منذ أن سنّ "النمرود" عقوبة حرق الخليل إبراهيم والنار هي وسيلة الأحقاد الأولى للذين لا يريدون للحق أن يجيء وللباطل أن يزهق. * فقد حرقت فرنسا غابات الجزائر وحرق الصهاينة بيت المقدس وهدّد القس الأمريكي جونز بحرق نسخ من القرآن الكريم .وفي كل الحالات تحوّلت النار إلى برد وسلام على أهل الحق، ولكنها أججت من لهيب الأحقاد التي ملأت قلوب أهل الباطل والشر، فليس غريبا أن يُنحر صدام حسين في عيد الأضحى المبارك، وأن تحرق إسرائيل المسجد الأقصى في رمضان، وأن يهمّ القس جونز لحرق المصاحف في عيد الفطر المبارك، فهم يعلمون أن ما بقي للأمة بعد أن انقطعت جسور تواصل شعوبها بحكامها هي هاته المواسم الدينية التي تجمعهم وتعيدهم إلى كتابهم الخالد الذي حُكم عليه أن يبقى محفوظا "وإنا له لحافظون" رغم تغيّر كل الدساتير الوضعية في الشرق وفي الغرب.. واندثار معظمها. * مشكلتنا هي دائما ليست في ما يأتينا من غيرنا، والذين تظاهروا في أفغانستان بمجرد أن سمعوا عن نية القس في حرق نسخ من القرآن الكريم يعلمون أن ما أحرقته القاعدة وطالبان والأمريكان ونظام الحكم الحالي والذين ألهبوا الفتنة الأفغانية من قيم قرآنية معنوية أكبر من حرق مصاحف من ورق تحمل قرآنا محفوظا في القلوب منذ أربعة عشر قرنا، ويقال أن عدد حافظيه يتجاوز المليون نسمة، والذين يبرقون ويرعدون ويعصفون من رجال الدين في ردّات فعل اهتزازية كلما شاهدوا رسومات كاريكاتيرية مسيئة للدين الإسلامي وسمعوا عن منع للحجاب وحرق للمصاحف نجدهم " صم بكم عمي " أمام التعدي الصارخ الممارس من أبناء جلدتهم على الدين الحنيف . * صحيح أن رسامين دانماركيين تطاولوا على خير خلق الله، ولكن حكام المسلمين رسموا شعوبهم وأوطانهم وتاريخهم بأسوإ الرسوم الكاريكاتيرية، وصحيح أن الصهاينة أحرقوا جزءا من بيت المقدس ولكن حكام المسلمين أحرقوا الأمل والإرادة من قلوب شعوبهم، وصحيح أن القس الأمريكي همّ بحرق نسخ من المصاحف الطاهرة ولكن حكام المسلمين أحرقوا معاني القرآن السامية.. كلنا نعلم أن للبيت رب يحميه وللقرآن رب يحميه، ولكن من يحمي هؤلاء الحكام وحتى هذه الشعوب التي رضيت أن تبقى في المحرقة، من نار الذل والتخلف التي جعلت الأمم.. كل الأمم تتداعى على قصعتها .