افتتحت أمس بطرابلس القمة الثالثة بين إفريقيا والاتحاد الأوروبي تحت شعار «الاستثمار والنمو الاقتصادي»، وقد بدأت الأشغال بخطاب مطول للعقيد معمر القذافي تضمن انتقادات حادة لمنظمة التجارة العالمية والهيئات المالية الدولية، ويمثل الجزائر في القمة الرئيس «عبد العزيز بوتفليقة» الذي توجه إلى ليبيا أمس. طالب «القذافي»، في كلمته الافتتاحية، أوروبا "بالتعاون المتبادل الند بالند" مع إفريقيا، مشيرا إلى أن "هناك خيارات أخرى لإفريقيا كالصين والهند وأمريكا اللاتينية، أي وجهة أخرى تحترم إفريقيا، وليس لها أجندة في إفريقيا ونحن أمامنا قضايا دولية اقتصادية وغير اقتصادية، تحتاج إلى تعاون وتحالف لخلق عالم جديد خال من القرصنة والإرهاب، ونحاول أن يكون خاليا من المرض والجوع"، وأضاف "نحن نريد توازن المصالح بين الطرفين وأن نعمل من أجل المصلحة المتبادلة لا الاستغلال، وبعيدا عن استغلال إملاءات تخص التعددية والانتخابات والحكم الرشيد وحقوق الإنسان ولي اليد بغرض المساعدات". وعرج مضيف القمة على قضايا الإرهاب "نحن ندين الإرهاب ونريد أن نتحد ضده"، لكنه هاجم الغرب بالقول "حاملات الطائرات وكذلك الصواريخ هي إرهاب وكذا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية إرهاب، والقاعدة إرهاب، والقنبلة الذرية إرهاب وبن لادن إرهاب"، وطالب "تعاملوا مع إفريقيا ككتلة واحدة وليس بالتعاون مع الأقاليم كلا على حده، وهو ما أجهض التعاون مع أوروبا".
قمة طرابلس، التي تعتبر ثالث قمة تعقد منذ إطلاق آلية الشراكة بين القارتين الأفريقية والأوروبية، التي انبثقت عن مبادرة للاتحاد الأوروبي عام 2007، الرامية إلى تحقيق أهداف الألفية التنموية في إفريقيا، تعيد طرح نفس الإشكاليات التي تطغى على العلاقة بين أوروبا وإفريقيا، وهي إشكاليات أمنية وسياسية واقتصادية بالأساس، حيث بدأت الدول الأوروبية قبل ثلاث سنوات بالتركيز على المسائل التي تهمها أكثر وفي مقدمتها قضية الهجرة السرية، في حين أن الطرف الإفريقي كان يطالب بمعالجة البعد الاقتصادي للشراكة، ولا تزال الخلافات عميقة بين الطرفين، رغم أن المتابعين للقمة الحالية تحدثوا عن اعتماد وثيقة "إعلان طرابلس" التي ستصدر في ختام الأشغال وستكون بمثابة بداية مرحلة جديدة من التعاون بين القارتين، انطلاقا من خطة العمل المشتركة الثانية للفترة من سنة 2011 إلى سنة 2013. الاهتمام الأوروبي بإفريقيا يقوم على أساس تصور اقتصادي واستراتيجي، فالقارة غنية بالموارد المختلفة وفي مقدمتها مصادر الطاقة، وهي تمثل منطقة قريبة من الناحية الجغرافية إلى أوروبا وترتبط معها بروابط إنسانية معقدة تراكمت من خلال الاستعمار وموجات الهجرة نحو الشمال، وقد جاء الاهتمام الأوروبي انطلاقا من تصورات ذاتية تتعلق بالحسابات الإستراتيجية للاتحاد الأوربي، وضمن مساعيه لاحتلال موقع متقدم على الساحة العالمية وحرصه على تحقيق مزيد من الاستقلال بمناطق النفوذ وبالموارد عن الولاياتالمتحدةالأمريكية. أحد الأسباب الأساسية التي دفعت أوروبا إلى إقامة هذا الإطار، الذي لا يمكن تسميته بالشراكة، هو بروز الصين كفاعل أساسي على الساحة الإفريقية، حيث زادت الاستثمارات الصينية في القارة بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، كما حرصت بكين على تنفيذ مشاريع حيوية في مجال استكشاف واستغلال النفط، واستخراج المواد الأولية لتلبية حاجات اقتصادها الذي يسجل أكبر نسبة نمو في العالم، وأكثر من هذا فقد حرصت الصين على اتخاذ مواقف سياسية قريبة من الدول الإفريقية ومدافعة عن حقوق الدول النامية، وأنشأت إطارا للتشاور مع الدول الإفريقية من خلال عقد قمة إفريقيا والصين، وأعلنت عن تقديم مساعدات للدول الإفريقية الفقيرة فضلا عن توسيع الاستثمارات في القارة. وإلى جانب الصين، تحركت الهند في نفس الاتجاه، وهو ما يؤكد حرص القوى الاقتصادية الصاعدة على دخول السوق الإفريقية للاستفادة من الفرص التي توفرها ومن مزاياها حيث تنتفي الحواجز التي تغلق الأسواق الأوروبية والأمريكية وتجعل المنافسة فيها صعبة، وهناك البرازيل التي تسعى إلى قيادة أمريكا الجنوبية في علاقاتها مع إفريقيا، حيث تم عقد قمة إفريقية أمريكية جنوبية قبل عام من الآن في فنزويلا، غير أن النتائج العملية لم تظهر إلى حد الآن. ضعف الموقف الإفريقي يعود بالأساس إلى عدم انسجام مواقف الدول الإفريقية، وإذا كان القذافي يطالب الدول أوروبا بالتعامل مع إفريقيا ككتلة واحدة فإن هذه الدول لا تتعامل ككتلة، والعلاقات بين شمال إفريقيا وأوروبا مختلفة تماما، ولا يخفي الأوروبيين وخاصة فرنسا ودول جنوب المتوسط تركيزهم على دول شمال إفريقيا التي يعتبرونها مؤثرة بصفة مباشرة على أمن أوروبا. نقطة الضعف الأخرى التي تعاني منها إفريقيا هي غياب الحكم الراشد، ورغم الامتعاض الذي يبديه الأفارقة من الشروط السياسية التي يضعها الأوروبيون نظير تقديم المساعدة الاقتصادية، فإن تقارير الهيئات القارية تؤكد أن غياب الحكم الراشد هو أحد الأسباب التي تهدر فرص التنمية في القارة وتضعف موقعها التفاوضي في التعامل مع القوى العالمية الكبرى، كما أن انعدام الاستقرار السياسي لا يوفر الأجواء المناسبة للاستثمار وتطوير الاقتصاد وتحقيق الازدهار المنشود. قمة طرابلس قد لا تخرج بقرارات حاسمة لكنها ستبقي عين أوروبا على إفريقيا، وستستمر عملية رفع المطالب من الجانب الإفريقي ما دام هناك اهتمام من القوى الصاعدة بهذه القارة الغنية بشكل خطير.