لم يكن الطفل بعزيز بدر الدين، وهو من مواليد 2000، يدري أن موكب العرس البهيج الذي زف فيه إلى مستشفى مفتاح من أجل الاختتان سيتحول إلى فاجعة من العيار الثقيل، حولت فرح الوالدين بابنهما البكر إلى دراما رهيبة خوفا على مستقبله جراء العاهات التي لحقت به على مستوى عضوه الذكري. * بدأت مأساة الطفل بدر الدين يوم 22 جويلية من سنة 2008 حين توجه رفقة والده إلى المؤسسة الاستشفائية للصحة الجوارية بمفتاح، حيث أشرف جراح على اختتانه بقاعة الفحص التي تفتقد لأدنى الشروط الطبية. * بعد العملية عاد "بدرو" إلى البيت، لتبدأ معاناته مع آلام لم يهدئها أي مسكن، قبل أن ينتفخ عضوه التناسلي بصفة غير عادية، فنقل إلى مستشفى الرويبة في اليوم الموالي، إلا أن حالته تفاقمت وأصيب بنخر كلي للفلقة المحيطة حتى قاعدة القضيب، وظهرت بقع سوداء تشبه الحروق على مستوى عضوه التناسلي رافقتها حالة تعفن متقدمة وسيلان للقيح، كما أصبح غير قادر على التحكم في البول وغير قادر على الحركة، مما تطلب نقله في التاسع أوت 2008 على عجل إلى مصلحة جراحة الأطفال بمستشفى بني مسوس، حيث أعد البروفيسور حنضلة تقريرا طبيا تحصلت "الشروق" على نسخة منه، يشير إلى أنه وبتاريخ13أوت كان التدخل الجراحي الأول باستئصال النخر والفلقة المتعفنة تحت التخدير العام، وتم تحضير مناطق الزرع، أما التدخل الجراحي الثاني يوم 28 أوت فتم نزع مزقتين جلديتين من منطقتين أربيتين من بطن بدر الدين قياسهما 7سم/2سم ووضعهما بتقنية "كاش كور" على مستوى القضيب ومكث بالمستشفى إلى غاية 22 أكتوبر 2008 . * وفي اتصال هاتفي أكد البروفيسور حنضلة على أن ما تعرض له الطفل من مضاعفات جراء عملية الختان خطأ طبي من الدرجة الأولى، ناجم عن إجراء العملية خارج قاعة الجراحة في مكان يفتقد لشروط النظافة والتعقيم بمستشفى مفتاح، وأشار إلى تعليمة وزارة الصحة في هذا الشأن، والتي صدرت عقب فضيحة الختان الجماعي بمدينة الخروب التي تمت بمدرسة ابتدائية، حيث عبث بذكورة 17 طفلا، فقد اثنان منهما، حسين وياسين، عضويهما بصفة نهائية. وذكر البروفيسور بأنه أشرف على حالة أطفال الخروب. * وتنص التعليمة التي تحمل رقم 006 والمؤرخة في 05 جوان 2006 على أن عملية الختان، سواء كانت فردية أو في إطار جماعي، لا بد أن تجرى في قاعة الجراحة بالمستشفيات ويشرف عليها جراحون. وأضاف البروفيسور بأن بدر الدين هو "خروبيست" آخر من مفتاح. * وأكد البروفيسور على أن الإصابات التي لحقت بذكر الطفل متفاوتة الخطورة وتركت بصماتها إلى أجل غير مسمى بفعل التشوهات التي حدثت على مستوى عضوه الذكري الذي يبدو معوجا، وكذا الندب الناجمة عن عملية الزرع، كما خلفت خوفا رهيبا على مستقبل الطفل، لأنه إلى حد الساعة لم تثبت سلامته نهائيا من التشوهات التي أصابت جهازه التناسلي، كما أن الطفل معرض إلى الإصابة بالعجز الجنسي بنسبة كبيرة. * يوجد بدرو في وضعية نفسية جد حرجة، والعائلة بحكم فقرها وعدم قدرتها على اصطحاب ابنها إلى أخصائي نفساني تحس بالظلم والجور، وفي حديثنا إلى الوالد بدا منفعلا ومرتبكا، خاصة وأن ابنه أصيب بحالة من الذهول وأصبح يتلعثم في الكلام فأجابنا بعدما علت وجهه حمرة خجل شديد: "كنت أحلم بأن أصبح عسكريا أما الآن فلا أستطيع"، وكأنه يعلم بأن العاهة التي أصابته قد تمنع من انتقائه في صفوف الجيش مستقبلا. * وأثبت تقرير الخبرة الطبية وجود مخلفات نفسية على الطفل، كما أكدت لنا والدته، فأصبح يرفض تغيير ثيابه الداخلية وكثيرا ما تجده أمام المرأة يشاهد مخلفات العملية المشؤومة. * قضية بدر الدين لا تزال مطروحة أمام العدالة، ففي15 ديسمبر 2009 تأسس الوالد كمدعي نيابة عن ابنه القاصر في دعوى قضائية ضد المؤسسة العمومية الاستشفائية بمفتاح، التي تنصلت من المسؤولية، وأمر قاضي الغرفة الإدارية بمجلس قضاء البليدة بتعيين خبير للتحقق من وجود علاقة السببية بين عملية الختان التي أجريت للطفل بمصالح مستشفى مفتاح والضرر اللاحق، وهو ما أكده تقرير الخبرة الطبية، وبالموازاة، طعن الأب في نسبة العجز التي أقرها الخبير الكائن مكتبه بمستشفى سيدي غيلاس بشرشال والمقدرة ب15 بالمائة، وهو ما أثار امتعاض البروفيسور حنضلة، الذي أشار إلى أن وضع الطفل أخطر بكثير من هذه النسبة. * وفي ختام حديثه لجريدة "الشروق" وبدمعة تقشعر لها النفس أبكت الوالدين والطفل معا، طلب السيد بعزيز من وزير الصحة التدخل شخصيا لإنصاف طفله من المجزرة الرهيبة وتمكينه من إجراء عمليات تجميلية في الخارج.