تتخبط عاصمة البلاد في ظل فصل الشتاء الممطر في عدة مشاكل ترتبط أساسا بالإطار المعيشي كمشكل النقل، غياب النظافة، نقص الأمن، التجارة الموازية، ظروف طبيعية عرت للأسف حقيقية الكثير من المشاريع التنموية التي لم يراع في إنجاز هياكلها ومرافقها، أدنى المعايير المعمول، ويبقى مشكل النقل الذي ينغص حياة المواطن ويرهقها، أحد أهم هذه المشاكل فلا عدد المركبات كاف ولا محطات النقل تستجيب للشروط، لتتعقد الأمور أكثر مع الطرقات المتهرئة، التي زادت من حدة مشكل الازدحام، لتكتمل المعاناة أكثر مع سيارات النقل الخاص التي وعلى قلتها تستنزف جيوب المواطنين. وإضافة إلى المشاكل التي يعاني منها العاصميون والتي بدأت تتعقد أكثر خلال السنوات الأخيرة، تبقى المشاكل التي ترتبط بالنقل على رأسها، خاصة وأنها تتسبب في الكثير من المصاعب، التي تؤثر بشكل أو بآخر على السير الحسن لحياتهم العادية، فلا يوجد موضوع يطبع أحاديث الناس ويعكر أمزجتهم كل الوقت، خاصة مع مواعيد الالتحاق بالعمل والانصراف منه، إلا هذا المشكل الذي يتفاقم كل يوم، لاسيما أيام تهاطل الأمطار، التي تحول الكثير من الطرقات إلى برك والمحطات إلى مستنقعات، لتزداد الأمور سوءا، مع نهاية الأسبوع حيث لا تتوفر الغالبية من محطات النقل على الحد الأدنى من الخدمات، حتى مع حافلات النقل العمومي التي تتراجع خدماتها بشكل رهيب جدا، رغم رفع تسعيرة التذكرة ولتتحول في أغلب الأوقات إلى أشبه بملاعب كرة قدم، فيوم واحد بالعاصمة يجعلك تقف على حجم الكارثة التي يضيع معها الزمن بشكل رهيب جدا، وإياك أن تضبط هنا مواعيد أو تضع أجندة عمل، لأنها ستضيع حتما وسط الازدحام الكبير، الذي غذته أكثر قروض السيارات قبل أن تلغى، بعد أن فاق حجم حظيرة السيارات طاقة استيعاب الطرقات.
نقص في الكم وسوء في الخدمات يعتبر الكم والكيف المعيارين الأساسيين الذين نستطيع من خلالهما تقييم مختلف الخدمات المقدمة، ولو أردنا إلقاء نظرة ولو عابرة على هذا القطاع الحيوي من خلالهما، سواء بقطاع النقل العام أو حتى الخاص، على اعتبار أن نفس المشاكل تقريبا مطروحة بالقطاعين،مع بعض الفرو قات البسيطة جدا، لوجدنا أن الكل يشتكي من النقص الحاد في عدد المركبات، خاصة ببعض الخطوط التي يتزايد عليها الطلب، بشكل كبير جدا، كما هو الحال بمحطتي النقل «عيسات إيدير» بساحة1 ماي و"8 ماي 1945" بساحة الشهداء، التي تعاني فيهما بعض الخطوط، خاصة باتجاه بوزريعة، حيدرة، باب الزوار، من نقص كبير، خاصة في عدد الحافلات، على اعتبار أنها أصبحت وجهة المواطن الأولى في ظل انعدام البديل، فحتى سيارات النقل العمومي أو الخاص تعاني هي الأخرى وزيادة على مشكل نقص عدد الحافلات التسعيرة الباهظة التي لا تتحملها ميزانية الكثير من المواطنين، وإن كانت الأمور بالمناطق الكبيرة والمكتظة تفسر بكثرة الطلب وقلة العرض، فإن واقع بعض المناطق الأخرى، خاصة الريفية منها ليس أحسن حالا بتاتا، فالعجز واضح جدا، خاصة مع الطرق التي لم ينجز الكثير منها وحتى ما أنجز منها غير مهيأ تماما، ما جعل الكثير من السائقين يعزفون عن العمل بها ورغم محاولة مواطني بعض المناطق، إيجاد مخرج للمشكل، بتكليف البلدية بتخصيص ما يتناسب مع حاجيات السكان ومنح رخص عمل للشباب البطال الذي أبدى ترحيبه بالفكرة، خاصة وأنها ستساعده على الخروج من قوقعة البطالة، إلا أن السلطات المحلية، كما يؤكد السكان لم تكلف نفسها عناء البحث لإيجاد مخرج، مكتفية فقط بالوعود المعسولة التي طال أمدها، على حد قولهم. وفي ظل هذه المعطيات فإن المواطن يجد نفسه مجبرا على تغيير المحطة عدة مرات للوصول إلى وجهته، ما يتسبب في تأخر العمال عن مقرات عملهم والتلاميذ أو الطلبة عن مقاعد دراستهم، خاصة وأن خدمات حافلات النقل المدرسي أو الجامعي غير متاحة لجميع المناطق، وكنتيجة منطقية، فقد أثّر نقص عدد المركبات بدرجة كبيرة في نوعية الخدمات المقدمة، فالمواطن الذي ينتظر لساعات قدوم الحافلة، لا بد أن يدخل في معركة من أجل الظفر بمكان للوقوف لا بمقعد للجلوس والحافلة لا تتحرك إلا إذا امتلأت عن آخرها، فالقابض لا يتعامل مع المواطن إلا كقطعة نقدية وفي غياب ثقافة النقل عند المواطن، خاصة مع التخوف الكبير إن غادرت الحافلة ولن يجدي نفعا انتظاره للبديل، فإن الحافلة لا تقلع إلا في أسوأ حالاتها. في فصل الصيف ومع درجات الحرارة ومختلف الروائح يختنق المواطن وشتاء تزيد الأمور سوء، خاصة وأن المواطن مجبر على غلق النوافذ، إذا كانت الأمطار تتهاطل، ليدخل بعض المواطنين في صراعات كبيرة، فمن يجلس بمحاذاة النافذة يرفض فتحها، لأنه سيتبلل والباقي يطالب بضرورة فتحها، لأنه مع العدد الكبير للركاب فان الهواء، أصبح منعدما وما يسترعي الانتباه أن مشكل النقل بالعاصمة، عموما يعرف ذروته أيام هطول الأمطار، فمع مشكل الطرقات وقصر ساعات اليوم يفضل الكثير من السائقين، التوقف عن العمل مبكرا والأمر سيان مع حافلات النقل العام وحتى الخاص الذي اختفى من قاموسه العمل في كل الأوقات، تاركين المواطن الذي عجز حتى على إيجاد سيارة أجرة - و إن وجدها، فمضطر لدفع مبالغ مرتفعة، ينتظر الفرج في محطات نقل لا تستجيب لأدنى المعايير وأبسط الشروط. محطات النقل..اسم على غير مسمى تعاني الكثير من محطات النقل بالعاصمة على قلتها من عديد المشاكل، وكما يؤكد المواطنين فهي تصلح لكل شيء إلا لتكون محطات نقل وحتى المحطات الموجودة بأهم مناطق العاصمة لم تخلق الاستثناء، فالمواطن صيفا يضطر للانتظار فترة طويلة تحت أشعة شمس حارقة لا يتحملها حتى الجماد، بسبب قلة عدد الواقيات والتي حتى وإن وجدت فإنها لا تحميه أبدا، ليضطر الكثيرون إلى اللجوء إلى ظلال جدران المباني المحاذية للمحطة، ما تسبب في الكثير من المشاكل الصحية، خاصة للمسنين الذين لا يتحملون الوقوف كثيرا، أما شتاء فحدث ولا حرج، فالمواطن يجد نفسه ينتظر ولساعات تحت الأمطار، خاصة مع النقص الكبير في عدد الحافلات وهو لا يجد حتى مكانا للوقوف، فالمحطة تحولت إلى أشبه ما يكون بمستنقع، جراء تراكم المياه بالحفر الموجودة بها وحتى الواقيات وعلى قلتها لا تقدم أي خدمة للمواطن، لتزداد الأمور سوء مع نهاية الأسبوع، فكل السيناريوهات مطروحة، ففرحة المواطن بالازدحام الذي يفارق الطرقات، لن تستمر طويلا، لأن الحافلات تكون شبه منعدمة، خاصة يوم الجمعة وما يعقد الأمور أكثر، أن محطات الحافلات تتحول مع كل أمسية، خاصة مع نهاية الأسبوع إلى ملاعب كرة قدم، لمختلف الشرائح، حتى الكهول الذين يمارسون هوايتهم بأماكن خطرة ويجبرون حتى بعض الحافلات على مغادرة مكانها الذي حجزوه والأدهى، أن المكان يفقد الكثير من حرمته، بسبب الكلمات النابية والخادشة للحياء التي يتبادلونها على مرأى ومسمع رجال الأمن والسلطات المحلية التي لم تكلف نفسها حتى بحماية المكان وحماية مرتادي المحطة، ومن المظاهر التي باتت تطغى بشكل كبير على المكان وعلى عكس ما كان معمول به سابقا، بتخصيص محطة للنقل العام وأخرى للخاص، فإن الأمر اليوم تغيرت وأصبحت في الكثير من الأحيان محطة واحدة تجمعهم، رغم الاختلاف في التسعيرة، فمنذ الصائفة الماضية أقدمت مؤسسة النقل الحضري والشبه الحضري إلى رفع تسعيرتها بدعوى تحسين الخدمات، إلا أن المواطن يقول أن الخدمات زادت سوء، فمثلا الضريبة التي كان يدفعها المواطن في حالة عجزه عن التسديد أصبحت تقدر اليوم ب 200 دينار، بعد أن كانت لا تتجاوز 100 دينار، وحتى الخطوط التي لم تكن تعاني نقصا كبيرا، باتت تعيش إشكالا حقيقيا، فضلا عن مشكل التواصل بين المواطن وبين مراقبي حافلات النقل العمومي، الذين يتسم الكثير منهم بالطباع العدوانية، فالمواطن لا يجرأ في الكثير من الأحيان حتى على الاستفسار وإن حدث واحتج فالويل له. طرق مهترئة..ازدحام..مشاريع لا تنتهي من أكثر الأمور التي أصبحت تطبع يوميات العاصميين مؤخرا، مشكل السير والازدحام الكبير الذي تعرفه طرقاتها والذي يدفع العامل أو الطالب فاتورته غاليا جدا، مشكل يعرف أوجه خلال الساعات الأولى من الصباح أو منتصف النهار أو حتى مساء و لعل من أهم الأسباب، التي يفسر بها الخبراء هذا الواقع أن حظيرة السيارات بالعاصمة زادت بشكل كبير جدا خلال السنوات القليلة الماضية، بعد السياسة التي انتهجتها الدولة في ما يتعلق بقروض السيارات قبل تقرر إلغائها مؤخرا، فالطرق لم تعد تستوعب عدد المتزيد للسيارات، مشكل يتفاقم بشكل رهيب في فصل الشتاء، مع الوضعية الكارثية التي تعيشها معظم الطرقات التي تبقى أجزاء كبيرة منها غير مهيأة، رغم أنه لم تمض فترة طويلة على إنجازها، فكميات قليلة من الأمطار يمكن أن تحولها إلى أنهار وتسبب شللا حقيقيا في حركة السير، كما هو الحال بمنطقة «لا قلاسيار» التي تعتبر النقطة السوداء في حركة النقل بالعاصمة، خاصة في فصل الشتاء، ضف إلى ذلك أن مشاريع تعبيد الطرقات وتزفيتها وتهيئة الأرصفة، تباشر مع حلول فصل الخريف، رغم درايتها أن هذا الفصل مطير بالعاصمة، ليجد المواطن نفسه يعاني الأمرين، فالأشغال كثيرا ما تتوقف، ما يتسبب في تأخر إنجازها وحتى في تعطل حركة المرور والأدهى أن الجهات المعنية تضطر كل عام تقريبا إلى إصلاح نفس الطرقات، على اعتبار أن عملية إنجازها لا تكون على أسس صحيحة وسرعان ما تتعرض للتلف والتهديم، بمجرد مرور أشهر قليلة، لتذهب الملايين في مهب الريح، وكما يؤكد بعض السائقين أن مشكل الازدحام حاليا هو أكثر ما يؤرقهم وحتى من كان يحسن إيجاد مخرج يجنبه الطوابير الكبيرة من السيارات، فإته اليوم عاجز، لأن كل الطرقات أصبحت تعيش تقريبا نفس المشكل، وإذا كانت الأمور بهذا السوء في الظروف العادية فما بالك، كما يؤكد احد السائقين بأيام تهاطل الأمطار، أين تتوقف حركة السير بالكثير من المناطق، فمن الأفضل تجنب الخروج أصلا من المنزل، أو التوقف عن العمل مبكرا، كما قال. وفي انتظار أن يرى مشروع «الميترو»، ينتظره المواطن على أحر من الجمر ويمني نفسه بكثير من التفاؤل، أن يخلصه من مخالب مشكل النقل التي يتخبط فيه منذ سنوات، يبقى وحده يدفع هذه الفاتورة الباهظة، خاصة وأن لا آذان صاغية، لشكاويه العديدة التي تبقى في الكثير من الأحيان إما حبيسة الأدراج، أو مأواها سلة المهملات.