(تابع).. ولذلك كله لما رأيت الطيف مرة أخرى في حالة من حالات النوم، وبعد أن ظهر على مرمى بصري، إتّجهت نحوه بسرعة فائقة، والفرحة ملء الفؤاد والعيون. ولكن.. لما اقتربت منه انمحت ملامحه، وعزبت صورة تلك المرأة تماما عن لحظي. فنظرت يمينا وشمالا.. وفي كل اتجاه، فلم أجد أمارة تُصرِّح عنها..، أو معْلما قد.. يومئ إليها. رُحت أجري.. وأركض دون دليل أو هداية، وأرمي في ذات الوقت ببصري في كلّ حدب وصوب. ولكن من دون فائدة..! كان البصر يرجع في كل مرة كاسفا يائسا، في حالة من الإرهاق والحسرة والإحباط. !! فرجعت إلى ما اعتقدت بأنه المكان الأول الذي ظهر فيه. وكنت..، أثناء ذلك، أجُرُّ أشواقي بلهفة وحنين.. وأثناء صراعي مع دوامة اليأس.. إذا بها تتبدى من مكان مرتفع.. فوق جبل عظيم، رفيع.. كانت صاحبة الطيف، تمد يديها نحوي، من هذا الارتفاع الشاهق. كان كل شيء فيها يمتد نحوي.. !ويُناديني، ولأول مرةٍ باسمي.! وكان كل شيء أيضا ينادي: حتى شعرها (العابث مع النسيم..) وحتى أثوابها (الراقصة مثل لحن متموج رخيم.. ) الكلّ يُنادي.. توجهت نحوها، وشرعت في تسلِّق الجبل. ورغم وعورته، ورغم الجهد المُضني الذي كنت أبذله، صمدْت وواصلت الصعود بحماس شديد. ولكن .. واأسفاه..! ففي غمرة ذلك.. وفي طرفة عين تدحرجت قدماي، فسقطت من على السرير. !! كان ذلك التدحرج.. والسقوط.. إيذانا بنهاية ذلك الحلم المتكرر الجميل، كما كان إعلانا قويا لبدء واقع جديد، وعهد ثقيل. على كلٍّ.. فبعد أن لملمت أشتات نفسي واستحضرت إدراكي للمحيط من حولي. هرولت نحو التمثال.. ربما ليطمئن قلبي..! وجدته كما هو.. ببسمته المعهودة التي قد تُخفي الخبث والدهاء، ولا تظهر سوى السحر والبهاء.. تعوذت من الشر الشيطان الرجيم، ومن شر غاسق إذا وقب.. وعدت إلى النوم، بعد محاولات لجمع ما ضاع من أجزاء النفس، وتركيز ما تبعثر من الأفكار. وبعد وقتٍ غير محدد عُدت إلى مملكة الكرى صاغرا ذليلا. وفي الصباح، ما إنْ كشفت السماء عن وجهها المضيء.. استيقظت وطعم الأحلام يلهو بالمشاعر والأحاسيس، والتساؤلات تقتحم أبواب الفكر بلا سلام ولا استئذان. فقد أصبحت، كما يبدو، مثل شاطئ تصفعه الأمواج متى يحلو لها..! * * * ولكن هل انتهى الحلم.. ؟وهل انقطع الوهم ؟لا، والله ..فقد تكررت الأيام، وتوالت الليالي، ولم ينقطع تيار الأحلام..!!حتى اشتد عليّ الحال، وصرت من فرط ذلك " كتائه في القفار أو كباك بالأسحار".اشتد حزني.. وتراكمت مخاوفي وأشواقي. أصبحت أشتاق إلى الليل وأخافه، أهرب منه وأتعجله. ثم بعد ذلك بدأت أفقد لذة العمل.وتمادى الأمر على هذا المنوال حتى تركت العمل نهائيا. وبعد ذلك، استوحشت عالم الناس، وقبعت في زاوية الحياة.. في بيتي.. أجتر الأحلام المذهلة الغريبة..!! بدأت أعتقد أن التمثال يتكلم ويسمع ويرى.ووقر في قلبي أن الجّن قد استحوذ عليه، أو عليّ.. ليمكر بي، ويتلاعب بأعصابي.ترسّخ هذا الاعتقاد في نفسي، فطالبت الجن.. أو التمثال أن ينطق، وأن يكفَّ عني عبثه. و ألاَّ يستحوذ على عقلي عندما أفقِد قواي أثناء النوم.ولكنّه أبى، ولم ينبس ببنت شفة.عند ذلك، رجوتُه أن يبوح بسرِّه المكنون في صخره..ولكن باءت محاولاتي بالفشل.. وأضحى رجائي من دون جدوى..