كشف تقرير لوزارة الصناعة وترقية الاستثمار أن 70 بالمائة من الشركات العمومية التي نجت من عملية الخوصصة الواسعة التي حاول وزير القطاع السابق حميد تمار تنفيذها، هي في أمس الحاجة إلى تكنولوجيا حديثة وإلى طريقة إدارة وإشراف حديث لمواجهة التحديات الخارجية التي تهددها اليوم في عقر دارها نتيجة عرقلتها وتعطيلها لأزيد من عشرية كاملة عن القيام بأي استثمار بحجة أنها في انتظار مشترين محتملين أجانب أو محليين، قبل أن يتبين أن مدة الانتظار لم تكن في الحقيقة سوى هدر للوقت والمال. وتضمنت القائمة التي أعدتها الحكومة للخوصصة الكلية أو الجزئية في أكتوبر 2003 ما يعادل 1200 مؤسسة عمومية، غير أن حصيلة عملية الخوصصة لم تتعد 470 شركة عمومية بشكل كلي أو جزئي شملت في حقيقة الأمر الشركات والقطاعات ذات الربحية العالية أو الشركات العمومية التي كانت تتوفر على عقار صناعي معتبر تم تحويله عن طبيعته في الغالب أو تحويله إلى مجرد مستودعات للسلع التي أصبحت تستورد مباشرة من الخارج للسيطرة على حصص السوق التي كانت تضمنها تلك المؤسسات العمومية. وكشف، الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول، أن الانتقادات التي وجهت لطريقة إدارة الاستثمارات الأجنبية المباشرة وملف خوصصة المؤسسات والشركات التابعة للدولة، جاءت بناء على نتائج التشخيص الدقيق الذي أعده كبير خبراء البنك العالمي المكلف بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا بطلب الجزائر، حيث تم التوصل إلى معطيات مناقضة تماما للمعطيات التي رفعت إلى رئاسة الجمهورية بخصوص النتائج التي حققتها عمليات الخوصصة. وأشار المتحدث إلى أن عدد المؤسسات العمومية التي تتمتع بتوازن مالي ولا تحتاج فعلا على مساعدات من الحكومة لا يتعدى 30 بالمائة من إجمالي 750 مؤسسة نجت من برنامج الخوصصة، مضيفا أن هذه الشركات هي الوحيدة التي بقيت قادرة على تحقيق أرباح حقيقية وربما التفكير في منح امتيازات لعمالها وتوزيع جزء من تلك الأرباح على عمالها، وهي الغالب مؤسسات عاملة في قطاع المحروقات والبنوك والمؤسسات المالية إلى جانب بعض المؤسسات الصناعية التي تنشط في قطاعات مستفيدة من حالة شبه الاحتكار الطبيعي لبعض فروع النشاط الصناعي ذات الصلة بقطاع المحروقات بالإضافة إلى بعض فروع قطاع الخدمات. وأكد مبتول، في تصريحات ل"الشروق"، أن الإستراتيجية الصناعية التي رسمها وزير الصناعة وترقية الاستثمار السابق لا تراعي في الوقع التحولات العالمية، مما سيزيد من عزلة المؤسسة الجزائرية وبالتالي الاقتصاد الجزائري، على اعتبار أن مشكلة الاقتصاد الحديث تتمثل في الطلب وليس في العرض، وبالتالي على الحكومة يقول المتحدث الانتباه لهذه التحولات والاهتمام أكثر بالمشكل الحقيقي للمؤسسة الجزائر المتمثل في المناجمنت الحديث والتفكير الجدي في كيفية تزويد المؤسسة الجزائرية العمومية والخاصة بالتكنولوجيا الحديثة بغرض زيادة تنافسيتها محليا ودوليا، بالإضافة إلى تعزيز الحوكمة، أنه من مصلحة جميع المتعاملين العموميين والخواص فتح نقاش وطني حقيقي حول مستقبل المؤسسة الجزائرية ورهاناتها المستقبلية، قبل أن تتحول الجزائر وبشكل نهائي إلى مجرد سوق للسلع والخدمات نتيجة الفشل الواضح في بناء اقتصاد حقيقي لا يقوم على الريع. وقال مبتول، وهو الرئيس الأسبق للمجلس الوطني للخوصصة إن الحصيلة السلبية لمسار الخوصصة والسعي لدمج الجزائر ضمن الاقتصاد العالمي كان بسبب عدم تحديد الطاقم المشرف على العملية لطبيعة الأهداف التي تريد الجزائر تحقيقها من بيع مؤسساتها للأجانب بشكل واضح، إضافة إلى غياب سياسة اقتصادية واجتماعية واضحة نتج عنها ضبابية في تسيير ملف الخوصصة بسبب غياب الإبداع وضعف التسيير للقطاع الاقتصادي بشكل عام، مشيرا إلى أنه بالإضافة على الوضعية الكارثية التي يعيشها القطاع الاقتصادي العمومي، فإن 85 بالمائة من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الخاصة لا تتوفر على مناجمنت حقيقي فضلا عن سقوط نسبة كبيرة من هذه المؤسسات في فخ الاستدانة المفرطة التي أصبحت تهدد بقاء تلك المؤسسات. ويرى الخبير الاقتصادي عبد الحق لعميري، أن الحكومة انتبهت في الوقت المناسب للفخ الذي سقطت فيه الجزائر، والمتمثل في وجود شركات أجنبية حلت محل المؤسسات والشركات الجزائرية العمومية والخاصة، وعمدت إلى الاختفاء وراء تحويل الأرباح من الجزائر، في حين أنها تقوم بتحول أرباح ناتجة عن سيطرتها على حصص تلك الشركات الوطنية لتنتقل إلى تصدير ناتج الثروة المحلية بدون أي جهد استثماري من طرف هذه الشركات الأجنبية التي بلغ إجمالي الأموال التي حوّلتها إلى الخارج 11 مليار دولار سنة 2009.