.. بالكاد استطاعت صعود السلم وبالكاد أيضا استرجعت أنفاسها، أتعبها مرض التهم مجوهراتها، ومعاش سنوات عمل طويلة دون أن يشفى، لم تنفع عقاقير أعشاب ساحة الشهداء، ولم تنفع أيضا كل مراهم وأودية بروفيسور مصطفى باشا، فاكتشفت أن التعايش مع "الروماتيزم" في صمت هو أكبر دواء للتغلب عليه. * من منا لم تصب جدته أو إحدى قريباته بمرض التهاب المفاصل، فالجزائر لوحدها تُحصي 262 ألف و500 حالة إصابة، من مجموع 350 ألف شخص مصاب بهذا المرض الفتاك. * هذه الأرقام سجلها المرصد الجزائري للمرأة في آخر إحصاءاته، وهو يدق ناقوس الخطر، غير أن السلطات الصحية لم تتحرك أمام هول الأرقام، بالرغم من أن مصادر طبية غير رسمية حذرت من زحف مرض التهاب المفاصل نحو الأسرة التربوية التي تحصي في سلكها أكثر من 300 ألف امرأة عاملة بالقطاع، بمجرد إحالتهن على التقاعد يفاجأن بالتهاب آلام المفاصل، بسبب متاعب مهنة أصحاب المآزر البيضاء. * خالتي "الضاوية" واحدة منهن، لم تكن تدري أنها ستعيش عقدها الخامس بعصا تتكئ عليها، كما لم ترحمها أيضا أدراج عمارة "لاصيلة"..كيف لا وهي تقطن الطابق الثالث عشر..التقيناها وهي تنتظر دورها لسحب معاش الشهر بمركز بريد القبة، تتحدث قائلة : "آه يا بنتي إني أفكر كيف أصعد سلم العمارة، بالرغم من أنني أنزل مرة واحدة في الشهر غير أن أنفاسي تكاد تتقطع". * خالتي الضاوية كانت بالأمس مُعلمة في اللغة الفرنسية، اشتغلت لسنوات طويلة بمدرسة البيروني، قبل أن تُحال على التقاعد في سن 45 عاما، لتكتشف بأنه تاريخ بداية معاناتها مع مرض المفاصل، تتحدث قائلة: "كنت أظن أنني سأرتاح بعد إحالتي على التقاعد، غير أنه سرعان ما بدأت أشعر بآلام لا تطاق حولت هدوء ليلي إلى مصدر لإزعاج زوجي، اعتقدت في البداية أنه مجرد ألم يزول مع الزمن، لم أترك لا طبيبا ولا حتى عشابا، زرت كل حمامات الجزائر، واستنزفت حصص العلاج بمركز "طلاسو" كل مدخراتي". * ولأن المرض ليس حكرا على الكبيرات في السن فإن إيمان الأستاذة جامعية ذات ال 38 عاما، تعاني من آلام في الركبة، شخصها الأطباء على أنها نوع من أمراض المفاصل، تقول بأن المرض عندها يتضاعف أيام الشتاء، حيث تنتفخ الركبة، ولا تقوى على الوقوف لفترة طويلة. *
* حُولن إلى ديار العجزة بعد أن أقعدهن المرض * وإذا كانت خالتي الضاوية، أقل معاناة من خالتي "حدة" لأنها وجدت في نهاية المطاف أن معاشها يخفف عنها ألم المرض، إلا أن كثيرات نهش المرض عظامهن فحولن إلى ديار العجزة.. حدة ذات ال72 عاما، تقيم بدار العجزة في باب الزوار، لم يرحمها لا المرض ولا الأهل، أقعدها ألم المفاصل الفراش لسنوات، تزوج أبناؤها الثلاثة، واستقر كل واحد بمسكنه، وتزوجت ابنتها الوحيدة خارج تراب الوطن، ولأنه كما قالت لنا: "ما يحُكلك غير ضفرك" رفضت زوجات أولادها التكفل بها، فبعد أن كانت كل واحدة تتكفل بها لمدة شهر، رفضت زوجة الابن الأصغر هذا المقترح، باعتبارها تعمل ولا وقت لها، وتحججت الزوجة الكبرى بضيق منزلها، وتحت هذه الحجج الواهية، اقترحت على أبنائها بصدر رحب الذهاب إلى دار العجزة، فكان لها ذلك، تتحدث فتقول: "يزورونني كل جمعة، ابني محمد لم يعجبه بقائي في دار العجزة، غير أن زوجته لم تتحمل وجود جثة هامدة ليلا ونهارا في المنزل.. ما عليهش راني مسامحتهم". * غير أن الحاجة رقية ذات61 عاما تتحدث عن المرض قائلة: " لولا هذا المرض الغول لما رماني أبنائي في دار العجزة، لم أكن أخال نفسي أن أضطر يوما لأستعين بزوجة ابني كي تلبسني الحفاضة تماما مثلما تفعل برضيعها، إنه أمر يشعرك بالخجل.."، وتختم فتقول: "دار العجزة سترت عاري". *
* مؤشرات وأرقام * تشير أرقام المرصد الجزائري للمرأة أن 75 بالمائة من المصابين في الجزائر بالمرض هم نساء. * تؤكد أرقام رسمية أن عدد النساء المصابات بالمرض يقدر ب262500 إمرأة مصابة. * أكثر النساء عرضة للإصابة بالمرض ما بين 35 و40 سنة. * لا يوجد بالجزائر مراكز وطنية طبية خاصة بالتكفل بالمرض. * * 8حمامات معدنية بالجزائر تتوفر على أطباء أخصائيين في مرض المفاصل.