من الخير لأصحاب المشروع الاسلامي أن يتدبروا مراحلهم السابقة ويبنوا على الصحيح من مواقفهم وأن يتجنبوا نقاط الضعف وأن يتحرروا من تبعات الاخطاء بالاستغفار الى الله والتقرب اليه بمحاولة عمل مفيد وايجابي.. وأن تكون هذه سنة ثابتة لسلوكهم السياسي والاجتماعي. * * انه من غير المعقول ان يستمر عدم حدوث المراجعة للمراحل السابقة والتجارب السابقة وان يستمر السير هكذا وكأن الامور على خير مايرام ودونما استغفار وتراجع عن الاخطاء التي يكون الوقوع فيها احيانا مصاحبا لطبيعة تكويننا البشري ولعدم قدرتنا على الاحاطة بكل الاسباب التي تكتنف موقفا ما أو واقعا ما، الامر الذي يوقعنا في سوء تقدير ينبثق عنه خطأ عملي، ومن هنا تكون اهمية المراجعة الصريحة الجريئة وان عدم حدوثها يعني وجود نزعة غير حميدة تمكنت من نفسيات تدعي العصمة والصوابية المطلقة حتى لو لم تصرح بها. * نعود لواقعنا وما على الفكر الاسلامي ان يتقدم به لتغذية الفعل الاسلامي بأفكار جديدة من وقت لآخر كعملية ضرورية، فمن غير الصحيح ان تتوقف عملية التفكيرعند مرحلة.. ان النتاج الفكري في مرحلة يأخذ اهميته في وقته ومكانه الخاصين، ومن المعيب للفكرالاسلامي أن يتجمد عند أية مرحلة مهما بلغت اهميتها، وهذا بالتأكيد من غير سنة الرسول صلى الله عليه واله وسلم . * لقد انهت الحركة الاسلامية مهمة التأسيس للفكرة الاسلامية وذلك للتصدي لعملية فصل الدين عن الحياة بضرورة العودة لاستئناف الحياة الاسلامية التي تعني الرحمة والعدل والحق والمصلحة.. وقد تشكلت من اجل ذلك كيانات ومؤسسات وانتشرت الفكرة الى اوسع نطاق، وكان عليها ان لا تواصل الاستغراق في تلك المرحلة، لكيلا تتحول الجماعة بحد ذاتها هدفا.. كان عليها ان تنتقل بعد ذلك في الشعار والخطة والاستراتيجية الى مرحلة اخرى تكون دائرتها اوسع وتعكس ما استقر في وجدانها وعقلها من افكار للنهضة وذلك من اجل حياة الناس المؤمن منهم بفكرة الحركة الاسلامية وغير المؤمن سواء، وان يكون الجميع مشمولا بالاهتمام على اعتبار انه اخ في الوطن والامة وان اختلف اجتهاده وقوميته، وان يكون الجميع في الوطن هو اطار الحركة العام، وهذا يستدعي ليس فقط برامج لمصلحة العموم ورؤية لذلك، انما ايضا من خلال خطاب ومؤسسات واسعة توحد الجميع على قاعدة مشتركة من المفاهيم والافكار التي من شأنها تحقيق التعاون والتكامل وتوجيه طاقة الناس الى السلم الاجتماعي والحياة الانسانية الكريمة، من خلال التركيز على قضية تهم الجميع في لحظة ما، وان تجمع الطاقات وتفعلها في اتجاه تحقيق هذا الهدف بغض النظر عن قوميات الناس ومعتقداتهم .. ان هذا يعني ضرورة ان تغير الحركة الاسلامية في خطابها وادواتها وشعاراتها . * صحيح ان الحركة الاسلامية نجحت في المرحلة الاولى نجاحا مبهرا وتصدت لمحاولات التمييع والانهاء ببسالة نادرة.. وأصبح من غير الممكن تجاوز الواقع الذي انتجته، حيث اصبح الاسلام مرجعية المجتمع العربي بشكل أساسي.. وصحيح ان العلمانية المتوحشة اما ان تكون انهارت وذهبت مع الريح او ان تكون قد عدلت في خطابها على الاقل اقترابا من هوية الامة.. ما يمكن قوله هنا إن الحركة الاسلامية تحركت بفقه حركي بارع ونجحت في ذلك الى حد كبير.. كل ذلك صحيح ومن المفترض ان تكون الحركة الاسلامية انتقلت الى المرحلة الثانية مرحلة التأسيس لمجتمع انساني يعيش فيه المواطنون وبمشاركة كاملة بأخوة ومواطنة في ظل العدل والرحمة والتساوي الحقيقي امام القانون وتاكيد الروابط الحقيقية التي لاينبغي ان تصطدم ببعضها: رابطة الوطن والقوم والانسانية.. أي كان من المفترض ان يتم التحريض من اجل تقوية اصرة الوطن والشعب والامة .. وهنا كان الامتحان الاول الخطير الذي واجه الحركة الاسلامية والفكر الاسلامي المعاصر . * في هذا الباب يبدو ان الابداع الفكري والاجتهاد توقف الى حد كبير وظل اجترار المواقف الحركية مستمرا.. وفي محاولتها للانتقال الى مرحلة المجتمع اصاب الفكر الاسلامي خلل منهجي دفع الى تشكيل مجتمع داخل المجتمع، وامة داخل الامة، وظل هاجس الحركة يلاحقه وهو في النقابات والمؤسسات العامة فكان يتحرك محاصرا بلونه وليصبح مع الزمن فكر طائفة في المجتمع تبحث عن استحقاقات محاصصة.. كان ينبغي تولد فكر المجتمع والدولة أي خروج الفكر الاسلامي من دار ابن الارقم الى سوق المدينة.. ومن العصبة المؤمنة الى مواثيق الحياة العامة في هواء طلق مع الناس على اعتبار انهم شركاء في الوطن، واخوة انسانية في مواثيق جديدة لاتصطدم بالضرورة مع رابطة الايمان لمجموعات الحركة . * ان الخوف من التميع وفقدان سمات الحركة الاسلامية الخاصة لدى الدعاة له مبرره ولكن التجمد عن الانتقال الى المرحلة الثانية لايقل خطورة على الحركة الاسلامية وعلى حركية رسالة الاسلام.. وهنا لابد من ملاحظة ان الدعوة الى انتقال الفكر الاسلامي الى مرحلة مابعد الحركة الى مرحلة المجتمع لايعني الاستسلام لواقع فاسد سياسي واجتماعي، بل يعني التحرك نحو تنوير عام يستقطب كل الطاقات الاجتماعية التي تشترك حول كل ما ينفع الناس في قضية بارزة واضحة ذات اجماع وطني ويحمي حقوقهم وكرامتهم والتأسيس لأوضاع تكرس مبدأ المواطنة وتقوية رابطتها .. * ان الحركة الاسلامية يجب ان تدخل مرحلة بناء المجتمع الانساني وان تتجاوز مرحلة البناء الحركي والشعار الحركي والدعاية الحركية في بلدانها.. وعلى الفكر الاسلامي ان يجتهد للإجابة على التحديات الخاصة بكل مجتمع نصرة للقضايا العامة . * يجب ان يجتهد قادة الحركة الاسلامية وأن يقربوا اليهم المفكرين النابهين والالحاح عليهم لاجتهاد يحول الحركة الاسلامية من حالة حزبية طائفية الى برنامج شامل لكل محيطها بغض النظر عن الايديولوجيا والقومية تكون دعوته لحياة انسانية كريمة لاتظالم فيها ولا عنصرية ولا فساد .. وان تكون الحرية والحقوق وكرامة الانسان السمات الاساسية لهذا البرنامج . * لم يعد مناسبا ان يستمر اسم الحركة الاسلامية وشعارها وشروطها في حياة الناس بل هناك اسماء وشروط لابد ان نصوغها تتناسب مع المرحلة الثانية وذلك من صميم فهمنا للاسلام ولسنة الرسول صلى الله عليه واله وسلم. *