كانت يداي ترتجفان وهما تمتدان لحمل شيئين لم يكونا يفارقان نجل العقيد معمر القذافي المعتصم، رئيس الأمن القومي للجماهيرية الليبية، خلال الأيام الأخيرة من حياته في حصار الحي الثاني بمدينة سرت من طرف مقاتلي المجلس الانتقالي. * شعرت وأنا أحمل ساعة المعتصم القذافي وسبحته، أن الحظ قد حباني بما لم يضفر به غيري من صحفيي وسائل الإعلام العالمية الذين قاموا بتغطية معركة سرت. * فكرة الحصول على الأشياء الخاصة للعقيد معمر القذافي أو نجله، راودتني منذ أن حملت المسدس الذهبي للعقيد الذي صادره ثوار كتيبة "الغيران" القادمة من مدينة مصراتة، وسعيت أن أحصل على عمامة العقيد معمر القذافي لاعتقادي أنه ليس كل يوم تتاح لي الفرصة في الإطلاع على الأشياء الخاصة لرجل حكم ليبيا لمدة 42 سنة وقتل بطريقة مسيئة للبشرية جمعاء. * كانت كل الأنظار متجهة إلى العقيد معمر القذافي بعد الإعلان عن توقيفه، وفي خضم هذه الأحداث نسي الكثير من المتتبعين للشأن الليبي تتبع أخبار نجله المعتصم القذافي، الذي شغل أهم منصب أمني وهو رئيس الأمن القومي وقائد العمليات العسكرية الميدانية بنفسه في كل مدينة "سرت". * * المعتصم دوّخ الثوار في سرت * أغلب من تحدثت إليهم من أمراء الكتائب والقادة الميدانيين للثوار بمدينتي "مصراتة" و"سرت"، أكدوا أن اكتشاف تواجد المعتصم رئيس الأمن القومي للعقيد القذافي ونجله، كان عن طريق مخابرة أجراها المعتصم على أجهزة اللاسلكي المحمولة مع بعض أفراد كتائبه الأمنية والموالينله بين حي الدولار والحي الثاني، هذان الأخيران الذين اشتدت فيهما المعارك الضارية لدرجة لا تتصور، أمرهم فيها بالثبات وعدم الانسحاب والتخلي عن موقعي مجمع واڤادوڤو وقصور الضيافة الرئاسية. * كما أن القتال الشرس في الحيين المذكورين عزز لدى أفراد غرفة العمليات المتواجدة في الخطوط الخلفية بحي 700 مسكن، أن قائد كبيرا في النظام يتواجد بين أنصار القذافي، إلا أنهم لم يفكروا في أي أحد من عائلة القذافي بسبب التقارير والتصريحات التي كانت تتناقلها القنوات الفضائية لمسؤولين في المجلس الانتقالي معلومات عن تواجد أفراد عائلة القذافي تارة في عمق الصحراء وتارة على الحدود الجزائرية وتارة أخرى في النيجر ودول أخرى. * لكن شخصا مهما في غرفة العمليات تحفظ عن ذكر اسمه لما قد يسببه ذلك من خطر على حياته، أسر لي أن عناصر أجنبية أوربية من المخابرات الفرنسية والبريطانية كانت تعمل باستمرار معنا ومع القائد العسكري لمدينة مصراتة "سالم جحا" لتسهيل عمل الثوار وأفراد من قناصتهم للدخول إلى منطقة الحيين السكنيين الدولار والحي رقم اثنين، إضافة إلى هذا تم تزويدنا بآلات وأجهزة متطورة في الاتصال، كما أنهم هم من أجرى تحليلا للبصمة الصوتية للمكالمة التي تم رصدها في منطقة حي الدولار والحي الثاني، وأكدوا بعدها أن المحادثة تخص مستشار الأمن القومي للجماهيرية الليبية المعتصم نجل العقيد معمر القذافي. * * المعتصم قاتل على سيارة السلاح الثقيل .. وتحدى نيران الثوار * هذه هي العبارات التي التقطتها كاميرا "الشروق"، لأحد الحراس الشخصيين للعقيد معمر القذافي، الموقوف مع مجموعة من أفراد الكتائب الأمنية مساء يوم الخميس، خلال تمشيط المنطقة من طرف ثوار المجلس الانتقالي ومقالتي كتائب مصراتة، مؤكدا خلال التحقيق الذي أجراه الثوار معه أن نجل القذافي المعتصم رئيس الأمن القومي كان هادئا جدا ومتزنا في تصرفاته خلال تواجده طيلة الشهرين اللذين تليا سقوط العاصمة طرابلس في يد ثوار المجلس الانتقالي، كما كان يشجع المقاتلين معه من أفراد كتائبه الأمنية والمتطوعين من اللجان الشعبية والأجانب ويرفع لهم معنوياتهم، مؤكدا لهم أن دعما عسكريا سيصلهم من مدينة بن وليد، وهو ما فهمه أغلب مقاتلي القذافي من أن سيف الإسلام سيأتي إليهم بالدعم، وهو ما صدقوه لأنهم كانوا معزولين عن العالم الخارجي تماما. * إضافة إلى هذا، تمثلت شجاعة المعتصم في قيادته للعمليات العسكرية بنفسه دفاعا عن والده العقيد معمر القذاقي في الحي الثاني، حيث كان يخرج في مواجهات مباشرة بمختلف نقاط الحي الثاني المحاصر من الثوار، ويقوم بالتصدي لمحاولة توغل مقاتلي المجلس الانتقالي بإطلاق نار كثيف من على متن سيارة السلاح الثقيل التي تحمل طلقات نارية من عيار 14.5، التي لم يفارقها مصحف القرآن الكريم إطلاقا خلال عمليات القتال أو هكذا يزعم الذين تحدثنا إليهم. * كما تمثلت شجاعة المعتصم في إصراره على القتال المباشر مع الثوار قبل القبض عليه على الطريق الساحلي رفقة عدد لم يتجاوز الأربعة من حرسه الشخصي، في الوقت الذي كان فيه والده العقيد معمر القذافي يسبح في دمائه خلال عملية القبض عليه عند منتصف النهار من يوم الخميس، الموافق لعشرين من شهر أكتوبر، خاصة بعد علم المعتصم بخبر القبض عليه ومقتله على يد الثوار عبر جهاز اللاسلكي الذي لم يفارقه أبدا حتى لحظة إلقاء القبض عليه. * ويصف مسؤول عسكري للشروق، كان في مدينة سرت، عندما نقل المعتصم لأحد المنازل في ذات المدينة في حدود الساعة الثالثة بعد الظهر من يوم الخميس 20 أكتوبر، من أجل التحفظ عليه وتسليمه للمجلس الانتقالي، أن المعتصم "كان هادئا جدا رغم تدخل الكثير من الثوار وقياداتهم إلى الغرفة التي كان محجوزا فيها، كما أنه لم يرد الحديث مع مسؤولي المجلس العسكري لمصراتة على غرار سالم جحا الذي كان ينسق مع قوات الناتو لتحديد المناطق التي يتطلب قصفها بطائرات الحلف الأطلسي، واصف إيانا بالخونة الذين بعنا بلادنا للصليبيين" ويضيف "كنت متأكدا أن الرجل يئس من الحياة وهو ينتظر الموت في أي لحظة". * * * * هكذا تحصلت الشروق على ساعة المعتصم وسبحته * كما ذكرت سابقا كانت فكرة الحصول على الأشياء الخاصة للعقيد معمر القذافي تسكنني، نظرا لقيمتها التاريخية التي لا تقدر بثمن، فقررت بعدها المباشرة في مفاوضات عبر وسطاء مع أفراد الكتيبة التي قبضت على العقيد معمر القذافي ونجاه المعتصم، أما الأولى من كتيبة الغيران والنمر فقد امتنع أميرا الكتيبتين العروض التي قدمتها لهما. * أما بخصوص الأشياء الخاصة التي استحوذ عليها الثوار من نجل القذافي المعتصم، فقد أبدى من يحوز عليها نوعا ما من المرونة، وهو ما شجعني على المضي قدما في المفاوضات مع المعنيين للتحصل عليها، وهو ما تم لي بعد جهود مضنية ووساطات متعددة. وأتحفظ على ذكر التفاصيل حرصا على حياة الذين ساعدونا في تحصيل هذه المقتنيات الثمينة. * كانت يداي ترتعشان وهما تمتدان لساعة يد سويسرية أهداها العقيد معمر القذافي لابنه المعتصم بدليل أن عليها صورة مصغرة للوالد الزعيم، وهي ساعة خفيف وزنها وصغير حجمها وواضح ثمنها الغالي، أما السبحة فهي رقيقة ورشيقة ومضيئة تحتوي على 50 عقدة. كنت أعتقد جازما أن التاريخ لا يعطي الفرصة كل يوم للحصول على ممتلكات الرؤساء أو حتى لبسها، فبعد أن كانت أشياؤهم الخاصة لا ترى ولا تنظر إلا بالعين، أضحت اليوم أرتديها في يدي وأحمل سبحته التي لم تفارقه حتى خلال أسره لدى الثوار، وقد حافظت عليهما إلى غاية الوصول إلى أرض الوطن.