توقيف 3 أشخاص مشتبه فيه و حجز 19800 قرصا مهلوسا    غوتيريش يدعو إلى تجنب انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    مليونًا و24 ألف مكتتب من المواطنين في برنامج عدل 3    بمشاركة أكثر من 50 عارضا    حسب بيان صادر عن الصندوق الوطني للتقاعد    يخص الطورين من التعليم المتوسط والثانوي    كانت تعمل بيومية الجمهورية بوهران    خنشلة تزامنا و شهر رمضان المبارك    رأي في الإصلاح التربوي.!؟    ماذا يريد وزير داخلية فرنسا من الجزائر؟    علولة يعود هذا الشهر    حماس تؤكد أن القرار انقلابٌ سافر على اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.. الاحتلال الإسرائيلي يوقف دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة..    الولايات المتحدة الأمريكية : ترامب يتباهى بتراجع تدفق المهاجرين لأدنى مستوى بتاريخ بلاده    روتايو.. الحقد على الجزائر عنوان حساباته السياسية    وزارة الشؤون الدينية تطلق خدمة الفتوى    "ناسدا" تنظم معارض تجارية خلال رمضان    تدابير إضافية لمضاعفة الصادرات خارج المحروقات    بوغالي يلتقي رئيس برلمان الميركوسور..اتفاق على تنسيق المواقف في القضايا ذات البعد الإقليمي والدولي    سعداوي يشارك في اليوم الإفريقي للتغذية المدرسية لسنة 2025..رئيس الجمهورية حريص على العناية بالمطاعم المدرسية    معسكر..فتح 16 سوقا جواريا خاصا بشهر رمضان المعظم    تبادل الخبرات في مجال السياسات الاقتصادية    البليدة.. الانطلاق في تجسيد برنامج رمضاني متنوع    أوغندا : تسجل ثاني وفاة بفيروس "إيبولا"    إثراء المحتوى الاقتصادي للشراكة الاستراتيجية الشاملة    دعوة الحركة التضامنية إلى مرافقة الشعب الصحراوي في نضاله العادل    شهر الفرح والتكافل والعبادة    المجمّع الجزائري للنقل البحري يرفع رأسماله    تصنيع قطع الغيار.. الجزائر رائدة خلال 4 سنوات    السياسة العقابية الوطنية مبنية على التعليم والتشغيل    الطلبة يحسّسون بأخطار المخدرات    شوربة "المقطّفة" و"القطايف" لاستقبال الضيف الكريم    تراجع مقلق لمستوى حاج موسى قبل قمّتي بوتسوانا والموزمبيق    غربال وقاموح في تربص تحكيمي في كوت ديفوار    "بشطارزي" يفتح أبوابه لعروض متميزة    عبد الباسط بن خليفة سعيد بمشاركته في "معاوية"    عسلي وحدوش في "الرباعة"    صلاة التراويح    قندوسي جاهز لتعويض زروقي في المنتخب الوطني    مرصد دولي يدين بشدة القيود المفروضة من قبل المغرب على المدافعين عن حقوق الإنسان في الصحراء الغربية المحتلة    رئاسة الجمهورية تعزي عائلة "هدى نذير"    سُنّة تخلى عنها الشباب رغم بركتها ومزاياها الكبيرة    الإعلان عن فتح باب الترشح لجائزة رئيس الجمهورية للغة العربية    فيلم فانون يفوز بجائزة أسبوع النقد    بلمهدي يقدم واجب العزاء    مولودية الجزائر تعزّز صدارتها    شهادة دولية لبنك الإسكان    ذهب الظمأ وابتلت العروق    كيف تحارب المعصية بالصيام؟    شنقريحة يحثّ على اليقظة ومضاعفة الجهود    بحث سبل تعزيز ولوج الأسواق الإفريقية    شهر رمضان.. وهذه فضائله ومزاياه (*)    تنس/الدورة الدولية ال2 للأواسط J30 الجزائر: تتويج الجزائرية بن عمار باللقب    صناعة صيدلانية: بحث سبل تعزيز ولوج المنتجين الجزائريين للأسواق الافريقية    الجمعية العامة الانتخابية للاتحادية الجزائرية لكرة اليد: فترة ايداع ملفات الترشح من 1 الى 3 مارس    العنف يتغوّل بملاعب الجزائر    عهدة جديدة لحمّاد    التوقيع على ملحق اتفاقية حول إدراج الأعمال التدخّلية    الجزائر تحتل مكانة استراتيجية في صناعة الأدوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المثقفون العرب والمشعوذون العرب
نشر في الشروق اليومي يوم 18 - 10 - 2010

يحتمي المثقف العربي بشعارات حرية الرأي والديمقراطية كلما حاصره الرقيب.. والرقيب هنا قد يكون مسلحا بالعصي أو بالمقدس.. وبين التفلت في تناول قضاياه والهروب الى اعمدة الديمقراطية يتأرجح المثقف العربي يلاحقه الخوف من الجوع والمطاردة والتهميش، وتصبح الكلمات والمعارف التي اكتسبها وزرا عليه عندما تكون بلا قوة داخلية تحميه من التردد وتوطنه على المواجهة، ولسوء حظ الثقافة ان غالبية المثقفين ينهزمون في الجولة الاولى امام بريق الدنانير او تلويح الحاكم بسوط او منصب..
وهنا نبدأ الاقتراب من تحديد السمات الاساسية للمثقف العربي في هذه المرحلة رغم ان كثيرين سيصرخون في وجوهنا وهل هناك مثقفون؟؟ اين هم؟ وبلا تردد نجيب انهم موجودون رغم ما يحيط بهم من تعتيم.. ولكن تداخل الاسباب في الخطاب الرسمي وشبه الرسمي لدى الجمعيات السياسية والمكونات الاساسية للمجتمعات صنع حالة من الشعوذة في واقع الناس اصبح المثقف ازاءها كالحاوي او المنتحر..
في مرحلة سابقة عندما كانت معظم انظمة الحكم في وطننا العربي ذات خيارات ايديولوجية محددة وشعارات تنضوي تحتها جملة الانشطة السياسية والاجتماعية.. حينذاك كان سهلا بروز تيار ثقافي ومنابر ثقافية مساندة او مضادة وعلى جبهة رفض توجهات الانظمة يومذاك برز مثقفون كبار ومفكرون متميزون.. في تلك المرحلة برز سيد قطب ومالك بن نبي وجمال حمدان ومحمد قطب وفتحي يكن وغيرهم من المثقفين الاسلاميين الكبار ما برز مثقفون علمانيون حيويون في مصر والجزائر وتونس والمغرب وبلاد الشام.
وبرز في تلك المرحلة علماء دين ممتازون مثل شلتوت ومحمد ابوزهرة في مصر وتقي الدين النبهاني في فلسطين وحبنكة ومصطفى السباعي في دمشق.. وامتد التميز الى طبقة الشعراء والادباء.
لكننا اليوم نمر بمرحلة الشعوذة.. انظمة حكم تخلط الدين بالهوى وتصنع من الفتاوى الفاسدة واستبداد الانحراف حالة تلفيق عجيبة.. وتحشد بين المناداة بحق فلسطين وبناء قواعد عسكرية امريكية على ارضها.. مرحلة يهتز فيها اليقين مع كل صاروخ امريكي وإسرائيلي ويصبح المستحيل هو احداث خطاب متميز بعد ان اختلطت خطابات الجميع في خلطة لا تشبه شيئا ولكنها تحتوي على شيء من كل شيء.. وهكذا تتكشف قدرة التلفيق وتأقلمها مع تعقيد الظروف.. فبسهولة يتم شطب أي لغة معارضة او رافضة.. فالفكر الليبرالي يعيش خزيه في ظل تنفيذ التجربة الديمقراطية في العراق والصومال والسودان.. ولم يعد الليبراليون قادرين على المناداة بأطروحاتهم بعد ان استولت عليها الادارة الامريكية، وها هي توظفها في تحطيم الدول وتفسيخ المجتمعات وإثارة الفوضى في الابنية الثقافية والاقتصادية.. فأصبح كل من يدعو لحل ليبرالي يكون على مسافة قريبة او بعيدة من الحل الامريكي المطروح لمجتمعاتنا.. أما الفكر الاسلامي فأصبحت تهمة الارهاب ممحاة لوجود الخطاب الاسلامي.. ويرجع المثقف الاسلامي خطوات كبيرة لأنه سيكون معزولا بعد ان جذبت الدنيا ببهرجها ومواقع الامتيازات فيها معظم من بدأ نجمه يلمع او كان مؤهلا ليصبح علما الى حيث مائدة السلطان..
المثقفون العرب والشعوذة المعاصرة معركة لم ينتصر فيها المثقف العربي رغم تضحياته الباسلة، ورغم كرهه للشعوذة الا انه اصبح للأسف في كثير من الاحيان مشعوذا يستخدم البخور ونار المواقد، يقرأ احلامه وبعض ما اصابه وينشر كلمات على الاوراق، هو يدرك ان لا قيمة لها لأنه يتلاعب بالالفاظ وبأساليب اللف والدوران التي استفادها من مطالعاته.. ذلك لأن طبيعة انظمة الحكم تتلون كالحرباء وتكون قد سحبت من المثقفين مادة تحريضهم ولسان شعوبهم.. وضيقت عليهم سبل الحياة الكريمة.
ان الفوضى والبعثرة والانتقائية واللا معيارية اصبحت سمات واضحة لدى المثقف العربي الذي انسحب من قضاياه الكبرى الى قضايا جزئية مشوهة.. ويكفي ان نستعرض موقف المثقف العربي من قضايا حساسة وحيوية وكبيرة لنرى حجم الضباب الذي يلفه.. فأين المثقف العربي من قضية الامن القومي العربي المهدد؟ اينه من قضية القرن الافريقي والصومال وجنوب السودان ودارفور والعراق وأزمة الثنائية الدينية في مصر وتمدد المقولة الصهيونية في الخطاب العربي..؟ اين المثقف العربي من التنمية والحريات السياسية واينه من العدو المركزي للأمة ممثلا في سياسات الادارة الامريكية..؟ وما هو موقف المثقف العربي من زوابع تكاد تعصف بالبيت العربي كله؟
المثقف العربي الليبرالي يتجه لنقد الدين والمقدس ويدخل معركة محكومة نتائجها بالفشل.. والمثقف الاسلامي اصبح مثقف الحزب الاسلامي وأصبحت احتياجات الحزب محركه وموجهه.. وخلت الساحة لمنظري الجهل والعنف والحسم الظالم في الآخر ولمنظري الرذيلة السياسية والاقتصادية.
اننا في ظل النظام العربي التلفيقي وأزمته البنيوية وترابط اجزائه بالخطوط الغربية في شتى الميادين لا نرى من نوعية المثقفين الا المنهارين او المتطرفين، وفي كلتا الحالتين نعاني التمزق او التطرف.. ولا يملك أي من اصحاب الخيارين الا الشعوذة للتدليل على وجوده.
اننا مدعوون الى البحث عن عناصر ارساء قناعات تبني قواعد لثقافة محصنة من الهزيمة والاختراق تفضح جريمة الشعوذة وترفض التنطع والميوعة.. نحن محتاجون إلى ثقافة تحمي الناشئة من الانحراف والمجتمع من الفوضى.. ولعل هذه الخطوة تكون من الخطوات الاولى للنهضة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.