أي إنسان فيه أدنى شعور بالآدمية لمّا يشاهد تلك الصور القذرة التي تناقلتها وتداولتها فضائيات العالم بلا أدنى احترام للمهنية ولا الأخلاق، عن نهاية العقيد الليبي معمر القذافي، سيصاب بهستيريا من الغضب الجامح على هؤلاء الذين زعموا من أنهم ثاروا لأجل الحرية والكرامة والعدالة والقانون والانسانية والاسلام. * أن ترى أسيرا وهو بين يدي أشخاص يتصرفون بغوغائية وهمجية ووحشية وبربرية، حيث يشتمونه، يضربونه، يسحلونه، يعذّبونه، ويدخلون حتى السكاكين في مؤخرته وبطريقة مخلة بالحياء وبهيمية تعافها الدواب، والغريب العجيب أن ذلك يحدث تحت رفع التكبيرات وقراءة الآيات والأدعية، ليسوّقوا للعالم مشاهدا تسيء للإسلام أولا وقبل كل شيء. * * أن ترى جريحا وهو يتمايل من ألم جراحه الغائرة، فبدل أن يسعف ويعالج لأن لكل إنسان الحق في الحياة ولو كان من عتاة المجرمين، يعدم بدم بارد ومن دون أدنى إعتبار للقيم الأخلاقية التي في أدنى صورها لا تسمح بذلك مطلقا. * * أن تشاهد عجوزا في السبعين من عمره كان لمدة 42 عاما رمزا للدولة الليبية في الداخل والخارج، فالأجداد والآباء هللوا له وسبّحوا به ورفعوه إلى درجة كبيرة من القداسة، سواء كان على حق أو على باطل، يأتي مجموعة من المراهقين ويرفسونه بأقدامهم ويهينونه بلا أدنى اعتبار لسنّه بالرغم من أنه ذكّرهم بأبوّته لهم! * * والأغرب أن ترمى الجثث في مسلخ ليتواصل التمثيل بها، ويتوافد الناس عليها من أجل الصور التذكارية، فهذا يجلس عند رأسه يخطب عليه ويتفنّن في السجع وكل صنوف البلاغة، وآخر يسحبه من شعره ليرفع رأسه حتى تطلع الصورة ممتازة! بل يصل الأمر بآخرين إلى أن يتألّهوا على الله تعالى ويدخلونه الجحيم ويروون مشاهدا من وحي خيالهم عن الحساب العسير الذي يتعرض له عند ربه... إنها قمة الانتقامية الممقوتة والممجوجة. * * أليس إكرام الميت دفنه، أليس من شيم العرب والمسلمين أن يستروا عورات الأحياء فضلا عن الموتى، أليس من أخلاق البشر أن لا يعبثوا بجثة ميت ولو كان من ألدّ الخصوم. ألا تنعق فوق الجثث إلا الغربان في حين تجد الأسود تعاف الجثث المتعفنة. * * إنه لقرف شديد عندما ترى زعماء ما يسمّى "المجلس الانتقالي الليبي" وهم يشيدون بالقتلة ولا يتجرّأ أحد منهم على اتخاذ قرار شريف يذكره التاريخ الناصع بعدما لوّثوه بسبق الإصرار والترصّد، ولا يقدم على منع مراهقين من العبث بالكرامة الآدمية. بل هذا يقول أنه من حقهم قتله لأنه لا يمكن أن ينسوا سنوات الذلّ والهوان، وذاك يعذر شبان ثورته على مشاعرهم الرقيقة!! في حين يدّعي من جهة أخرى أنه سيبني دول العدالة ويرسي دعائم القانون الدولي. وآخر يتبجح أنه لا يهمّ الكيفية التي اغتيل بها القذافي بقدر ما يهمّ رحيله ثم الاحتفال بما يسمونه "تحرير" ليبيا من عائلة القذافي التي تنحدر من سرت ومن قبيلة القذاذفة العريقة، في حين يرون حلف الناتو الغازي ذلك الصديق المكرم الذي يجب إكرامه من آبار النفط ومشاريع إعادة الإعمار. * * لقد اغتيل معمّر القذّافي وهو بريء لم تثبت إدانته لأنه لم تتمّ محاكمته ولم يمكّن من حق الدفاع عن نفسه ولا وقف محاميه يرافع لصالحه، هذا منطق القانون الدولي الذي صدعنا بها هؤلاء سواء في أيام تيههم بالدول الأوروبية أو حتى عند هروبهم من خيمة سيدهم نحو بوارج السادة الجدد بحثا عن محل إعراب في العهد القادم. كما تمت تصفية نجله المعتصم وعلى الطريقة البدائية والوحشية نفسها، وسيفعلون الأكثر مع ما تبقى منهم لو يتمكنوا من القبض عليهم. كم كان هؤلاء في قمّة الغباء عندما مسحوا طغيان القذّافي في لحظة شذوذ ثوري ولم ينجحوا قانونيا في إدانته بأي شيء؟!! * * المجلس الانتقالي الذي رصد من قبل مكافأة مالية لقتل القذافي، بناء على فتوى القرضاوي الذي وجب أن يقاد للمحاكمة الدولية بتهمة التحريض على قتل إنسان خارج أطر القضاء. كنت أعتقد أن هذا المجلس سيدين ويشجب عملية التصفية الجسدية ويتدخل من أجل دفن القتلى وفتح تحقيق دولي لمعرفة ملابسات الجريمة، وخاصة أنه في كل يوم يطلع علينا أحد بشحمه ولحمه وهويته ويداعب مشاعر "الثوار" الإجرامية برواياته البوليسية في تصفية العقيد القذافي. بل آخرون نراهم يكذبون على المباشر فيما يتعلق بالمعتصم وبعدها تخرج الصور والفيديوهات لتكشف البهتان الذي جاء به هؤلاء، فبدل أن يكذبوا على العالم عليهم أن يتعلموا قواعد إرساء دولة الصدق والمصداقية، دولة الحق والعدل، دولة الهيبة والمهابة، دولة الإنسان والإنسانية... * * حتى فرنسا وبريطانيا وأمريكا وإيطاليا وكل الدول الغربية التي هبّت لتحمي المدنيين من وحشية القذافي وطالما رأت نفسها قبلة لحقوق الإنسان، لم تبادر بأدنى موقف سواء مع اغتيال القذافي أو حتى قنبلة المدنيين من قبل الناتو والذين هم بالآلاف علّقوا زورا في عنق غيرهم. وكل ما حدث يتنافى مع القوانين والمواثيق الدولية التي صنعها هؤلاء وحاسبوا الناس عليها، بل المصيبة لو يثبت لاحقا بالدليل أنهم هم من استهدفوا موكبه ثم قبضوا عليه بواسطة عناصرهم الاستخباراتية الموجودة على الأرض والتي صارت الآن تقتفي آثار سيف الإسلام القذّافي، وطبعا لم يقدّموه لمحكمة العدل الدولية التي تطلبه رسميا بمذكّرة بحث ولا حاكموه في ليبيا، بل سلموه لمجموعة أقل ما توصف به أنها إرهابية مكونة من قطّاع الطرق ولصوص، حتى تقتله وتنكّل به لتدفن معه أسرار 42 عاما من الحكم الذي بالتأكيد سيفضح أنظمة ودولا وأجهزة وحتى حكام ليبيا الجدد. * * لقد قالوا إن القذافي مجرم قتل أبناء الشعب الليبي وهم أيضا قاتلون ومجرمون، فقد أبادوا المدن وسحلوا المدنيين وبالتواطؤ مع الناتو. قالوا إن القذافي لم يبني مؤسسات دولة وهم الآن أكثر همجية وغوغائية من الزمن المنهار. قالوا إن القذافي دمّر ليبيا وعمرانها وهم ما تركوا شيئا من بناها التحتية بل حولوا المدن إلى خراب. قالوا إن القذافي لا يحترم حق البشر في السجون وهم تجاوزوا كل الخطوط الحمراء وعلى الهواء مباشرة. قالوا إن القذافي كان يصدر الأوامر بتصفية أبناء الشعب في حين هم اقترفوا جرائم الحرب بأيديهم وعبر قرارات وأوامر من الخارج. زعموا أن القذافي عميل للأجانب يموّنهم بالنفط والمال على حساب الشعب الليبي الفقير، في حين هم جاءوا بحلف الناتو ليقصف المدن ويدمر بيوت الآمنين وعلى حساب ثرواتهم... * * فضح الله مستور "الثورة الليبية" وكشف عورة ثوار الناتو من خلال نهاية القذافي ونجله ووزير دفاعه ومرافقيهم، وبلا شك أن العقيد كان ديكتاتورا ومجرما ومتسلطا، ولكنهم أكثر منه بكثير، والدليل سيأتي لاحقا في صور وثقها ساكتون سيتكلمون في الوقت المناسب وسيكشفون ما يندى له الجبين من جرائم ارتكبها قتلة وغوغائيون ومجرمون وإرهابيون وانتقاميون، سواء في طرابلس أو سيرت أو بني وليد أو غيرها. هؤلاء الذين يحتفلون بتحرير ليبيا من أبناء ليبيا مقابل صفقات لباريس ولندن وواشنطن وروما، ليسوا دعاة خير للشعب الليبي بل هم قذافيون أكثر من القذافي، ولا عجب في ذلك ما دام هذا كان وزير عدل القذافي وآخر رئيس نقابة محامي القذافي وذاك وزير خارجية القذافي، وبينهم سفراء ومخابرات وعقداء وجنرالات القذافي بل حتى تكفيري وإرهابي عفا عنه وأخرجه من السجن عله يصير صالحا تحوّل لرمز العهد الجديد...