حرص الرئيس بوتفليقة على استغلال مشاركته في قمة مجموعة الثمانية، بصفته أحد القادة المؤسسين للنيباد، على إبلاغ رسالة واضحة للدول الكبرى أكد من خلالها رفض التدخل الأجنبي في القارة الإفريقية، ومن خلال ذلك شرح دور الجزائر الإقليمي ودافع عنه. تبنى الرئيس خطابا هادئا في قمة دوفيل التي عقدت يومي الخميس والجمعة الماضيين، وقد حرص على التأكيد على أهمية الشراكة مع الدول الكبرى من أجل الحفاظ على السلم والأمن في إفريقيا، سواء تعلق الأمر بحل النزاعات أو مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتجارة المخدرات وتجارة البشر، وقد بنى موقف الجزائر على أساس الإقرار بالمساهمة الإيجابية لهذه الشراكة : "في تعزيز قدرات الاتحاد الإفريقي، وخاصة في إقامة هيئته المكلفة بالسلم والأمن"، وأن الدول الكبرى نفسها أقرت المبدأ الذي تقوم عليه هذه الشراكة وهو "مبدأ اضطلاع إفريقيا بتسوية مشاكلها بنفسها، وهذا ضمن تصور مفتوح على الحوار الدائم وعلى التشاور"، وعلى هذا الأساس فإن المطلوب هو توسيع هذه الشراكة من أجل مواجهة "التحديات التي يطرحها الإرهاب والجريمة المنظمة والمتاجرة بالمخدرات والأسلحة". الشراكة التي تحدث عنها بوتفليقة يجب أن تتحدد أهدافها على النحو التالي: "يكفي إفريقيا أن يمدها شركاؤها على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف بالدعم المالي واللوجيستي والسياسي المواتي لتنجح نجاحا تاما وفعالا في التكفل بمهمتها المتمثلة في إيجاد حلول إفريقية لمشاكلها، وعلى الأممالمتحدة والقوى غير الإفريقية أن تتصور دورها، أولا وقبل كل شيء كعنصر دعم للقيادة الإفريقية في مجال السلم والأمن بالقارة"، وهو يعتبر أن القارة استطاعت، وبفضل الشراكة مع الدول الكبرى مرة أخرى، أن تكتسب التجربة والكفاءة التي تمكنها من مواجهة هذه التحديات الأمنية، ولعل الرئيس أراد تقديم دور إفريقيا في حل مشاكلها بنفسها على أنه إعفاء للدول الكبرى من التدخل المباشر الذي أصبح مكلفا من الناحية المالية والسياسية للحكومات الغربية فضلا عن كونه غير مأمون العواقب وقد يتحول إلى مشكلة أكثر تعقيدا من المشكلة الأًصلية التي كان يستهدف معالجتها كما حدث في حالات كثيرة في إفريقيا وخارجها. الحديث عن الوضع في إفريقيا وما يجب أن تكون عليه الشراكة بينها وبين الدول الكبرى كان مدخلا لتمرير رسائل واضحة بخصوص الدور الإقليمي للجزائر في المنطقة، فقد أكد على أن الشراكة في مجال السلم والأمن يحكمها "العقد التأسيسي للاتحاد الإفريقي واعتراف ميثاق منظمة الأممالمتحدة بدور المنظمات الجهوية في مجال السلم والأمن، كل في ما حوله من فضاء"، وهو أمر سعت إفريقيا إلى تجسيده من خلال "إنشاء الهيكل الإفريقي للسلم والأمن وإضفاء الطابع العملياتي عليه، وفي تعدد المبادرات الإفريقية المحضة من أجل ترقية تسوية الخلافات والنزاعات بالطرق السلمية"، وفي هذا الإطار يضع بوتفليقة التحركات التي قادتها الجزائر في الساحل الذي تسعى دوله إلى "تطوير تعاون مدمج في مجالات السلم والأمن والاستقرار، قائم على المسؤولية الفردية والجماعية، النابعة من مبدأ تملك إفريقيا إستراتيجيتها الخاصة في مجال السلم والأمن والتنمية المكرس من قبل الاتحاد الإفريقي والشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا (نيباد)"، وفصل أكثر بالإشارة إلى "أن التعاون في مجال محاربة الإرهاب والنشاطات غير القانونية اللصيقة به قد تمت مباشرته بالفعل، من خلال آليات التشاور السياسي أولا، ثم من خلال إقامة اللجنة المشتركة لقيادات الأركان وتكثيف التنسيق بين مصالح الاستعلام"، وهذا يعني في النهاية وضع كل ما تقوم به الجزائر ضمن التنسيق القائم بين دول المنطقة، والذي يبقى خاضعا للمبادئ التي تحكم دور المنظمات الإقليمية. هذا الرد يبدو مهما من جانب الجزائر التي شككت بعض الدول الغربية في نواياها عندما قادت التنسيق الإقليمي في مواجهة تصاعد الأخطار الإرهابية، ولم يشأ الرئيس أن يذكر الأزمة الليبية بطريقة مباشرة رغم أنها كانت ضمن القضايا التي درستها قمة دوفيل، ولعل ذلك يعود بالأساس إلى إدراكه للتحول الحاصل في مواقف الدول الكبرى من هذه المسألة، فروسيا لم تعترض ولم تتحفظ على البيان الختامي للقمة الذي اعتبر أن نظام العقيد القذافي فقد شرعيته وأنه حان وقت رحيله، لكن في مقابل هذا تحدث الرئيس عن المبادئ التي يجب أن تحكم حل النزاعات في إفريقيا والتي تغلق الباب في وجه التدخل الأجنبي، وحتى الحملة العسكرية على ليبيا لم تذكر وهو ما يعني أن الجزائر لا تريد أن تتحمل الكلفة السياسية التي قد تترتب عن موقف قد يبدو مساندا للقذافي في هذه الفترة بالذات التي يترنح فيها نظامه ويفقد فيه آخر مسانديه على الساحة الدولية وفي مقدمتهم روسيا. الموقف المتزن الذي تبناه الرئيس بوتفليقة يمزج بين الحرص على تعزيز الشراكة مع الدول الكبرى، وبين النزعة الاستقلالية التي طبعت الدبلوماسية الجزائرية منذ الاستقلال، والأهم من هذا أنه أكد على طبيعة الدور الإقليمي للجزائر الذي يبقى بعيدا عن توجهات الهيمنة التي تحدثت عنها بعض الدول الأوروبية والإفريقية التي ارتابت من قيادة الجزائر للجهود الإقليمية في مكافحة الإرهاب، وهذا التقديم المفصل للموقف الجزائري وتمريره على أساس تطابقه مع توجهات الاتحاد الإفريقي ومع مبادئ الأممالمتحدة، يمثل عملا دبلوماسيا وسياسيا مهما لدعم الخطوات العملية التي تم التوصل إليها مع دول الساحل، ولطمأنة الدول الغربية وحتى بعض الدول المجاورة.