الرابطة الأولى: شباب بلوزداد ينهزم أمام شباب قسنطينة (0-2), مولودية الجزائر بطل شتوي    وزير الثقافة والفنون يبرز جهود الدولة في دعم الكتاب وترقية النشر في الجزائر    تنوع بيولوجي: برنامج لمكافحة الأنواع الغريبة الغازية    تلمسان: خطيب المسجد الأقصى المبارك يشيد بدور الجزائر في دعم القضية الفلسطينية    اللجنة الحكومية المشتركة الجزائرية-الروسية: التوقيع على 9 اتفاقيات ومذكرات تفاهم في عدة مجالات    رياضة: الطبعة الاولى للبطولة العربية لسباق التوجيه من 1 الى 5 فبراير بالجزائر    جمعية اللجان الاولمبية الافريقية: مصطفى براف المرشح الوحيد لخلافة نفسه على راس الهيئة الافريقية    إنشاء شبكة موضوعاتية جديدة حول الصحة والطب الدقيقين سنة 2025    رياح قوية على عدة ولايات من جنوب الوطن بداية من الجمعة    بصفته مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية, وزير الاتصال يستقبل من قبل رئيس جمهورية بوتسوانا    وزير الصحة يشرف على لقاء حول القوانين الأساسية والأنظمة التعويضية للأسلاك الخاصة بالقطاع    وزير الصحة يجتمع بالنقابة الوطنية للأطباء العامين للصحة العمومية    فلسطين... الأبارتيد وخطر التهجير من غزة والضفة    توقيف 9 عناصر دعم للجماعات الإرهابية    لصوص الكوابل في قبضة الشرطة    تعليمات جديدة لتطوير العاصمة    عندما تتحوّل الأمهات إلى مصدر للتنمّر!    رسالة من تبّون إلى رئيسة تنزانيا    فتح باب الترشح لجائزة أشبال الثقافة    التلفزيون الجزائري يُنتج مسلسلاً بالمزابية لأوّل مرّة    الشعب الفلسطيني مثبت للأركان وقائدها    بوغالي في أكرا    محرز يتصدّر قائمة اللاعبين الأفارقة الأعلى أجراً    صالون الشوكولاتة و القهوة: أربع مسابقات لحرفيي الشوكولاتة و الحلويات    شركة "نشاط الغذائي والزراعي": الاستثمار في الزراعات الإستراتيجية بأربع ولايات    تحديد تكلفة الحج لهذا العام ب 840 ألف دج    السيد عرقاب يجدد التزام الجزائر بتعزيز علاقاتها مع موريتانيا في قطاع الطاقة لتحقيق المصالح المشتركة    حوادث المرور: وفاة 7 أشخاص وإصابة 393 آخرين بجروح في المناطق الحضرية خلال أسبوع    الرئاسة الفلسطينية: الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه رغم التدمير والإبادة    تحذير أممي من مخاطر الذخائر المتفجرة في غزة والضفة الغربية    مجموعة "أ3+" بمجلس الأمن تدعو إلى وقف التصعيد بالكونغو    رئيس الجمهورية يستقبل نائب رئيس الوزراء الروسي    إبراز جهود الجزائر في تعزيز المشاركة السياسية والاقتصادية للمرأة    غرة شعبان يوم الجمعة وليلة ترقب هلال شهر رمضان يوم 29 شعبان المقبل    اتفاقية تعاون بين وكالة تسيير القرض المصغّر و"جيبلي"    لجنة لدراسة اختلالات القوانين الأساسية لمستخدمي الصحة    مدرب منتخب السودان يتحدى "الخضر" في "الكان"    السلطات العمومية تطالب بتقرير مفصل    توجّه قطاع التأمينات لإنشاء بنوك خاصة دعم صريح للاستثمار    4 مطاعم مدرسية جديدة و4 أخرى في طور الإنجاز    سكان البنايات الهشة يطالبون بالترحيل    الرقمنة رفعت مداخيل الضرائب ب51 ٪    رياض محرز ينال جائزتين في السعودية    شهادات تتقاطر حزنا على فقدان بوداود عميّر    العنف ضدّ المرأة في لوحات هدى وابري    "الداي" تطلق ألبومها الثاني بعد رمضان    وهران.. افتتاح الصالون الدولي للشوكولاتة والقهوة بمشاركة 70 عارضا    هل تكون إفريقيا هي مستقبل العالم؟    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    أدعية شهر شعبان المأثورة    حشيشي يلتقي مدير دي أن أو    صحف تندّد بسوء معاملة الجزائريين في مطارات فرنسا    المجلس الإسلامي الأعلى ينظم ندوة علمية    العاب القوى لأقل من 18 و20 سنة    الجزائر تدعو الى تحقيق مستقل في ادعاءات الكيان الصهيوني بحق الوكالة    قِطاف من بساتين الشعر العربي    عبادات مستحبة في شهر شعبان    تدشين وحدة لإنتاج أدوية السرطان بالجزائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المخابرات تعرض عليّ فتح قناة اتصال مع بومدين من لوزان
نشر في الشروق اليومي يوم 05 - 10 - 2011

آيت أحمد يتوسّط لدى السويسريين لمنحي اللجوء السياسي
الحلقة: 14
بعد نجاته من حقول الألغام ومن مطاردات رجال الدرك والشرطة والأمن العسكري، تمكن العقيد الطاهر زبيري من دخول الأراضي التونسية، وسيروي لنا العقيد في هذه الحلقة تفاصيل لقائه بوزير الداخلية التونسي الباجي قايد السبسي (وزير الحكومة الحالي)، ثم سفّره إلى سويسرا بجواز سفر مزوّر.
*
*
إلى اللقاء يا جزائر
*
عندما وطئت قدماي التراب التونسي رميت جسدي المثقل بالهموم والأوجاع على حقل من الزرع وخلدت إلى نوم عميق إلى أن طلع الصباح، فاستيقظت وحملت بندقيتي ولكني انتبهت إلى أن الحرس الوطني التونسي لو ألقى عليّ القبض مسلحا فسأقع في مشكلة أخرى، لذلك رميت سلاحي بعيدا وسط الزرع وقلت في نفسي مودعا الأرض التي أحبّ:
*
إلى اللقاء يا جزائر.
*
وجدت أنه ليس من الحكمة أن أذهب مباشرة إلى المسؤولين التونسيين لطلب اللجوء السياسي، خاصة وأنني أعلم بوجود لاجئين سياسيين تونسيين في الجزائر، أمثال شوشان وطوبال وعباس وغيرهم، وخشيت أن يعتبرني نظام بورقيبة مشروع صفقة لتبادل المعارضين السياسيين مع نظام بومدين، لذلك كنت أفضل التريث.
*
وقصدت بلدة "قلعة لسنان" التونسية أين يقيم تاجر جزائري يدعى "الطاهر دبز" عم "لخضر دبز" الذي كان في اتصال معي عندما كنت عند عمي السعيد بوخرشوفة، إذ أنني لم أكن أحمل مالا كافيا لأخذ سيارة أجرة تقلني مباشرة إلى مدينة "بن قردان" على الحدود التونسية الليبية، حتى أتمكن من دخول الأراضي الليبية لأتفادى أي نية لمقايضتي بالمعارضين التونسيين في الجزائر، واعتقدت أن الطاهر دبز الذي يملك متجرا في هذه القرية بإمكانه أن يساعدني على استئجار سيارة.
*
لم أكن أعرف بالضبط أين يقيم الطاهر دبز، لذلك سألت عنه تجار القرية واحدا واحدا إلى أن وجدت شخصا يعرفه، ولكنه نقل لي خبرا خيّب أملي، فقد أكد لي أن الطاهر باع أملاكه في تونس وعاد إلى الجزائر، صعقت للخبر ووجدت أنه لم يعد لي خيار سوى الاتصال بالسلطات التونسية، لكن قبل ذلك كان لا بد عليّ أن أتخلص من زيّ الفلاحين التنكري الذي يصعب على الآخرين التعرف عليّ، فذهبت إلى الحلاق بعدما تبقى لدي بعض الدنانير التي تكفي لحلق رأسي وذقني، وقبل أن أغادر محل الحلاق نزعت الشاش والقشابية وتركتهما عنده وقلت له:
*
سآتي بعد قليل لأخذهما.
*
توجهت مباشرة إلى المعتمد التونسي (رئيس دائرة) في قلعة لسنان التابعة لولاية الكاف البعيدة عني، وقدمت نفسي لحارس الدائرة:
*
أنا العقيد الطاهر زبيري.. أريد أن أقابل المعتمد.
*
وبسرعة ذهب الحرس لإبلاغ المعتمد بهذا النبأ غير المتوقع، ولم يتأخر المعتمد حتى جاءني، واستقبلني باحترام، وأوضحت له بشكل واضح ومختصر، أنني "جئت لأطلب اللجوء السياسي من الحكومة التونسية"، فأبلغ المعتمد والي الكاف الذي طلب منه أن يأتوا بي إليه حالا.
*
وجاء الحرس الوطني التونسي بسياراتهم وأخذوني معهم إلى مدينة الكاف لمقابلة الوالي الذي أخبر بدوره وزير الداخلية "باجي قايد السبسي" بالأمر، ولم أعد إلى الحلاق لأخذ قشابيتي ولحافي (الشاش)، بل واصلت طريقي إلى مدينة الكاف، ومنها إلى العاصمة تونس بعد أن أمر وزير الداخلية التونسي بإحضاري إليه لمقابلتي.
*
في طريقنا إلى العاصمة تونس طلبت من الحرس الوطني أن يتوقف بي في أقرب مدينة قبل الدخول إلى العاصمة، لأني كنت أرغب في شراء ملابس مناسبة لمقابلة وزير الداخلية، خاصة وأن الملابس التي أرتديها كانت رثة، فتوقفنا في مدينة "مزاز الباب" التي تبعد بنحو 30 كيلومترا عن مدينة الكاف، واشتريت بذلة جديدة ولو أنها رخيصة الثمن وقميصا وحذاء، وعندما أردت أن أدفع ثمنها أصرّ الحرس الوطني التونسي على أن يدفعوا ثمنها من مالهم الخاص كرماً منهم.
*
أكملنا الطريق إلى وزارة الداخلية ولما وصلنا وجدت المدير العام للأمن الوطني التونسي ويسمى "الطاهر بلخوجة" في استقبالي، ثم قابلت وزير الداخلية باجي قايد السبسي (عيّن رئيسا للحكومة التونسية المؤقتة في فيفري 2011) وتبادلنا أطراف الحديث عن قضيتي مع بومدين وكيف قذفت بي الأقدار إلى تونس، وكنت حريصا في كلامي على أن أتفادى أيّ كلام عن الدكتاتورية حتى لا يحمل كلامي على أن فيه إشارة إلى الرئيس بورقيبة الذي كان زعيما تونسيا له سطوته في البلاد، وقلت له:
*
أطحنا بالرئيس بن بله من أجل مبادئ معينة لكن بومدين وقع في نفس أخطاء بن بله فلم نتفق معه...
*
فسألني باجي قايد السبسي:
*
هل مازال هناك أفراد من جماعتك في الجبال ولم يدخلوا الأراضي التونسية؟
*
مازال هناك نحو أربعين نفرا في الجبال، من الممكن أن يأتوا إلى هنا وربما يغادرون إلى مكان آخر، ومنهم واحد اسمه محمد شبيلة أرجو أن تسمحوا له باللحاق بي إلى هنا... وأنا جئت لأطلب اللجوء السياسي من الحكومة التونسية ولن أمارس أي نشاط سياسي على التراب التونسي.
*
هل تريد أن نبلغ الرأي العام بأنك موجود على التراب التونسي
*
هذا الأمر يعود لتقديركم.
*
سأذهب لأبلغ المجاهد الأكبر (يقصد بورقيبة)، ثم أعود لك بالجواب.
*
هيّأت لي الحكومة التونسية منزلا في مزرعة خارج العاصمة تونس، وأصدرت بيانا أكدت فيه أن "العقيد الطاهر زبيري موجود على التراب التونسي وتعهّد بأن لا يقوم بأيّ نشاط سياسي فوق كامل تراب الجمهورية التونسية"، وكانت الإذاعة التونسية أول من أذاع الخبر ثم تلاها التلفزيون التونسي، ونشرته في الغد الصحف التونسية.
*
بومدين يحتج على بورقيبة
*
عبد المالك بن حبيلس، سفير الجزائر بتونس، كان أحد أصدقائي، لكن منصبه الدبلوماسي كان يلزمه بتنفيذ أوامر وزارة الخارجية التي طلبت منه تبليغ الرئيس التونسي احتجاج السلطات الجزائرية الرسمي على قبولهم لجوئي السياسي لديهم، وفعلا بعد يوم واحد من إذاعة البيان على الإذاعة التونسية، توجه عبد المالك بن حبيلس إلى قصر الرئاسة وقابل الرئيس لحبيب بورقيبة وأبلغه احتجاجا شديد اللهجة للحكومة الجزائرية بعد قبول تونس لجوئي السياسي عندهم، معتبرة ذلك لا يساعد على حسن الجوار ولا على توطيد العلاقات بين البلدين الشقيقين والجارين.
*
ردّ الرئيس التونسي لحبيب بورقيبة كان غاية في البساطة والواقعية وفيه شيء من الطرافة السياسية حيث قال:
*
مسؤولو الثورة الجزائرية كلهم مرّوا من تونس ولو لم يأتِ الطاهر زبيري لجاء بومدين.
*
وكان يقصد أنه لو نجحت في تنحية بومدين لكان على استعداد لقبول لجوئه السياسي في تونس مثلما يفعل الآن معي.
*
شبيلة يلتحق بي
*
بعد يومين أو ثلاثة التحق بي محمد شبيلة، وساعده السعيد 86 في الوصول إلى تونس وتجاوز به كل العقبات، حيث أخذه في سيارة وأوصله إلى الحدود، وتولّى الحرس الوطني التونسي إيصاله إلى مكان إقامتي بضواحي تونس.
*
وأقمنا لقرابة شهر في ذلك المنزل في ضواحي العاصمة، ووضعت السلطات التونسية حولنا حراسة مشددة خشية أن يرسل بومدين كومندوسا لاغتيالنا، ولم نكن نتصل بأي شخص في تلك الفترة.
*
وقد أعطانا وزير الداخلية باجي قايد السبسي 5 ملايين دينار تونسي لتغطية مصاريفنا اليومية، حيث كانوا يخرجوننا أحيانا للتنزّه، وكنا نذهب معهم إلى المطاعم للغداء أو العشاء، كما أخذونا إلى فندق في الشارع الرئيسي للعاصمة التونسية، حيث كنت أقيم رفقة شبيلة في غرفة واحدة وفي الغرفة الثانية يقيم ثلاثة أفراد من الشرطة المكلفين بحماية أمننا الشخصي.
*
سويسرا.. السفر نحو المجهول
*
ورغم أننا تخلّصنا شيئا فشيئا من الإرهاق والتعب والمرض، إلا أننا كنا ننظر بأن قضيتنا لم تنته، مادام هناك عدد من رجالنا وإخواننا في السجون مهددين في أي لحظة بالإعدام، لكني في تونس كنت شبه مقيد خاصة وأنني التزمت بعدم القيام بأي نشاط سياسي على التراب التونسي.
*
قررت مغادرة تونس إلى فضاء آخر، وطلبت من السلطات التونسية السماح لي بالسفر إلى مدينة جنيف السويسرية، فلم تعترض، وسافرت بجواز سفر مزوّر كنت قد طلبت من رئيس دائرة تبسة ويدعى عبد الجليل في تلك الأيام الصعبة إعداده لي لاستعماله في وقت الحاجة، وكان اسمي المستعار هو "الطاهر بن علي"، ورغم أني كنت أحمل جواز سفر دبلوماسي لكني لم أستعمله.
*
وبدل أن أسافر إلى مدينة جنيف غيّرت وجهتي إلى مدينة زيوريخ السويسرية، لما علمت أن الطائرة التي ستقلني إلى جنيف ستواصل بعد ذلك طريقها إلى مطار زيوريخ في شمال سويسرا، فقد كنت أخشى أن تكون المخابرات الجزائرية في انتظارنا في جنيف وتكتشف أيضا رئيس الدائرة الذي أصدر لنا جواز السفر المزوّر، فذهبت إلى قائد الطائرة وقلت له إننا اشترينا تذكرة إلى جنيف ولكننا نريد الذهاب إلى زيوريخ، فقال لنا: لا بأس، فقط عندما نصل إلى جنيف فلا تنزلوا لأننا سنكمل طريقنا إلى زيوريخ.
*
وفور مغادرتي أراضيها عبر الطائرة أصدرت السلطات التونسية بيانا أعلنت فيه "مغادرة الطاهر زبيري أرضي الجمهورية التونسية في اتجاه مجهول قد يكون سويسرا".
*
نزلنا في مطار زيوريخ وأحسسنا لحظتها بأننا أحرار، فسويسرا كانت دوما في نظرنا أرض الحرية، وبعد استكمال بقية الإجراءات في المطار ركبنا سيارة أجرة أخذتنا إلى فندق صغير في المدينة تغذينا فيه وارتحنا به أياما وليالي، وكنا عادة ما نغير مكان إقامتنا من فندق إلى آخر، وعادة ما نختار الفنادق الصغيرة في القرى الجبلية البعيدة عن المدن الكبرى أين يكثر السياح الذي يهوون ممارسة رياضة التزلج على الثلج، ورغم أن الأمن السويسري كان في طلبنا بعد أن دلّهم علينا البيان الذي أصدرته السلطات التونسية، إلا أنهم لم يعثروا علينا لأننا كنا ننزل في الفنادق السويسرية بهوية مستعارة.
*
لقاء آيت أحمد بلوزان
*
كان لنا صديق عزيز يسمى عبد المجيد بن غزال وكان إلى جانبنا في حركة 14 ديسمبر 1967، ولكنه تمكن من الهرب من العاصمة إلى قسنطينة عبر القطار ومنها إلى تونس فسويسرا، واستقر هناك بسهولة لأنه كان متزوجا بامرأة سويسرية وأنجب أطفالا منها، إذ سبق له أن درس وعمل بها، لذلك كان يعرف جيدا هذا البلد الأوروبي ولم يمكث طويلا حتى وجد عملا بها كطبيب.
*
وكنا نسعى للاتصال به لمساعدتنا في الحصول على اللجوء السياسي، خاصة وأننا كنا نعتقد أن مساحة الحريات في سويسرا أكبر من أي بلد آخر، وأننا لن نواجه مشاكل في هذا الشأن، فذهبنا إلى مستشفى "إيغل" بمدينة "مونترو" السويسرية أين يعمل عبد المجيد بن غزال، والتقينا به هناك وبعد أن تبادلنا التحية خرجنا من المستشفى وجلسنا بأحد المقاهي القريبة.
*
أخبرني الدكتور بن غزال أن حسين آيت أحمد يريد مقابلتي، وذكرني بأنه سبق وأن أرسل إليّ بمبعوث له إلى تونس ويدعى عبد الحفيظ ياحا، أحد مناضلي جبهة القوى الاشتراكية، ولم أمانع على لقائه، فقد كان آيت أحمد يحظى باللجوء السياسي في سويسرا بعد هروبه من السجن لأن قضيته مدنية وليست معقدة وحساسة كما هو الأمر بالنسبة لي.
*
رتب الدكتور عبد المجيد بن غزال لقائي بآيت أحمد بأحد المطاعم في مدينة لوزان أين التقينا وتحدثنا مليا عن الوضع الداخلي للجزائر، وكان آيت أحمد جد مستاء من سياسة بومدين التي وصفها بالديكتاتورية وأنه أصبح متحكما في الجيش وبزمام السلطة أكثر من أي وقت مضى.
*
وسألت آيت أحمد، كيف يمكنني أن أسوّي وضعيتي في سويسرا، فشجعني على الاتصال بالسلطات السويسرية وطلب اللجوء السياسي وقال لي:
*
يجب أن تبلغهم فلست أي شخص كان.
*
إذن أخبرهم أنت، لأني أغير اسمي حتى لا تطلع المخابرات الجزائرية على هويتي الحقيقية.
*
وأخبر آيت أحمد السلطات الأمنية في سويسرا بوجودي على أراضيها ورغبتي في الحصول على اللجوء السياسي، فجاءت الشرطة السويسرية تفتش عني فلم تجدني، لأني كنت أتنقل كثيرا وأحاول أن لا أترك أي أثر يمكن المخابرات الجزائرية من الوصول إلي.
*
المخابرات الجزائرية تتمكن من الوصول إليّ
*
وكانت المخابرات الجزائرية تتعقّبني فعلا في الخارج، وأرسلوا إلى سويسرا من يراقب تحرّكاتي، فقد كان رجال المخابرات من الضباط الصغار يرون أن بومدين لم يسيطر فقط على الحكم، بل هو الثورة وهو الجزائر وهو التاريخ وكل شيء، وكان حينها رشيد آيت مصباح مسؤولا للمخابرات الجزائرية في سويسرا، وكان بشكل أو بآخر مشرفا على تعقبي.
*
وحتى يتمكنوا من الوصول إليّ بسهولة قاموا بغرس ضابط في المخابرات يدعى حمودي بوزيدي كان يعمل معنا في الجيش تحت مسؤولية رئيس الأمن العسكري قاصدي مرباح، وجاءني مرة إلى قيادة الأركان من أجل تحويله إلى الجمارك، وتدخلت شخصيا من أجل تلبية رغبته وكان له ما أراد، وبعد وقوع أزمتي مع بومدين، كان إلى جانبي ضمن فيلق النقيب قارة وألقي عليه القبض وعندما مرض نقل إلى المستشفى لكنه تمكن من الفرار، واتصل بالدكتور عبد المجيد بن غزال لأنه كان متأكدا بأنه على علاقة وطيدة بي، وهو الخيط الذي يمكن للمخابرات الجزائرية أن يوصلها إليّ في سويسرا بعد أن أرسلوه في البداية إلى ليبيا.
*
واستطاع حمودي بوزيدي أن يقنع عبد المجيد بن غزال بأنه من أشد المخلصين لي، وطلب منه أن يرتب له لقاء معي، واتصل بي الدكتور عبد المجيد وحدثني عن حمودي ورغم أني لم أكن أثق في روايته، إذ ليس من السهل الهروب من المستشفى في حالة مثل حالته، ومع ذلك وافقت على لقائه في مقهى بلوزان وأخبرني أمورا خطيرة تكشف علاقته المتينة بالمخابرات الجزائرية:
*
الجيش منقسم، وبومدين يريد أن يتصالح معك، وقد أرسل الرائد أحمد عبد الغني (قائد ناحية عسكرية) للاتصال بك وهو الآن في فرنسا وعلى اتصال مع آيت مصباح بسويسرا وهذا الأخير يرغب في رؤيتك.
*
لم أكن أثق في رجال المخابرات وأعرف جيّدا أساليبهم في المناورة، لذلك رفضت أي اتصال مباشر بآيت مصباح الذي لجأ إلى هذه الحيلة لجس النبض والتعرف على ما يدور في رأسي، وفيما أفكر، وماذا أنوي أن أفعل، أما الرائد عبد الغني فلم تكن تربطني به علاقة متينة رغم أنه كان يحترمني، ومع ذلك لم أكن مطمئنا للقائه، فقلت لحمودي:
*
أمر بسيط، إذا كان بومدين يرغب فعلا في التصالح معي فليبعث بالرائدين يحياوي وبن سالم لأتحدث معهما، فأنا لا أثق إلا في هذين الرجلين، ولا مانع لدي إذا أراد أن يرسل معهما الرائد زرقيني إن أراد ذلك.
*
وحتى أتأكد من نواياهم قلت لحمودي:
*
سيذهب محمد شبيلة ليرى آيت مصباح.
*
ولما أرادنا أن نفترق، طلب مني حمودي أن يرافقنا فقلت له بشكل حازم:
*
لا، نحن اثنين ونواجه صعوبات في التكفل بأنفسنا.
*
كنت أريد أن أبعده عنا، لأنني شككت في أمره، وتأكدت بعدها أنه ليس سوى ضابط يتلقى أوامره من المخابرات الجزائرية، حيث وصلتني معلومات مؤكدة من مصادر أثق فيها تشدد على ضرورة أخذي كامل الحذر من حمودي لأنه مبعوث الأمن العسكري.
*
التقى شبيلة مع آيت مصباح وتبادلا النقاش، ولما عاد أكد لي أن آيت مصباح ليس جادا في فتح قناة اتصال معنا بقدر ما يسعى لأخذ معلومات حول مطالبنا والأشخاص الذين نحن في اتصال معهم، وعلاقتنا بالمعارضة وماذا نفعل وماذا نخطط، وكل ما كان يهمه هو إرسال تقرير مفصل عن تحركاتنا لقاصدي مرباح، لكن محمد شبيلة كان من الذكاء والثقافة بحيث لا يخشى جانبه، فقد كان أكثر من صديق...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.