وسط النقائص والجانب المظلم الذي يضع المعاقين بين سندان إعاقتهم ومطرقة التهميش في مجتمع لا يرحم، رفع بعض هؤلاء تحديات كبيرة أمام إعاقتهم الجسدية ليثبتوا جدارتهم وسط مجتمع قد يجوز وصفه بالمعاق ذهنيا، يصر على وضعهم على هامش الحياة فقط لأن أحد أعضائهم لا يؤدي وظيفته، لكنهم أبوا إلا أن يكونوا جزءا من هذا المحيط متحدين الظروف ليشاركوا في خدمة المجتمع والتخفيف من عوائق صنعتها ذهنيات "الكاملين" صورة. "الشروق" زارتهم بمناسبة يومهم الوطني فتحدثوا عن تجاربهم الناجحة في الحياة، وأرادوا من خلالها أن يكونوا القدوة لأمثالهم وحتى لغيرهم. "ب. وريدة" شابة في ال33 من العمر، معاقة حركيا غادرت مقاعد الدراسة مجبرة، لكن حلم التفوق والتغلب على إعاقتها والاعتماد على نفسها بعيدا عن إعالة العائلة لها، جعلها تستغل الحرفة التي تناقلتها نساء العائلة وهي الخياطة، تعلمتها عن والدتها وأخواتها قبل أن تلتحق بمركز للتكوين المهني قصد الحصول على شهادة تساعدها في اقتحام عالم الشغل مستقبلا، وهو الأمر الذي جعل زوجة شقيقها تشجعها على الاستفادة من تمويل أحد أجهزة دعم وتشغيل الشباب، حيث استفادت من تمويل وكالة تسيير القرض المصغر بولاية تيزي وزو، وفتحت ورشة خياطة بالمدينة الجديدة، لتضع اليوم بصمتها على الجبة القبائلية والزي التقليدي، الذي جعلت منه عنوانا لتحديها وفخرا تجاوزت به إعاقتها. حالة أخرى لا تختلف كثيرا عن الأولى للشابة "وانش جميلة" البالغة من العمر 39 سنة، معاقة حركيا تمكنت بمساعدة ذات الوكالة من فتح ورشة خياطة وطرز تقليدي في حي المليون بمدينة تيزي وزو، أسهمت في خلق مناصب شغل للعشرات من الفتيات وتعليمهن هذه الحرفة، وصرحت لنا بأن الإعاقة في الحقيقة تكمن في الأذهان وليس في الأعضاء، لكل شخص جانب مضيء من حياته يمكنه استغلاله ليتغلب على ظروفه ووضعه.. "ناصر مالكي" 56سنة، حرفي وصائغ مجوهرات تقليدية، معاق حركيا هو الآخر لكنه يجعل كل متحدث إليه يقف أمام حجم الإعاقة التي يعيشها مجتمعنا، إذ تمكن رغم حالته من القيام بما عجز عنه الكثير من الأصحاء، يقول السيد "مالكي" الذي زرناه في ورشته الواقعة ببني يني قلعة الحلي الفضية بمنطقة القبائل، إنه أكبر إخوته الثمانية واضطر إلى التضحية بمستقبله الدراسي لمساعدة والده على إعالة العائلة الكبيرة، إلا أن الأقدار شاءت أن يغادر الوالد عالم الأحياء في وقت مبكر، فوجد المعني نفسه المعيل الوحيد لإخوته، لم تسمح له الظروف المادية الصعبة بأن يفتتح ورشته الخاصة لكنه كان يمارس الحرفة في منزله، ليصبح اليوم أخا لمهندسين في مختلف المجالات ووالدا لأطفال يشهد لهم بالتفوق الدراسي، تمكن من ضمان التعليم العالي لإخوته جميعا، تزوج من ممرضة أنجبت منه ثلاثة أطفال أكبرهم في الجامعة. وظف أشقاءه الحاملين للشهادات العليا في ورشته، بعدما أغلقت في أوجههم أبواب عالم الشغل لشح الفرص المتاحة، عمل على تعليم عشرات الشباب حرفته التي حافظ عليها إلى يومنا هذا. رئيس الاتحاد الوطني للمعاقين .. رزاق محمد نبيل: منحة العار قضت على كرامة المعاقين وصف رئيس الاتحاد الوطني للمعاقين، رزاق محمد نبيل، وضعية المعاقين بالمزرية جدا وهي لا تخفى على أحد لكنهم ليسوا جميعا يعيشون على التسول، بل هناك معاقون حققوا نجاحات وهناك جانب مشرق في حياتهم علينا الحديث عنه، واعتبر المتحدث المشاكل التي تتخبط فيها فئة ذوي الاحتياجات الخاصة تتعلق في مجملها بغياب آليات لإدماجهم في المجتمع. ودعا رزاق محمد نبيل الدولة إلى التخلي عن منحهم منحة 4 آلاف دينار التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وقضت على كرامة المعاقين وهي مجرد مناورة وذر للرماد لشراء سكوت هذه الفئة المهمشة والمحرومة من جميع حقوقها، مقترحا توفير مناصب شغل لهم كي يتقاضوا مرتبات شهرية تساعدهم في تأسيس حياتهم وإعانة عائلتهم. وتحدث رئيس فرع الاتحاد الوطني للمعاقين بأسطوالي، حنيش عيسى، عن معاناتهم مع المنحة التي تعرف تذبذبا فأحيانا يقبضونها كل شهر ومرات عديدة تتأخر، هذا زيادة على ضعفها خصوصا بالنسبة إلى ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يستعملون الحفاظات فالكمية التي تمنحها لهم مديرية النشاط الاجتماعي "لا داس" غير كافية، فيكونون مجبرين على شراء كميات إضافية بأموالهم الخاصة. واعترف المتحدث بصعوبة العثور على وظيفة بالنسبة إلى ذوي الاحتياجات الخاصة فغالبية الإدارات والمؤسسات يرفضون تشغيلهم ويعانون من التهميش فيتم إقصاؤهم من السكنات الاجتماعية، ومن بين المعاناة التي يصطدم بها المعاقون وذووهم مشكلة التمدرس فمثلا في بلدية اسطاوالي لا تتوافر أقسام خاصة بمرضى التوحد، لذا يكون أولياؤهم ملزمين بنقلهم إلى مركز التوحد في بن عكنون أو إلى مدارس خاصة، وما يزيد الطين بلة غياب وسائل تنقلهم مما يلزم أولياءهم تولي هذه المهمة وبالتالي يتخلون عن مناصبهم الوظيفية مقابل متابعة فلذات أكبادهم. وأكد محدثنا توافر الإصرار والعزيمة لدى هذه الفئة إذا ما وفرت لهم الظروف المناسبة. وسرد لنا المتحدث حكايات عن عائلات ترفض أبناءها المعاقين وتعمل على إخفائهم وإبعادهم عن المجتمع وترفض احتكاكهم بالعالم الخارجي، فيما هناك أسر مثقفة تبذل قصارى جهدها لإدماج ابنها المعاق ويتحدون في سبيل ذلك المجتمع بأسره، بدءا من المؤسسات التعليمية التي ترفض السماح لهم بتسجيل أبنائهم المنتمين إلى ذوي الاحتياجات الخاصة في أقسام عادية عملا بنصيحة المختصين النفسانيين، وتتجدد هذه المشكلة مطلع كل عام دراسي فيشنون ما يشبه الحرب مع المديرين والمعلمين وحتى أولياء باقي التلاميذ.