المتسوّلون والمتشرّدون لازالوا يشوّهون منظر العاصمة رغم كل الإجراءات الردعية انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة التشرد والتسوّل بمختلف الشوارع والأحياء الشعبية وحتى الراقية منها، ماساهم في إعطاء صورة سيئة عن العاصمة، خاصة بالنسبة للجانب السياحي والحضاري للمدينة، وموازاة مع كل ذلك سعت الدولة الجزائرية على الحد من هذه الظاهرة عن طريق سن قوانين تمنع وتعاقب كل شخص يمارس فعل التشرد والتسول بالطرقات والشوارع، وهذا ما يتجسد في الواقع من خلال العدد الهائل للقضايا التي تعالجها المحاكم التابعة لاختصاص مجلس قضاء العاصمة يوميا، لكن المشكل الذي يطرح نفسه في الكثير من الجلسات هو جهل المواطنين للقانون وعدم علمهم بأن طلب الصدقات وإزعاج المارة تهمة يعاقب عليها القانون بالحبس؟ * للتعرف على هذا الموضوع أكثر، قمنا بهذا الاستطلاع الذي نرصد فيه عينات حية من الواقع الجزائري لأشخاص تمت محاكمتهم بتهمة التشرد والتسول خاصة بمحكمة سيدي أمحمد التي تعتبر من أكبر المحاكم في العاصمة، هاته الأخيرة وبحكم قربها من الشوارع الكبرى منها البريد المركزي وساحة الشهداء - التي باتت الملاذ الوحيد لكل شخص لايملك مأوى ولم يجد عملا - فهي تستقبل يوميا العديد من المتورطين في مثل هذه القضايا، وأغلبهم أناس يمتهنون التسوّل الذي أصبح وظيفة الربح السريع للكثير منهم. * * خرجت لطلب الصدقات لعلاج زوجها المريض فوجدت نفسها وراء الزنزانة ؟ * وفي هذا المقام نذكر قضية تورطت فيها سيدة من مدينة وهران، شاءت الأقدار أن تتزوج بالعاصمة، لكنها وجدت نفسها وحيدة بدون أهل بعد مرض زوجها الذي ألزمه الفراش، ولأنها لاتحمل أية شهادة تؤهلها للبحث عن عمل لتوفير متطلبات زوجها، فولجت عالم التسوّل علّها تجد بعض المحسنين ليتصدقوا عليها ببعض النقود. لكن لسوء حظها ألقي عليها القبض من قبل عناصر الأمن، وهي بالقرب من ساحة البريد المركزي، أين كانت تمارس مهنة التسول ليزج بها في السجن، هاته الأخيرة لما مثلت أمام المحكمة توسلت القاضي أن يرأف بها، خاصة أن ظروفها هي من دفعتها للتسول، مصرحة أنها أول مرة تقوم بهذا العمل، فردّ عليها وكيل الجمهورية بالقول »اذهبي لوزارة التضامن واشرحي لهم وضعيتك وسيساعدونك في البحث عن عمل أو يعطونك منحة المحتاجين أحسن من التسول«، مطالبا بعقوبة شهرين حبس مع وقف التنفيذ في حقها، ليحكم لها القاضي بغرامة مالية موقوفة التنفيذ، وحذرها من ارتكاب نفس الفعل مرة أخرى؟. * * سندويتش يجر شابا للمحاكمة بتهمة التسول * أما القضية الثانية فتورط فيها شاب يبلغ من العمر 19 سنة ألقي عليه القبض بالمحاذاة من ساحة البريد المركزي، وهو يزعج المارة بالتسول منهم وطلب الصدقات، هذا الأخير صرح أنه كان جائعا ويريد شراء سندويتشا ولم يكن لديه المال، وأشار بأنه لا يعرف أن التسول ممنوع، فرد عليه القاضي * »أنت لست مريضا، لماذا لاتذهب لتعمل بدل التسول من الناس وإزعاجهم« ثم وجه له وكيل الجمهورية الكلام قائلا :»أنت لم تطلب لتأكل بل تشتري المخدرات فصحيفة سوابقك العدلية مملوءة بالسوابق«، وهكذا التمس في حقه ممثل الحق العام عقوبة شهرين حبس نافذة وحذره من الرجوع لمثل هذا الفعل؟ فيما التمس المتهم الشاب العفو من هيئة المحكمة. * وفي القضية الثالثة كان المتهم شابا في العشرينات من العمر، ألقت عليه عناصر الشرطة القبض بساحة البريد المركزي، وهو يمارس فعل التسول والتشرد، ولدى مثوله للمحاكمة صرح أنه عاطل عن العمل ويسكن بضواحي »برج الكيفان بالعاصمة«، لكن القاضي واجهه بسوابقه العدلية في قضايا السكر العلني والشتم قائلا له »أنت تتسوّل المال لتشتري الخمر فيما بعد؟« فيما قال له ممثل الحق العام »كيف لم تجد عملا، في الوقت الذي تستورد فيه الجزائر اليد العاملة من الخارج؟« مطالبا بعقوبة شهرين حبس نافذ في حقه. وعلق بالقول »لقد شوّهتم منظر العاصمة بالتسول؟" * * مقعد ومعيل أسرة تدفعه الحاجة لطلب المال في الشارع * أما القضية الرابعة فكان المتهم هذه المرة من ذوي الاحتياجات الخاصة، هذا الأخير لم يكن يعلم أن التسوّل فعل يعاقب عليه القانون، وصرح بأنه أب لطفلين، وهو يشتغل عند أحد الخواص الذي دفع له أجرة تقدر ب 2 ملايين سنتيم في 6 أشهر، وهي غير كافية لسد متطلبات البيت وحاجيات الأولاد مما دفعه لطلب الصدقات من المحسنين، لكن القاضي رد عليه بالقول:»إن الدولة تدعم ذوي الاحتياجات الخاصة، وتمنح لهم عملا خاصا، لماذا لم تتقدم بملف لوزارة التضامن؟«، وهكذا نطق القاضي بغرامة مالية موقوفة التنفيذ في حقه بعد التماس وكيل الجمهورية لعقوبة شهرين حبس مع وقف التنفيذ في حقه لتورطه في جنحة التسول والتشرد. * * قانونيون:"لايعذر المتهم بجهله القانون" * يقول الأستاذ أحمد دهيم، وهو محامي لدى نقابة العاصمة بأنه لايعذر أي شخص لجهله القانون، وفي القضايا المتعلقة بتهمتي التشرد والتسول فالقانون الجزائري واضح وصريح في مادتيه 195 و196، حيث أقر بتجريم كل شخص بعقوبة تصل إلى ستة أشهر حبس نافذة في حدها الأقصى في حالة ما كان المتشرد إنسانا لايملك محل إقامة ثابت ولاعمل يقتات به،أما المتسول فهو كل إنسان يتم ضبطه بالطريق العمومي يزعج الناس بطلب الصدقات. وفي السياق نفسه حدثنا المحامي لدى نقابة العاصمة عمر مهدي عن خلفيات تجريم فعل التسول والتشرد، مشيرا إلى أن الجزائر تسعى إلى الحفاظ على الجانب السياحي للعاصمة من خلال محاربة كل أشكال التسول والتشرد، وهذا منذ 1982، لكن رغم ذلك فالظاهرة مازالت منتشرة بكثرة. مضيفا أن القانون الأجنبي يتعامل بحزم مع المتشردين والمتسولين، خاصة في تونس والمغرب، وهذا للحفاظ على السياحة. ويضيف محدثنا بأن الإشكال الذي يطرح نفسه هو الظروف الاجتماعية للمتهمين الذين يلقى عليهم القبض متلبسين، خاصة بفعل التسول. وكثيرا ماتتورط في مثل هذه القضايا فتيات هربن من المنزل العائلي ووجدن أنفسهن في الشارع. والقانون يعاقب على هذه التصرفات حفاظا على كرامة الناس كمبدأ أساسي.