إن الابتسامة الصافية الحقيقية لا تعرف سبيلها إلى شفاه الأم الفلسطينية التي تطوي تلابيب قلبها على أحزانها المستديمة، فهذه واحدة غادرها ابنها منذ عشرات السنين وأخيرا ينعي لها الناعي نبأ موته في بلاد الغربة، وهذه خرج ولدها في كامل شبابه وعاد إليها ممزقا، وقد فعلت به صواريخ العدو فعلها، وقد تصيب الشظية رضيعها وهو في حضنها، وهذه أخرى تدور على عدة سجون يضم كل منها أحد أبنائها، تعد الأيام والسنين ساعة ساعة في انتظار تحرره من المعتقل.. هذه الأم الفلسطينية اليوم، تشهد فصلا جديدا من المأساة، إنه العيش على عناوين التمزيق الأكثر بشاعة. أول العناوين: التهدئة بمعنى أن يتوقف الفلسطينيون عن المقاومة لتتوقف إسرائيل عن العدوان وهنا تحتشد المعاني، تضج بالزيف والتلفيق الذي يتقدم به البعض من أولئك الذين يبحثون عن أدوار لهم على جراحات الشعب الفلسطيني.. وكأن هناك حربا بين الفلسطينيين والصهاينة.. وكأن هناك جيشين يتقاتلان على جبهة متكافئة!! إنها عملية مكافأة للعدوان الإسرائيلي على الشعب الأعزل، فتلوي الأم الفلسطينية على وجعها وغصة تكاد تفتت الأكباد.. وثاني العناوين: الترحيل: فلقد قررت قيادة إسرائيل ترحيل أهل مناطق بكاملها إذا تم اكتشاف أن هناك مجموعة من المقاومين يحتمون بها.. كما قرر الجدار الفاصل ترحيل مئات العائلات أو الفصل بينها بتعسف وإجرام والترحيل أصبح يطارد الآن أهل المثلث وأهل القدس وأهل جباليا وغيرها.. وثالث العناوين الاستيطان: ففي ظل التهدئة وترحيل العائلات الفلسطينية وطرد سكان أحياء كاملة يصار إلى الاستيطان بشرهة غير مفهومة وكأن هناك محاولة سريعة لتغيير معالم كل شيء في فلسطين.. أجل أن المجموع الفلسطيني اليوم، يواجه عملية منظمة متسارعة لإنهائه أو على الأقل إنهاء هويته الوطنية ليتم التفرغ لمهمات شيطانية أخرى في المنطقة.. وبمقدار نزف الجروح من دماء، فإن هناك مشاعر تنزف ألما وقهرا في داخل فلسطين وحيث وجود مخيمات الشتات في لبنان وسورية..الخطة القادمة تقضي بإقصاء الشعب الفلسطيني من مسرح الصراع، ذلك لان وجوده يعني وجود أزمة للسياسة الأمريكية في المنطقة، وما فتح أبواب الهجرة أمام الفلسطينيين إلى استراليا وكندا والدول الاسكندينافية، الا احد المؤشرات الهامة في هذ السياق.. والفلسطينيون اليوم، رغم تجاربهم المريرة يجدون متسعا من المناورة، فالعدو متعدد الوسائل وهجومه كاسح على الأمة، فيما حكامها يتلهون بالتنافه من المشاريع والسطحي من السياسة، وقد جعل كل منهم حاجزا بينه وهموم شعبه وأمته.. وليس تشاؤما ما نقول، بل انه يأس من كل أوضاع القائمة التي تتعامل مع الملف الفلسطيني.. وتفاؤلا بأن الله سيستبدلها بأوضاع أخرى أكثر صوابا ورشدا ويقينا..