قدّم الكاتب والشاعر إدريس بوديبة مؤخرا، كتابه الجديد "أنطولوجيا الشعر النسوي" الذي تعرّض فيه لحياة عدد مهم من الشاعرات العربيات منذ العصر الجاهلي وصدر الإسلام ثم العصر الأموي مرورا بالعصر العباسي وصولا إلى العصر الأندلسي مع التركيز على بعض المفاصل التاريخية في حياة الشاعرات. احتضنت المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية بركات سليمان حفل التقديم الذي أعقبه بيع بالتوقيع للكتاب الصادر عن دار جسور للنشر والتوزيع، حيث تحدث الكاتب عن مسار إعداد مؤلفه الذي تطلب بحثا دقيقا منذ عام 2007 وعودة لأهم المراجع التاريخية التي احتفظت بأشعار وأخبار الشاعرات، وفيهن من غيّب ذِكرها الزمن، وأصبحت مغمورة رغم شهرتها في زمانها، مع أنّ الباحث استبعد الأشعار غير المنسوبة لقائلاتها، والتي وردت في كتب التراث العربي ككتاب الأغاني للأصفهاني أو الآمالي للقالي وغيرهما. كما عبّر عن سعادته بمنجزه في نهاية المطاف رغم اتّساع الرحلة وامتدادها عبر حضارات متعدّدة وبيئات مختلفة باختلاف العصور التي عاشت فيها الشاعرات، حيث كان لكل حقبة تاريخية خصائصها ووضعُ مميّز للنساء فيها، موضحا أنّ تلك الاختلافات لم تمنع النساء من الإبداع وقرض الشعر في كل عصر حسب ما بلغنا من شعر مدوّن، لافتا الانتباه إلى أهمية هذا الشتات الشعري وجودته أيضا، فهو شعر ينبض بالحياة وبالأحاسيس المتضاربة، بعضه في رقة الحرير الجارح كما وصفه، وبعضه الآخر يكشف عن لوعة منمّقة بلغةٍ جميلة يطبعها التحدي للواقع الأليم أو للقهر الذي عاشته المرأة الشاعرة في كل زمن، فكل شاعرة تعكس بيئة مجتمعها في عصرها، ففي العصر الجاهلي قدّمت الشاعرات صورة عن بيئةٍ طبعتها الحروب والغزوات والثأر فاصطبغت أشعارهن بألوان الدم والنّحيب، وهيمن الرثاء على الشعر النسوي في هذه الحقبة، ولكنه أعلى من شأن الكثيرات. وفي صدر الإسلام والعصر الأموي اندمجت المرأة الشاعرة في الصراع ما بين أنصار الدعوة وخصومها وتحلّت بالجرأة لإظهار ذلك، مع الأخذ بعين الاعتبار التّغييرات التي أحدثها الدين الإسلامي في المجتمع العربي وتعزيز مكانة المرأة وحضورها الذي ازداد شعريا في العصر الأموي الذي شهد ازدهارا للمجالس الأدبية التي أقامتها الشاعرات. أمّا في العصر العباسي الذي بلغت الآداب فيه أرقى درجاتها، فظهرت شاعرات مثقّفات قدِمن من ثقافاتٍ مختلفة بفعل انفتاح الدولة العباسية، ما أثّر على موضوعات الشعر النسوي. فقد استطاعت المرأة أن تكسر قيود المجتمع وتواجهها بفيضٍ من الشعر الذي تطوّر وازدهر أيضا في العصر الأندلسي.