلما سأل عن ولاية ما إلا وضرب مثلا خاصا بتقاليد سكان تلك الولاية ومميزاتها. ولماذا تخلفت العربية إلى العام 1974؟ كانت الإطارات المعربة قليلة جدا. أذكر أنه في العام 1971 وهي السنة التي اجتزنا فيها شهادة البكالوريا، لم يتعد عدد المترشحين المعربين ثلاثة آلاف و500 فقط في الجزائر برمتها. إذن المشكلة لها علاقة بنقص الإطارات المعربة. لكن هناك أمورا أخرى؟ ما هي؟ لعلك تدرك الصراع الذي كان يومها بين المعربين و"حزب فرنسا". قرر الرئيس بومدين إيفاد فريق خلية الاتصال التي تعدد التقارير بالعربية للتكوين في ثلاثة دول، إما العراق أو سوريا أو مصر، وكلف مسؤول التشريفات بالاضطلاع بهذه المهمة.. لكننا وجدنا أنفسنا في بداية العام الدراسي في الكلية العسكرية بشرشال.. لماذا، ومن أفسد عليكم المهمة؟ إنه "حزب فرنسا".. لو تقرر إرسالنا للتكوين في باريس أو في غيرها من العواصم الغربية، لتحقق ذلك، لكن في الدول العربية فلا، لأن "حزب فرنسا"، كان يعتبر التعريب خطرا على المصالح الفرنسية. وهل علم الرئيس بالأمر؟ نعم، ولكن بعد فوات الأوان. كان يزوركم بومدين؟ بالطبع، كان يزورنا في الليل، وعادة ما يأتينا بالشاي والقهوة والمكسرات، و"البراج"، وكان يسألني: كيف تسمون "البراج" في منطقتكم، فأرد عليه "المسمّن"، كما يسأل أيضا زملائي نفس السؤال.. وذات مرة سألنا إن كانت الخدمات كافية، وأمر بإحضار الطعام ليلا. وأذكر ذات مرة زارنا وربت على كتف زميلي المعرّب وقال: ستصيرون الأغلبية، لأن الخلية التي تعمل بالفرنسية كان عدد أفرادها كثيرون مقارنة بالخلية التي تعمل بالعربية. هل كان يزوره ذويه في قصر الرئاسة؟ نعم، كان يأتي شقيه عبد الله، وكذا والدته بلباسها الريفي التقليدي، وكان يتجول معها في باحة القصر.. وذات مرة فلت غزال كان في قفص بالرئاسة ونطح والدة الرئيس، نقلت على إثرها للمستشفى. أما زوجته أنيسة فكانت تقود سيارة سوداء من نوع بيجو 504، عمرها ست سنوات، كثيرا ما تعرضت لأعطاب. حاوره: محمد مسلم . --- الدكتور أحمد حمدي في حوار للشروق: لهذه الأسباب دخل مظفر النواب إلى الجزائر متخفيا بسبب بومدين - بومدين أرسل مصطفى كاتب إلى الصديق بن يحيى بعد ان استقال بسبب الابراهيمي - زينب الأعوج رفضت ان يعرفها بومدين إلى السباعي بسبب الابراهيمي - بومدين كان المشرف المباشر على مؤتمر اتحاد الكتاب العرب سنة 1974 - بومدين أغاظ مفدي زكرياء بدعوة السائحي وهكذا رفض طلب أزراج - مولود قاسم نايت بلقاسم أعاد مفدي زكرياء من ملتقيات الفكر الاسلامي - بومدين لم يسجن مفدي زكرياء وغضب بسبب مدحه للحسن الثاني وبورقيبة - مولود معمري الوحيد الذي بقي في اتحاد الكتاب بعد انقلاب بومدين وهذا ما كان يقوله جون سيناك عاصرت الرئيس الراحل هواري بومدين صحفيا وشاعرا.. هل تؤكد ما يشاع عنه على لسان بعض الكتاب عن انه فرض رقابة على المبدعين في مختلف المجالات؟ الحديث عن بومدين بالنسبة لي، كنت طالبا في 1969 انتقلت من سكيكدة الى الجزائر العاصمة للدراسة في المدرسة العليا للصحافة وخلال الدخول المدرسي لنفس السنة دشن الرئيس هواري بومدين "اجنحة جديدة" في الحي الجامعي بن عكنون. هذا الحي الجامعي موروث عن الحقبة الاستعمارية وفي عهد الرئيس بومدين تم تدشين ثلاثة اجنحة ليكون بذلك اول حي جامعي يبنى بعد الاستقلال. كنت ممن طلبوا غرفة في الحي الجامعي وعندما جاء بومدين لتدشين الحي قدم لي مفتاح الغرفة رفقة طالبين آخرين، صافحنا ودخل الغرفة، تفقدها ثم قال مازحا "لا يوجد رمل هنا" في اشارة إلى انه فهم انني ابن الصحراء، فأجبته "الرجال أوقفوا زحف الرمال". اعجب بإجابتي فنظر إلى احمد طالب الابراهيمي وعبد المجيد علاهم، ثم جلس قليلا معي في الغرفة وطلب مني الجلوس، ثم عقب على اجابتي "سنقيم السد الأخضر". الصورة المتجهمة عن بومدين غير صحيحة، يسمع أن نظراته، ثاقبة تساءل عن المدرسين فقلت له ان الأساتذة الجزائريين يعدون على الأصابع فأجاب "انتم من نعول عليهم في المرحلة القادمة لتأطير الطلبة"، وكان هذا اللقاء في 4 نوفمبر 1969. ما هي أهم المحطات التي ساهمت في تكوين صورة واضحة عن علاقة الرئيس بومدين مع الوسط الأدبي والإعلامي؟ في بداية السبعينات عندما انضممت إلى "المجاهد الأسبوعي" كصحفي في القسم الثقافي، كانت الصورة الشائعة في الوسط الاعلامي وقتها انه كان محافظا ومنغلقا نوعا ما، ثم تبين العكس تماما. سنة 1974 تم اعادة تأسيس اتحاد الكتاب الجزائريين تحضيرا للمؤتمر العاشر لاتحاد الكتاب والأدباء العرب ومهرجان الشعر ال12 وهو الحدث الذي شارك فيه الكثير من الشخصيات والاتحادات العربية وكان تحت اشراف مباشر من احمد طالب الابراهيمي والرئيس الراحل هواري بومدين. وبعد مراسيم الافتتاح، قام بجولة في مقهى قصر الصنوبر البحري والتقى الكتاب والمثقفين وتبادل معهم اطراف الحديث خلال الاستراحة من فعاليات المؤتمر. كنت واقفا انا ومحمد الأخضر السائحي في زاوية بعيدا عن الجميع، فيما تقدم الشاعر مفدي زكرياء والذي يعرف بومدين جيدا والتيار لم يكن يمر بينهما فسأله الرئيس عن جديده عندها اجاب مفدي انه فرغ من نظم قصيدة "بنت العشرين" 20 سنة من الثورة إلى 1974. وبومدين لكي يزعج مفدي زكرياء الذي كان مستقرا ما بين المغرب وتونس ونظم قصائد في مدح الحسن الثاني وبورقيبة عندها طلب من السائحي ان يتقدم ليغيظ مفدي زكرياء. وكان لبومدين لقاءات مع كل الكتاب والأدباء الذين حضروا مثل الجواهري وألفريد فرج. هل عاقب بومدين الكتاب الذين عارضوا انقلابه على بن بلة وانسحبوا من الاتحاد؟ قمنا بصياغة بيان على هامش فعاليات الأسبوع الثقافي القسنطيني 1972 وترأس الشاعر والمجاهد جون سيناك ملتقى الشعراء الشباب حيث كنت انا وعلاوة جروة وهبي الوحيدين من المعربين وكان البيان عن الحركية التي بدأت مع جيل السبعينات، لأن الانقلاب على بن بلة سنة بعد تأسيس اتحاد الكتاب الجزائريين أي 1964 قسم الصف بين مؤيد لبومدين ومعارض له. وبقي مولود معمري الممثل الوحيد في اتحاد الكتاب حتى ان جون سيناك كان يقول "اتحاد الكتاب الجزائريين في حقيبة مولود معمري". وجه الكثير من المبدعين انتقادات لوزير الثقافة والإعلام وقتها احمد طالب الابراهيمي واتهموه بالتضييق على الحريات.. كيف نجحتم في تحريك المشهد؟ مصطفى كاتب كان مدير المسرح ولكنه استقال بسبب احمد طالب الابراهيمي فاتصل بومدين ببن يحيى وانتقل إلى هناك واصبح مدير النشاط الثقافي. وعندما استعان بنا اشترطنا ان يجلب اسماء ادبية كبيرة إلى الجزائر. والكثير من الكتاب في الجزائر كانوا ضده، بشير حاج علي شاعر سجن، لأنه وقف ضد الانقلاب والمؤرخ محمد حربي، فيما كان كاتب ياسين مثلا ممن تقبلوا الأمر الواقع وكان ينشط بقوة في مرحلة الرئيس الراحل الذي كان يتابع ايضا ما يكتب في الصحف، وأتذكر انه في مرة تابع ما كتبت في عمود اسبوعي "في الريف" يكتبه "ابن الريف" عن المصطلحات التقنية التي انتشرت باللغة الفرنسية عن الثورة الزراعية وهي المصطلحات التي اصبح الفلاحون يرددونها. بلغني ان بومدين قال ان الصحفيين يقولون اننا فرنسنا الريف وهم محقون وكان المفروض ان نعرب اسم الشركات. اذا كان المشهد الثقافي يسير بقبعتين وزارة الثقافة ممثلة في احمد طالب الابراهيمي ووزارة التعليم العالي ممثلة في الصديق بن يحيى؟ تم احياء الاتحاد في 1974 وشارك جيل جديد، وشخصيا حضرت كصحفي، لأن شرط العضوية انذاك كان اصدار كتاب. ثم انسحبنا ولأن الركيبي كانت علاقته طيبة مع الشباب طلب منا الحضور والمساهمة في النشاط. بقي الوضع على م هو عليه حتى 1976، بدأنا التنسيق مع مصطفى كاتب في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي واعطيناه قائمة للكتاب وفي مقدمتهم مظفر النواب الذي رفض ان يكون ضيف الجزائر بدعوة رسمية. ولأن بومدين علم بأن مظفر النواب طلب ان يقيم في الجناح الرئاسي ويستقبل في القاعة الشرفية بالمطار، الا انه جاء إلى الجزائر باسم مستعار وقمنا بأخذه إلى فندق السفير "لاليتي" ولكن رفضوا منحه غرفة، لأنه تم حجز اقامة له في الجناح الرئاسي. وهذا دليل على ان الرئيس بومدين كان يتابع المشهد الأدبي ويعرف قيمة مظفر النواب الذي لم يسلم من هجائه احد وحتى شخصيات سياسية ورؤساء. لم تكن أي رقابة على الأمسيات الشعرية كنا ننشط بكل حرية، لأننا كنا ننشط تحت مظلة وزارة التعليم العالي. ما هي اهم اللحظات التي جمعتكم بالرئيس الراحل ولازالت في الذاكرة؟ خلال اشغال مؤتمر الأدباء العرب حضر عمر ازراج وأحلام مستغانمي والكثير من الأسماء التي كانت مستقرة في العاصمة. وصل ازراج إلى بومدين وطلب منه السماح بالتفرغ للإنتاج الادبي. سأله ماذا تعمل، فرد ازراج معلم في الأخضرية، فرد بومدين "نحتاجك معلما في الأخضرية". الرئيس الراحل لم يكن دكتاتوريا، بل كان منفتحا ومتسامحا بدليل انه كان قادرا ان يسجن مفدي زكرياء عندما رجع إلى الجزائر بعد عودة مولود قاسم نايت بلقاسم الذي دعاه للعودة من بوابة ملتقيات الفكر الاسلامي. اتذكر ايضا انه وخلال نفس المؤتمر جاء بومدين مع يوسف السباعي وزير الثقافة المصري والأمين العام لاتحاد الكتاب العرب انذاك واحمد طالب الابراهيمي وكان هناك محمد عباس وزينب الميلي، ناداها بومدين ليقدمها ليوسف السباعي فردت "مادام معك الابراهيمي لن أتحدث اليك". حاورته: آسيا شلابي . --- الوزير والدبلوماسي السابق محي الدين عميمور ل"الشروق": بومدين أراد أن يجعل من وردة فيروز أو أم كلثوم الجزائر - "الهواري" غضب من مفدي زكريا بسبب قصيدته في الملك الحسن الثاني يؤكد محي الدين عميمور أن الرئيس الراحل هواري بومدين لم يتخذ أبدا موقفا من شاعر الثورة مفدي زكرياء، رغم أنه غضب منه بسبب قصيدته في مديح ملك المغرب الحسن الثاني، ويضيف المستشار الإعلامي للرئيس، أنّ الأخير أراد أن تكون وردة واجهة للجزائر، مثلما كانت أم كلثوم واجهة لمصر وفيروز للبنان، وماريا كالاس بالنسبة للأوبرا العالمية، وحتى داليدا. كيف كانت علاقة الرئيس الراحل هواري بومدين بالمثقفين؟ عندما نتناول نظرة الرئيس هواري بو مدين للثقافة وللمثقفين يجب أن نتوقف عند أمرين أتصوّر أنهما كانا العامل المؤثر في فكره وتعامله. العامل الأول هو أن بومدين ينطبق عليه تماما تعبير "العصامي"، فهو، ثقافيا، بنى نفسه بنفسه، بحيث أصبح مثقفا بالمعنى الكامل للتعبير، وهو ما أدركه كل الرؤساء والشخصيات الثقافية الذين تعاملوا معه. وأظنك لاحظت حجم الدهشة الغريبة التي أصابت كثيرين عندنا تابعوا، بعد وفاته، حواره بلغة فرنسية متميزة وبفكر عميق مع فرانسيس جونسون، فقد كان القوم يعتبرونه، كما كانوا يرون كل المثقفين باللغة العربية بالتعالي المألوف، كما قال أحدهم يوما: (des uni cultes) أي أحاديو اللغة. وليس سرّا أن المستوى المتميز كان سمة بارزة في كل القيادات الثورية الجزائرية، وليس أدل على ذلك من نصّ بيان جيش التحرير الوطني في 30 أكتوبر 1954، والذي كان بلغة عربية رائعة وأسلوب سياسي بالغ الدقة، ثم بيان أول نوفمبر 1954، والذي جسّد حجما هائلا من المعرفة السياسية والنظرة المستقبلية. وهنا يأتي العنصر الثاني، فالمثقف ليس هو بالضرورة خريج المدارس العليا ولكنه ذلك الذي يمتلك حجما من المعرفة لها حدّ أدنى لا نزول تحته وحدٌّ أعلى لا سقف له، وهو الملتزم بقضايا وطنه، المدافع عنه ضد كل عدوان والساهر على بنائه في المجال الذي تؤهله له معارفه وقدراته. ماهي خلفيات موقف الرئيس من شاعر الثورة مفذي زكريا مفدي كان من الشعراء الجزائريين الذين يتحمّس لهم الرئيس، بداية بمحمد العيد آل خليفة وصالح خرفي وآخرين لا أذكرهم الآن، وليس سرّا أنه لم يكن متحمسا لرغبة الرئيس أحمد بن بله في بداية الستينيات لاختيار نشيد آخر غير "قسما" الذي نظمه مفدي، وكلها تفاصيل معروفة. من هنا كان استياء الرئيس عندما سمع بقضية القصيدة التي نظمها مفدي في مديح الملك الحسن، الذي اتضح موقفه المخادع في قضية الصحراء الغربية، لأن بومدين يؤمن بالقاعدة التي تقول: وطني دائما على حق، وليس من المنطق أن يمجّد أديب متميز خصما لبلاده، فهل سمعت عن شاعر أمريكي كتب قصيدة في تمجيد كاسترو، والمقارنة مع الفارق بالطبع، وهل رأيت كاتبا بريطانيا قال كلمة خير في أدولف هتلر، وهو لم يكن ذلك "الكابورال" النمسوي والرسام الفاشل كما صوّره اليهود، ثم إن بيتهوفن ألغى إهداء سيمفونيته الثالثة لنابليون عندما هاجم الإمبراطور الفرنسي الأرض الألمانية. وقد أخذ كثيرون يومها على الشاعر الكبير تمجيده لمن أسفر عن عدائه للجزائر، ولكنه دُعيَ، من بين من تمت دعوتهم، لحضور الاستقبال الذي أقامه الرئيس على شرف الأدباء العرب في منتصف السبعينيات، وكنت شخصيا موجودا في الحفل، وهو تقدير واضح للشاعر من الرئيس وتكذيب للادعاءات التي ردّدها البعض، ومن الصعب أن نتصوّر أي إهانة في قول الرئيس بومدين لمفدي زكريا، عندما أبلغه بأنه سيلقي قصيدة عن الجزائر عنوانها "ذات العشرين ربيعا"، بأن الجزائر تزوّجت من زمان وأن لها رجلها، وقد رأيت في ذلك رسالة ذكية وعفيفة الأسلوب موجهة لشاعر الثورة الجزائرية، وهي طريقة غير مباشرة كان الرئيس يستعملها مع من يحبهم. لكن ما حدث آنذاك هو أن كثيرين أعطوا ظهورهم للشاعر الكبير عندما أحسوا بأن الرئيس غاضب منه، لكن لم يكن هناك بأي حال من الأحوال تعليمات من الرئاسة لمقاطعته، وأتحدى من يثبت غير ذلك. وقد ادعى البعض أن وراء غضب بومدين هو رفض مفدي نظم قصيدة في مدح الثورة الزراعية، وهذا بهتان مؤكد، فالرئيس كان يعرف أن الفلاحين غالبا لا يتابعون إلا الشعر الملحون، ولا تهمهم القصائد ولو كانت من نوع الإلياذة، ولقد سبق أن قلت بأنه، في كل الاحتفالات التي كانت تقام تكريما للرئيس بومدين خلال زياراته للولايات، كان من بين مهامي أن أطلع على برنامج الحفل وأحذف منه كل ما يمكن أن يعتبر مديحا للرئيس أو للمشاريع التي أطلقها، وحاول بعض المنافقين الإيقاع بيني وبين الرئيس، وكان رحمه الله يضحك ويقول: محيي الدين يعرف شغله. ولقد عرفتُ أن مفدي زكريا فضّل، في أخريات أيامه، الاستقرار في تونس لأسبابٍ تتعلق بتجارته هناك، وهو حق مُطلق له لا يستوجبُ لوما أو عتابا، لكنه يعني أن النظام لم يضطره إلى حياة المنفى، والجزائر كرمته دائما، وكان الرئيس بومدين شخصيا وراء الكثير من الأفكار التي وردت في الإلياذة، وذلك من خلال مولود قاسم الذي قيل إنه ساهم في توجيه بعض تعبيراتها. ما هي قصة الرئيس مع وردة الجزائرية؟ كيف استدعاها الى الغناء.. هل صحيح أنّ الأمر يعود إلى رفض أم كلثوم الغناء في أحد أعياد الثورة؟ كان الاحتفال بالعيد العاشر للاستقلال في يوليو 1972 من أهم اهتماماتنا، وأذكر أنني كنت كتبتُ مقالا مطوّلا في صحيفة الشعب نشر في ديسمبر 1971، ذكّرتُ فيه بأننا سنحتفل في العام المقبل بالذكرى العاشرة للاستقلال، وكان من بين ما قلته في المقال: يجب أن نجعل من هذا الاحتفال عيدا جديدا للاستقلال. وعرفتُ فيما بعد أن الرئيس قرأ المقال واهتم به، وتأكد لي هذا عندما أصدر قرارا بتكوين لجنة وطنية لتحضير الاحتفالات برئاسة شريف بلقاسم، وعُيّن عبد المجيد أعلاهم نائبا له، وكُلفتُ أنا بإعداد الجانب الفني والثقافي للتظاهرة، وكان واضحا لديّ أن الرئيس يريد أن يُسجّل الاحتفال بالذكرى العاشرة للاستقلال انطلاق مرحلة جديدة من مراحل البناء الوطني، ومن هنا جاءت فكرة دعوة السيدة وردة لتكون نجم الاحتفالات، وأظن، وأقول أظن، أن من يقف وراء الفكرة كان الأخ شريف بلقاسم، وتلقف الرئيس الفكرة لأنها تنسجم مع ما كان يريده، وهو ما يرسّم واحدا من المنطلقات الثقافية التي يراها. فالرئيس كان حريصا على ترسيخ اللغة العربية، وكان يرى بأن اللغة هي وطن وقومية وانتماء والتزام، واللغة العربية بالنسبة لنا هي أساس الوحدة الوطنية الشاملة، وهي القلعة التي تحمي البلاد من كل الاختراقات المعادية لاستقلالها الكامل، ولسيادتها المطلقة على أرضها وما فوق الأرض وما تحتها، وهي منطلقنا نحو العالمية التي تستند إلى المحلية الأصيلة، تماما مثل بقية اللغات الحية، وأقول.. الحية. وخلال السنوات التي قضاها بومدين في مصر، رائدة للغة العربية في تلك المرحلة، أدرك أن ارتقاء اللغة العربية في الشارع العربي لم يكن أساسا ودائما بفضل طه حسين والعقاد والمازني والمنفلوطي والرافعي وأحمد شوقي وغيرهم من كبار الكتاب والأدباء، فهؤلاء كانوا غالبا يتجهون للنخبة، وللخاصة التي كان عددها محدودا في مواجهة أمية كاسحة، تماما كما كانت الوضعية في الجزائر إثر استرجاع الاستقلال، ولكن العامل الذي قام بعملية تطهير للعامية وتنشيط للفصحى في الشارع المصري وفي المشرق بأكمله كان محمد عبد الوهاب وأم كلثوم ثم نجاة الصغيرة وعبد الحليم حافظ، فقد كان غناؤهم لأحمد شوقي وعلي محمود طه ومهيار الديلمي وأحمد فتحي وكامل الشناوي وأبو فراس الحمداني وأخيرا لنزار قباني نافذة كبيرة فُتحت للشعب هناك على اللغة العربية الفصحى، وبحيث كان يوجد أميّون يحفظون عن ظهر قلب أغاني الكرنك وكليوباترا ونهج البردة وأراك عصيّ الدمع، ثم أغاني أيظن ولا تكذبي ولست قلبي وغيرها، وأناشيد الجيل الصاعد والوطن الأكبر وصوت الجماهير وغيرها، وهكذا "سوَّقت" الأغاني والأناشيد وروّجت لقصائدَ باللغة العربية الفصحى، لعلها كانت ستظل حبيسة الكتب ورهينة لقاءات النخبة، وهذا كله كان، في تصوّري، خلفية الرئيس بومدين وهو يتحمّس لعودة السيدة وردة إلى الغناء. وكل هذا يرسم جانبا من نظرة الرئيس بومدين للثقافة، التي يجب أن تكون في خدمة المجتمع وطموحات الأمة وأهداف الوطن. ومن هنا أعتقدُ أن بومدين كان يريد أن تكون وردة بالنسبة للجزائر ما تمثله أم كلثوم لمصر وفيروز للبنان بل وماريا كالاس بالنسبة للأوبرا العالمية، وحتى داليدا، التي يغني لها العالم كله أغنية "يا مصطفى"، وأن ترث وردة، ولم لا، صفة كوكب الشرق، وهكذا تكون فرصة دائمة لكي يردّد الوطن العربي أغاني تمجّد الجزائر وثورتها. ولم يحدث أن رفضت السيدة أم كلثوم الدعوة لمجرد أنها لم تُدعَ إطلاقا، والرئيس لم يتدخل إطلاقا في قضية الدعوات، وكنت أنا شخصيا من رفض دعوة السيدة أم كلثوم، وبمبادرة لم أستشر فيها أحدا، وكان مبرري أن أم كلثوم لم تنشد أي أغنية للثورة الجزائرية، وقلت إن حضورها مُرحّب به، لكننا لن ندعوها رسميا مع من دعوناهم لأنهم تغنوا بثورتنا، ومن بينهم محمد قنديل وفايدة كامل ونجاح سلام ومحمد سلمان وغيرهم ممن تغنوا بالجزائر، ودعونا أيضا هدى سلطان تكريما لذكرى أخيها محمد فوزي، ملحن النشيد الوطني الجزائري. والذي حدث بعد ذلك هو أن السيدة وردة استقرت في القاهرة، ثم تخصّصت في الأغاني التي كتبت بالدارجة المصرية، وغنت ثلاث أو أربع أغنيات جزائرية، كانت أهمها "عيد الكرامة"، التي ألفها شاعر مصري ولحنها موسيقار مصري وأدتها فرقة مصرية، وهي أغنية لم تتح لها الفرصة لكي تغنّى في حفلات رسمية في مصر أو غيرها من الدول العربية، ولم يعرف الجميع في المشرق إلا أغاني السيدة وردة باللهجة المصرية، ولم تحظ أغنيتا رياض السنباطي وبليغ حمدي عن الجزائر بأي وجود لدى العرب، حتى عند أشقائنا في المغرب العربي. ومن الظلم للسيدة وردة أن نتوقع منها أن تفرض إرادتها على الأشقاء في مصر، الذين فتحوا أمامها باب الرواج الفني في مصر والمشرق، في مرحلة كانت مصر تعيش فيها مرحلة الانفتاح التي أفسدت الأذواق، وقال عنها توفيق الحكيم بأنها كانت مرحلة "انفتاح الجيوب وانغلاق العقول". ربما كان من حقنا أن نشعر بخيبة أمل كبرى لأن ما كنا نأمل في تحقيقه ضاع مع الأيام، وما أعرفه على وجه اليقين هو أن الرئيس، ومنذ 1972 وحتى وفاته في 1978، لم ينطق اسم السيدة وردة أمامي إطلاقا، ولم أسمعه يذكرها لا بخير ولا بشرٍّ. زهية. م . --- مدير التوثيق والبحث في "المالغ" محمد خلادي يكشف الوجه الإنساني للرجل بومدين يغنّي فيروز.. يعشق الناي البدوي والشعر الجاهلي وقرأ مونتيسكيو - بومدين قصد فلسطين سيرًا على الأقدام لنجدة القدس - ديغول يعترف: لقد جعل بومدين من الجزائر ماكنة صناعية يكشف محمد خلادي مدير التوثيق والبحث في" المالغ" في كتابه "من بوصوف إلى كندي حرية وقناعة، كتابات أمنيّة" عن وجه آخر غير معروف للرئيس الراحل هواري بومدين، حيث تحدث الكاتب عن الجانب الإنساني للرئيس الراحل الذي كان يتذوّق الشعر ويستمع إلى الأغاني ويعشق صوت الناي البدوي، بالإضافة إلى حسه العسكري والنضالي. يقول الكاتب في شهادته إنه وفي جبال الثورة "سمع مرة أو مرتين بومدين يدندن الأغنية الكلاسيكية سنعود يوما لقريتنا" المقتبسة من شعر شعبي فلسطيني غنتها الديفا اللبنانية فيروز .. يواصل الكاتب شهادته فيقول.."لم يحك لي يوما بومدين لكني عرفت عن طريق أخيه سعيد بعد الاستقلال أن بومدين كان ضمن فرقة المتطوعين من قريته بقالمة الذين ذهبوا سرا وسيرا على الأقدام قاصدين القدس لنجدة الفلسطينيين أمام عصابات الهجانا، بومدين لم يبلغ القدس، لكنه توقف للدراسة في القاهرة، في ظروف صعبة حتى أخذ شهادته. يكشف صاحب الكتاب أنه في جبال الثورة كان يحدث أن يسمع بومدين يردد الشطر الأول من بيت شعري يعود للعصر الجاهلي مطلعه "رأيت الموت يضرب بعمى يمينا وشمالا.. من يدركه يموت فورا ومن ينجو يعيش هرما". في المنطقة الرابعة وفي إحدى أكبر القمم الأوراسية مساحة شاسعة من الجبال الحرة بعيدة عن تواجد العدو، خرج بومدين ذات يوم محتجا عن ملازم أول كان يستمع إلى الترانزيستور، لأنه كان يعيقه عن الاستماع لنايه البدوي. بومدين الإنسان كان رجلا يترك المشاكل للوقت يتكفل بها، كان يعتمد على عامل الوقت لمواجهة المشاكل والصعاب التي تعترضه، وبومدين الرئيس كان يجد الوقت لقراءة كل الكتب التي كانت تأتيه من إطاراته، ويذكر الكاتب أنه وجد بومدين ذات يوم يقرأ مونتيسكيو. بومدين سهل أول اتصال بين إسبانيا و"البوليساريو" في الجزائر الكتاب الذي صدر هذا العام عن منشورات القصبة يروي بالتفاصيل الدقيقة الأحداث التي عاشها المتحدث في مدريد خلال السبعينيات، مع وفاة فرانكو الذي رهن استقلال الشعب الصحراوي تحت الضغط الفرنسي، كما توقف عند جولة الرائد هواري بومدين سنة 1957 في الولاية الخامسة التاريخية. والتي قادته إلى غاية حدود الولاية الرابعة، إذ التقى مع الرائد عمر أوصديق، المسؤول عن مصلحة الاستعلامات هناك، كما يروي خلادي تفاصيل عن بومدين الذي صار بعدها قائدا لأركان جيش التحرير الوطني بعد ترقيته إلى رتبة عقيد خلال اجتماع مجلس الثورة بالقاهرة، والذي عرف توسيع لجنة التنسيق والتنفيذ إلى أعضاء جدد، من بينهم عبد الحفيظ بوصوف. يقول الكاتب إن الرئيس بومدين سهّل في فيفري 1975 بطلب من فرانكو أول اتصال بين كورتينا الوزير الاسباني للخارجية ومصطفى والي مسؤول البوليساريو في الجزائر، وزير الخارجية الاسباني استغل هذه الفرصة لانتزاع التأكيد الرسمي على تعاون البوليساريو لتنظيم أول زيارة للأراضي الصحراوية للجنة الأممية المقرّرة والموجهة من قبل وزير خارجية كوت ديفوار. توقف خلادي في كتابه عن تسيير بومدين للنزاع الحدودي مع المغرب وملف الصحراء الغربية، حيث يخبر خلادي أن بومدين قال له غداة إعلان الملك الحسن الثاني عن المسيرة الخضراء عام 1975 للزحف على الأراضي الصحراوية أن "هذه المسيرة مجرد خدعة" وكلفه في الأسبوع الثالث من شهر أكتوبر من عام 1975 بإيفاد لجنة رفيعة المستوى إلى مدريد لوضع إسبانيا أمام مسؤولياتها في الصحراء الغربية وجيرانها في المغرب العربي، طبقا للحدود الموروثة عن الاستعمار. ويضيف الكاتب أن اللجنة قادها وزير الداخلية محمد بن أحمد عبد الغني والأمين العام للرئاسة إسماعيل حمداني والأمين العام لوزارة الدفاع عبد الحميد لطرش وقاصدي مرباح والعقيد سليمان هوفمان المكلّف بالحركات التحريرية، إضافة إلى ثلاثة مديرين للخارجية. اجتمعت اللجنة برئيس الحكومة الإسبانية وقائد الأركان ووزير الخارجية، ويذكر أن القادة الصحراويين الذين كانوا يمثلون أبرز القبائل قالوا إنهم يثقون في إسبانيا فرانكو. صاحب الكتاب أشار إلى جولة بومدين مع بوصوف في الولاية السابعة 1957، عندما استرعى انتباه بوصوف المنطقة الواقعة على حدود الساقية الحمراء وادي الذهب. كان يهدف إلى جعل هذه المنطقة قاعدة خلفية سرية للعمل النضالي، وربط بومدين في نهاية الجولة في أوت 1957 اتصالات مع زعماء القبائل في هذه المناطق. يجول بنا الكتاب في مسار الزعيم الراحل في جبال الثورة ودروب الاستقلال حيث توقف عند الأوامر التي أعطيت للأمن التونسي لتوقيف بومدين وبن بلة واقتيادهما إلى مقر الأمن بطلب من بن يوسف بن خدة للرئيس التونسي بورقيبة. في نفس الكتاب تطرّق خلادي إلى العلاقات الجزائرية الفرنسية في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، حيث يكشف أن الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان قدم مساعدات عسكرية للمغرب "24 طائرة ميراج" لتحييد الجزائر ومحاصرتها، حيث تم إدراج موريتانيا والمغرب في مخطط الدفاع الفرنسي وتم اقتراح تقسيم الصحراء الغربية بين المغرب وموريتانيا، لكن بومدين عبر عن هذا الموقف بقوله "ولد داده وضعوا حجرا في فمه ليتوقف عن النباح". بومدين أعجب بثقافة الملك فيصل وشجّعه على إنهاء تشرذم الدول النفطية في ذات الكتاب يطلعنا محمد خلادي عن جهود بومدين في جمع الدول النفطية في مواجهة الضغوط الغربية التي كانت تستغل ثروات الدول النامية حيث كان بومدين معجبا بفكر وثقافة الملك فيصل، الأمر الذي شجّعه للعمل معه من أجل جمع رؤساء وزعماء الدول المنتجة للنفط لخلق قوة ضاغطة على السوق الدولية والدفاع عن المصالح المشتركة للدول المنتجة للنفط. بومدين عمل كل ما بوسعه لجمع هذه الدول وعندما أخبره الملك فيصل أن الخلاف العراقيالإيراني يقف حجرة عثرة ومن الصعب اختراقه، قرّر بومدين تكليف فريق من الإطارات العليا للدولة في مختلف الاختصاصات لإيجاد حلّ للمشكل الحدودي بين إيرانوالعراق حول شط العرب. يذكر الكاتب أن دور بومدين كان كبيرا في هذا الإطار، وبعد اللقاء الذي جمعه بالملك فيصل، تم وضع حدّ للفرقة والصراع وحرب الحصص بين دول "الأوبيك" وجمعهم في الجزائر في قمة 1975، سنوات بعد إنشاء هذا "الكارتل" في بغداد، وقد وضع كل من شاه إيران وصدام العراق حدا لخلافاتهم في الجزائر. دافع الكاتب أيضا عن سياسة بومدين بعد الاستقلال، خاصة في جانب إرساء قواعد صناعية في الجزائر ودافع عن بومدين، خاصة في وجه الانتقادات التي طالت سياسة التصنيع، حيث يكشف الكاتب أن بومدين أخبره عام 1977 أن حجم الفساد في الجزائر لا يتجاوز 1.5 من المائة، وكل نقطة زيت مهمة وضرورية لتسيير عجلة الاقتصاد الوطني. يستند خلادي في دفاعه عن السياسة الاقتصادية للرئيس بومدين إلى ما قاله الفرنسيون أنفسهم عنه، حيث يذكر خلادي أنه سمع من السفير الفرنسي جان فرانسوا دوني نقلا عن الجنرال ديغول أنه قال عن بومدين إنه نجح "في أن يجعل من الجزائر ماكنة قوية حتى على مستوى الصناعة". ويستطرد الكاتب قائلا "كان يجب انتظار أربعين سنة حتى يكرر فاليري جيسكار ديستان هذا الاعتراف بحنكة بومدين، في 1974 غداة تربعه على عرش فرنسا كرئيس، جيسكار الذي كان من المدافعين عن الجزائر الفرنسية عندما كان نائب محافظ وهران في عهد الاستعمار، عندما صار وزيرا للمالية كان يتجنب التوقف التقني في الجزائر أثناء رحلاته إلى إفريقيا، كما نقل عنه كرهه للقاعة الشرفية لمطار الجزائر. لهذا فصاحب الكتاب توقف أمام زيارة جسكار ديستان إلى الجزائر عام 1975 لأنها كانت حدثا بمقولته الشهيرة "فرنسا التاريخية تحيّ الجزائر المستقلة". جاء جيسكار إلى الجزائر لتسوية مجموعة من الملفات العالقة بين البلدين، من مشاكل الهجرة وتنقل الأشخاص، تأخر دفع منح قدماء المحاربين وغيرها. تطرق محمد خلادي في كتابه إلى اللقاء غير الرسمي الذي حدث بين بومدين وجيسكار في مقر السفارة الفرنسية بالجزائر، حيث "زاره بومدين خارج البرنامج الرسمي للزيارة، ليتحدث معه رأسا لرأس، ويقترح عليه الالتزام الفوري بتسخير القدرات الجزائرية لشراكة ندية مع فرنسا"، ويضيف صاحب الكتاب في شهادته عن الحادثة، جسكار ديستان اعتبر الأمر " نوعا من وقاحة بومدين.... لأن الجزائر الفتية والمتخلفة لا يمكنها أن تلعب في ملعب الكبار". زهية. م . --- المخرج أحمد راشدي في حوار ل"الشروق": بومدين كان يحب السينما ويعشق أفلام "الويستيرن" قال أحمد راشدي إن الرئيس بومدين كان عاشقا كبيرا للسينما، ويتردد على القاعات لمشاهدة الأفلام خاصة أفلام الويستيرن "رعاة البقر" الأمريكية، ويضيف المسؤول في قسم الإنتاج في المؤسسة الوطنية لتجارة وصناعة السينما بين عامي 1967 و1973 في حديث ل"الشروق"، أن الرئيس بومدين منح الحرية الكاملة للعاملين في القطاع، ما عدا خط أحمر واحد هو الجزائر "كان بومدين يقول إنه لا يجب أن تروّج السينما لأشياء ضد الجزائر، باقي الأمور كانت متروكة لمسؤولي القطاع". ويذكر صاحب فيلم "فجر المعذبين" أن الرئيس كان يعقد لقاءات عندما يقتضى الأمر ذلك مع المسؤولين عن المؤسسات الثقافية بما فيها السينما، وكان يستمع دون التدخل في عملهم، مؤكدا على شيء واحد "هل أنتم قادرون على تحمّل مسؤولياتكم؟" وكان يؤكد أيضا أنه "إذا نجحتم فيحسب الأمر للجزائر، وإذا فشلتم عليكم تحمّل المسؤولية". وفي سياق شهادته يذكر راشدي أن لقاء جمعه بالرئيس، هو والمخرج لخضر حمينه، ودام قرابة الساعتين، تطرّق إلى نظرة مديري المؤسسات المعنية بالسينما، قال بومدين "بارك الله فيكم اليوم تحدثتم أنتم وفي المرة القادمة سأتحدث أنا"، هذا يؤكد أن الرئيس كان منفتحا على جميع الاقتراحات، لم يكن أبدا منغلقا. ويضيف راشدي أن السينما الجزائرية في تلك الفترة كانت لها مكانتها وسمعتها ولم تعرف مشكلة التمويل، لأن الإنتاج كان يموّل من مداخيل القاعات حيث كانت توجد في الجزائر430 قاعة سينما، وتستورد 350 فيلم في السنة، كانت تذهب مباشرة من الجمارك إلى الرئاسة، قبل أن تعرض في القاعات، وفي هذا الجانب يؤكد راشدي أن السينما كانت توفّر لخزينة الدولة مداخيل مهمة، جعلها تدخل في شراكة وإنتاج مشترك مع عدة دول في العالم مثل مصر، فرنسا، السودان، إيطاليا، السينغال وغيرها من الدول، بومدين لم يكن ضد الإنتاج المشترك، لكنه كان يحرص دائما على أن لا تكون السينما أداة ضد الجزائر. كان يقول لي "أنت مدير السينما وأنا مدير الجزائر"، ويضيف أحمد راشدي أن بومدين لم يفرض الرقابة على أي سينمائي، ويكذب من يقول إنه تم منع فيلم في عهده أو تم سحب رخصة، كانت بعض الملاحظات تصل عن طريق وزير الثقافة أحمد طالب الإبراهيمي حول السيناريوهات، لكنها ملاحظات بسيطة وتنظيمية أكثر منها رقابة، وعن سبب فشل فيلم الأمير عبد القادر في عهد الرئيس بومدين فيقول راشدي "لم نتفق على أي أمير سنتحدث"، كان هناك خلاف في السيناريو، البعض كان يريد فيلما شاملا لمسار الأمير، وهذا غير ممكن في السينما. من جهة أخرى وفي سياق حديثه عن النشاط السينمائي في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، فيؤكد راشدي أن الجزائر كانت ترسل السينمائيين للتكوين في الخارج، وكانت هناك وجهات نظر مغايرة ومختلفة عن تلك التي قدّمها الجيل القادم من الثورة، والمهتم أكثر بالتاريخ، ففي عهد بومدين برز جيل مرزاق علواش ومحمد بوعماري، وكانت له أطروحاته ووجهة نظره المختلفة، لكنها عملت جنبا لجنب دون أي مشكل. ويضيف راشدي قائلا إن السينما في زمن بومدين برزت على الساحة الدولية بسبب عنايتها واهتمامها بالسيناريو، الذي نجح في تقديم نموذج جزائري للفن السابع استطاع أن يحجز مكانة محترمة في العالم. زهية. م