من الصعب على أي كان أن يهضم العيش في ظروف مغايرة تماما لتلك التي كان يعيشها، خصوصا إذا كان يعيش في ثراء على مقربة من بيت الله بمكةالمكرمة ثم يجد نفسه في منزل عادي دون معيل أو كفيل، كحال أم يسرى التي تعيش وضعا مزريا للغاية في بسكرة، قبلته عن مضض حفاظا على بقاء ابنتها بقربها. * حكاية هذه الأرملة وابنتها تحتاج إلى كاتب سيناريو بارع ومخرج محترف لإنتاج مسلسل يضاهي المسلسلات التركية المدبلجة، بطلته امرأة جزائرية تزوجت بجزائري يحمل الجنسية السعودية أنجبت منه بنتا، وله أولاد من زوجة أخرى، مات وترك إرثا لم يكن لها ولا لابنتها الى حد الآن نصيب منه، وقبل وفاته حصلت لها متاعب جمة في البقاع المقدسة، روتها لنا المعنية بالأمر وهذه تفاصيلها. *
* أربع سنوات لتسجيل البنت يسرى * ارتبطت المسماة مباركة بومعراف بزوجها الراحل عبد القادر بعقد زواج سنة 1990 واخذها معه الى السعودية، وبعد سنتين انجبت البنت يسرى، فكان عليه استصدار صك زواج لتسجيل ابنته في الحالة المدنية، ولم يكن له ذلك الا بعد مرور حوالي اربع سنوات - تقول ام يسرى - لأسباب مفتعلة لولا تدخل وزارة الداخلية السعودية. بداية العراقيل كانت بصعوبة تسجيل البنت والحصول على عقد زواج، حيث اقترح احدهم عليها وعلى الزوج العودة الى الجزائر في انتظار تسوية وثائق يسرى، وهو ما حصل، حيث تمكنت البنت من مغادرة السعودية باتجاه الجزائر لأول مرة بلا جواز سفر او حتى شهادة ميلاد، وبعد3 أشهر عاد الأب إلى السعودية، وانتظر شهرين آخرين دون حصوله على عقد الزواج وشهادة ميلاد ابنته، فقرر المجيء إلى الجزائر لإرجاع يسرى وأمها إلى مكة، ولدى وصولهم إلى مطار جدة خضعوا إلى تحقيق بشأن البنت، انتهى بقرار إرجاعها إلى الجزائر قبل أن تستظهر أمها وثيقة إثبات ولادتها في مستشفى الأهلي في مكةالمكرمة، مكنتها من دخول المملكة مقابل سحب جوازي سفر والديها مؤقتا. واصل الأبوان مساعيهما للحصول على عقد زواج وشهادة ميلاد البنت إلى غاية الحصول على العقد الشرعي الذي استلمت الوالدة نسخة منه طبق الأصل، وبموجبه تم تسجيل البنت يسرى في الحالة المدنية. وهنا انتهى الفصل الأول من هذه المعاناة، تلتها معاناة أخرى أكثر قساوة على يسرى وأمها خصوصا بعد وفاة الأب. *
* طلاق في جدة في غياب الزوجين * الفصل الثاني من متاعب أم يسرى بدأ باتصال عبر الهاتف من زوجها لما كانت ضيفة لدى أهلها في بسكرة، حيث اخبرها بأنها طالق، تلاه اتصال آخر تراجع فيه عن قوله، مؤكدا انه أدلى به تحت ضغط الغير، فقطعت زيارتها وقفلت راجعة إلى السعودية، حيث نزلت في فندق زهرة مكة الذي يديره زوجها دون علمه بوجودها على فراش المرض، غير أن مسير الفندق اخبرا احد أبناء الزوج فسارع إليها سائلا إياها عما تريد، وبعد أسبوع تمكنت من مقابلة زوجها وتزامن ذلك واستدعاءها من طرف المحكمة حول قضية الطلاق، وفي حضورهما سأل القاضي الزوج عن سبب إقدامه على الطلاق في جدة، فرد بالنفي، علما بأن الطلاق يقتضي حضور الزوجين . في تلك الأثناء تلقى أهل الزوجة ببسكرة نسخة من صك الطلاق المزعوم حسب وصف المتحدثة، التي أضافت أن زوجها كان يزورها كل مساء، وكان يتناول حبوبا بيضاء، وقتها كان يعاني من مرض فنصحها بمغادرة السعودية رفقة ابنتها، خيفة عليهما من أي مكروه وقد تكفل احد أبنائه بإجراءات الحجز ورافقهما إلى المطار حتى باب قاعة الانتظار، حيث سلم لزوجة والده جواز سفرها يحوي وثيقة طلاقها التي يجهلها والده، وبعدما سوى الزوج قضية الطلاق المزعوم، جاء إلى الجزائر زائرا زوجته وابنته حيث مكث بينهما مدة شهرين، ثم عاد بلا رجعة تاركا وصية للقنصل السعودي مفادها أن زوجته لا تزال على ذمته، وبموجب شهادة خطية من القنصل تمت تسوية قضية الطلاق المزعوم. *
* الشرطة السعودية تتهمها باختطاف البنت * بعد وفاة الزوج عرفت معاناة أم يسرى منعرجا آخر، وتعقدت أكثر بفعل الضائقة المالية التي حلت بها. بداية الفصل الثالث من مسلسل المعاناة عودة الإخوة من الأب إلى طلب أختهم دون أمها المطلقة (في نظرهم غير المطلقة) حسب وثيقة رسمية صادرة من المحكمة الشرعية، وظل النزاع قائما بين الطرفين إلى نهاية عام 2000، حيث طلب منها القنصل السعودي في الجزائر التنقل إلى السعودية رفقة محرم لتسوية وضعيتها بكفالة من المملكة، وفتح حسابا بنكيا باسم البنت في الجزائر، وهناك أقامت 9 أشهر كاملة في مواجهة عراقيل أخرت إتمامها المهمة التي تنقلت لأجلها، ومن بين العراقيل التي واجهتها استدعاؤها من طرف الشرطة في اليوم الذي كانت ستقابل فيه القاضي الشرعي، حيث اتهمتها الشرطة باختطاف ابنتها، وهو ما نفته بالدليل القاطع، وتمكنت من تجنب السجن، غير أنها لم تتمكن بعد من أخذ حقها وحق ابنتها في الميراث، رغم استظهارها لصك الفريضة الذي يؤكد أحقيتهما في ذلك، ونظرا لكونها فقيرة عديمة الدخل، تناشد خادم الحرمين وسفير الجزائر في العربية السعودية التدخل لإحقاق الحق وإزهاق الباطل، والفصل في قضية الفريضتين المتناقضتين. *
* التنقل إلى السعودية شرط لتجديد جواز السفر * زاولت يسرى دراستها في ارض الجزائر وحصلت على شهادة البكالوريا ورد فيها خطأ، يتعلق بمكان الميلاد، حيث جاء في الشهادة أنها ولدت بمكةالمكرمة ولاية بسكرة، ولما سعت امها إلى تصحيح الخطأ واجهت صعوبات حالت دون تمكنها من تصحيح الخطأ الوارد في شهادة نجاحها في البكالوريا، وبصعوبة حصلت على وثيقة من السفارة السعودية في الجزائر تؤكد صحة ولادتها في مكةالمكرمة، ارستلها الى ديوان الامتحانات والمسابقات، طلبا لتصحيح الخطأ، اما جواز سفرها فلم تتمكن من تجديده، حيث اشترطت السفارة تنقلها الى السعودية لتجديده، وهو ما ترفضه البنت وامها خوفا من ذهابها بلا رجعة. فما ذنب يسرى حتى تخير بين السعودية او البقاء في الجزائر في وضع اجتماعي يرثى له، رغم الاموال الطائلة التي تركها والدها حسب تأكيد امها التي اضافت انها لم تعثر على شهادة وفاة زوجها رغم بحثها عنها في بلديات مكة، او كما قالت المتحدثة التي تعكف حاليا على اكمال حفظ الستين، مسلمة امرها الى الوارث الذي لا وارث له.