بعد الذي حدث في تونس ويحدث في مصر والأردن وسوريا واليمن، وقد يحدث في بلاد عربية أخرى، وجدتُ أن من واجبي الاستمرار في مشاركة أبناء وطني همومهم وهواجسهم وانشغالاتهم.... * في ظل تكهنات البعض بانتقال عدوى الثورة إلى الجزائر بسبب توافر بعض الأسباب والعوامل المشتركة، وهي تكهنات لا أجزم بعدم وقوعها، ولكنها لن تكون عندنا كغيرها من الثورات، ولن تكون ثورة جياع ولا ثورة حقد وانتقام، رغم الظلم الذي وقع على الكثير منا. كما أن أبناء الجزائر خاضوا عديد الثورات وما زالوا يثورون إلى اليوم، كل واحد بطريقته.. ضد الاحتلال، ومن أجل الديمقراطية في نهاية الثمانينيات، وضد الإرهاب في التسعينيات، ونثور اليوم ضد أنفسنا وأنانيتنا ونندد بالظلم والإقصاء ولا نقبل بالذل والهوان والتسلط، ونسعى دائما إلى التغيير نحو الأفضل.. * - الثورة في الجزائر لم تتوقف حتى تبدأ، ومارسنا الاحتجاج من زمان في الجامعات والشركات والمساجد والملاعب والشوارع، وذقنا المرارة والحلاوة، وانتزعنا حقوقا وضيعنا أخرى، وثورتنا التحريرية كانت من أعظم ثورات القرن العشرين. * - ثورتنا ستستمر ضد أنفسنا وأخطائنا، وضد من يسرق عرقنا ويبيع وطننا، وستتواصل ضد الرشوة ونهب ممتلكاتنا، وضد الخوف والصمت الذي يلازم بعضنا، وضد التهميش الذي يعيشه أبناؤنا في الشمال والجنوب وفي المدن والأرياف وداخل التنظيمات والمؤسسات. * - ثورتنا ستستمر ضد الجهل والأمية والتخلف والمرض وكل الممارسات المنحرفة، ولن تكون ضد المكتسبات والممتلكات والأفراد، لأن أبناءنا عندما ثاروا مؤخرا علقوا احتجاجاتهم وتوقفوا من تلقاء أنفسهم عندما أريد لثورتهم أن تحيد عن أهدافها، وحاول البعض ركوبها والسطو عليها، وعندما يمتزج الغضب بالوعي وحب الوطن ننحني كلنا أمام الجزائر. * - ثورتنا ستكون ثورة حب للجزائر ولن تكون ثورة كره وحقد وانتقام ضد الجزائر والجزائريين، والدليل أننا البلد الوحيد في العالم العربي على الأقل الذي لا يزال يعيش بين أفراده أربعة رؤساء سابقين معززين مكرمين لا يمسهم السوء، والبلد الوحيد تقريبا الذي تصالح أبناؤه بعد سنوات الدم والدمار. * - ثورتنا ليست سياسية فحسب من أجل الديمقراطية والحرية، ولن تكون اجتماعية فقط من أجل العمل والسكن ولقمة العيش، بل هي ثورة مستمرة وتتواصل من أجل الحياة الكريمة والحفاظ على مكتسبات شعبنا وضمان مستقبله من خلال فتح أفاق جديدة لأبنائنا الذين تتزايد حاجياتهم كل يوم. * - نحن بحاجة إلى المزيد من الحريات وتحرير المبادرات، وتقبل بعضنا بعضا، وتوفير الفرص للجميع، واتخاذ العديد من الإجراءات في كل المجالات.. سنخطئ ونصيب ونتعثر وننهض، ولكن الوطن يبقى خطا أحمر لن يتعدى حدودَه الرئيسُ ولا المرؤوس، وسنبقى نعرف قدره لأننا دفعنا ثمنه غاليا. * - ثوراتنا مختلفة لن تشبه ثورات غيرنا، لأن الجزائر متميزة تختلف عن غيرها من البلدان والشعوب، ومشاكلها وتحدياتها وأفراحها وأتراحها تختلف عما لدى غيرها، وهي مدرسة ليست ككل المدارس، ليس لأننا الأحسن والأفضل، ولكن لأننا ثوار منذ زمن بعيد.. ضد الاحتلال والاستغلال و" الحقرة" والإقصاء، وسنبقى كذلك ولن يخيفنا شيء، ولن نتردد في الاعتراف بأخطائنا وتصحيحها. * عندما نقول هذا الكلام لا ندعي أن الجزائر بألف خير، وبعيدة عن الهوس الذي يحدث هنا وهناك، ولا ندعي أننا نعيش في جنة وأن الأمور تسير على أحسن ما يرام، ولكننا في الوقت نفسه لا نعتقد بأن الجزائر على فوهة بركان، لأن قدراتنا على الاستيعاب والتحمل أكبر وأكثر، مهما أخطأنا واختلفنا فيما بيننا، ومهما عانينا من ظلم بعضنا لبعض، ومهما غضبنا وقسونا على بعضنا بعضا، فالجزائر فيها الخير والشر وفيها العدل والظلم ولكن عظمتها في شبابها. * إن معيار الكرامة عندنا لا يقاس بالأكل والشرب والمسكن والملبس، وبالتالي فإن الثورة في تصور الجزائريين لن تقوم من أجل ملء البطون، ولن تكون بين الجزائريين ولا ضدهم، بل ستكون كسابقاتها ضد الاحتلال والاستغلال، وامتدادا لثوراتنا الزراعية والصناعية والثقافية، ومن أجل إبقاء شعلة الثورة الجزائرية وضاءة تقودنا إلى تصحيح أوضاعنا وتغييرها نحو الأفضل، وتأخذ بأيدينا إلى الاستقرار وليس الاندثار.. في ظل غياب معالم مشروع المجتمع الذي نريده لأبنائنا، وبوجود طبقة سياسية مغيّبة، ومجتمع مدني يستهلك الأموال ولا ينتج الأفكار والمبادرات.. مجتمع يخوض مع الخائضين، وينقلب مع المنقلبين، ولا يعرف معنى للوفاء والالتزام.. إلا من رحم الله. * إن فشل النخب عندنا في صنع البديل سيكون مشكلتنا في الامتحان المقبل، في ظل ارتفاع سقف مطالب الجماهير إلى أقصى الحدود، وغياب المعايير والمرجعيات، أو بالأحرى تغييبها هي أيضا، لأن قوى الشر سعت إلى تحطيم كل شيء جميل، حتى تبقى الغلبة لذوي السلطة والمال على حساب الكفاءات والمخلصين لجزائرنا الحبيبة. * مع احترامنا وتقديرنا لكل الثورات الشعبية في العالم، فإن الثورة عند أجدادنا وأبنائنا لم تنطفئ يوما؛ من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وضد التسيب والإهمال والمحسوبية، وفي مواجهة الجهوية والإقصاء والاحتقار.. مهما كان مصدرها، خاصة أن إمكاناتنا البشرية والمادية والطبيعية لا تكاد تجد لها مثيلا، وأن التجارب التي تخوضها بعض البلدان اليوم خضناها قبلها، وذقنا الحلو والمر من جرائها، ولن نكون بحاجة إلى دروس من غيرنا، بل سنكون بحاجة إلى الاستماع لبعضنا بعضا، واحترام بعضنا بعضا، وعدم الاستهانة بالغضب الذي أبداه شبابنا مطلع هذه السنة، خاصة وأننا تجاوزنا خطر انهيار الدولة وصرنا اليوم بحاجة إلى المزيد من الحريات والإصلاحات دون عقدة أو مركب نقص..