توقع وزير الخارجية مراد مدلسي أن تكون إعادة فتح الحدود البرية بين الجزائر والمغرب تتويجا للانتعاش الذي تشهده العلاقات الجزائرية المغربية خلال الأشهر الماضية، ويبدو هذا التتويج قريبا بحسب التصريحات الأخيرة التي أدلى بها مسؤولي البلدين. في حوار نشرته الجريدة الإلكترونية “كل شيء عن الجزائر” أمس قال الوزير «مدلسي» إن الجزائر والمغرب قاما “خلال الأشهر الأخيرة بتعزيز العلاقات الثنائية من خلال تبادل الزيارات الوزارية في القطاعات الاستراتيجية مثل الموارد المائية والطاقة والزراعة وغيرها، وسوف تسمح لنا هذه الديناميكية البناءة برفع مستوى التعاون بيننا لكي يصل لتطلعات شعبينا اللذين هما متحدين بفضل التاريخ وكذا تحديات المستقبل”، وهذه إشارة إلى الزيارات المتبادلة التي تمت بين الطرفين خلال السنتين الأخيرتين رغم بعض التوتر الذي ظل يطبع العلاقات على المستوى السياسي بسبب قضية الصحراء الغربية تحديدا. الحديث عن إمكانية فتح الحدود كان قد جاء على لسان وزير الخارجية المغربي الطيب الفاسي الفهري بعد لقائه مدلسي في الرباط على هامش اجتماع عربي تركي، وقد كشف الوزير المغربي حينها عن وجود اتفاق جزائري مغربي على أعلى مستوى بين البلدين من أجل تطبيع العلاقات، وتتضمن المنهجية المتفق عليها البدء بتبادل الزيارات، وحل المسائل العالقة، وإعادة بعث اتحاد المغرب العربي، وقد عاد مدلسي إلى التذكير بنتائج مباحثاته مع نظيره المغربي قائلا: “خلال محادثاتنا الأخيرة مع وزير خارجية المغرب،الطيب الفاسي الفهري، رحبنا بالنتائج الإيجابية لهذه الديناميكية واتفقنا على زيادة وتيرة هذه الزيارات وتوسيعها لتشمل قطاعات أخرى ذات أولوية كما اتفقنا على تعزيز الحوار السياسي من خلال مشاورات منتظمة لتحسين التنسيق في القضايا ذات الاهتمام المشترك وخصوصا إعادة تنشيط هياكل وإعادة بعث اتحاد المغرب العربي”، وكان ضمن ما تم الاتفاق الدعوة إلى عقد اجتماع لرؤساء وزراء الاتحاد المغاربي قريبا. ورغم أن الجزائر كانت في السابق حريصة على عدم التطرق إلى مسألة إعادة فتح الحدود المغلقة منذ سنة 1994 فإن مدلسي تعمد هذه المرة أن يترك الباب مفتوحا أمام هذا الاحتمال عندما قال: ” ستكون مسألة إعادة فتح الحدود نوعا ما تتويجا لجهذا العمل المحدد الذي باشرناه سويا”، وهو ما يوحي بأن هذه الخطوة باتت قريبة، حيث كانت الجزائر قد رفضت في السابق الذهاب نحو إعادة فتح الحدود كمقدمة لتطبيع العلاقات بين البلدين، وكانت تؤكد على أن هذه الخطوة ستكون تتويجا لعملية شاملة لإعادة بناء العلاقات بين البلدين وحل كل القضايا الخلافية القائمة بينهما. الرؤية الجزائرية تقوم في على نظرة شاملة لعلاقات البلدين، فقد كان فتح الحدود البرية بين البلدين في نهاية ثمانينيات القرن الماضي قد كشف كثيرا من الأخطاء في تسيير علاقات البلدين على كل المستويات، حيث بدت العلاقات بين الطرفين غير متوازنة، حيث جنت المملكة فوائد اقتصادية في حين تضررت الجزائر بسبب تهريب المواد الأساسية المدعومة من قبل الدولة، وحتى الاتحاد المغاربي بدا وكأنه يخدم مصالح بعض الأعضاء على حساب أعضاء آخرين، وهذه الوضعية هي التي رفضت الجزائر العودة إليها وأصرت على مراجعة شاملة للعلاقات بين البلدين بما يسمح ببناء أسس متينة تجعل هذه العلاقات في منأى عن الهزات مستقبلا. الضغط الخارجي لعب هو الآخر دورا في تسريع التقارب بين البلدين، فالولايات المتحدةالأمريكية ترى أن التحديات الأمنية في المنطقة تتطلب تقاربا بين البلدين، وخاصة بعد تصاعد المخاطر الإرهابية في منطقة الساحل،وترغب واشنطن في بناء منطقة مستقرة في شمال إفريقيا خاصة بعد التحولات التي شهدتها تونس ومصر وبعدها ليبيا، وقد أشار مسؤولون أمريكيون صراحة إلى أن التقارب الجزائري المغربي أصبح مطلبا أساسيا من أجل ضمان أمن واستقرار هذه المنطقة الحيوية بالنسبة لأمريكا وأوروبا. موضوع الخلاف الأساسي الذي ظل يعيق تطبيع العلاقات بين البلدين الجارين هو مسألة الصحراء الغربية، ويبدو أن الرباط اقتنعت أخيرا بضرورة إبقاء هذه المسألة بعيدة عن العلاقات الثنائية، وهذا الموقف كان المغرب قد تبناه في أواخر أيام الملك الراحل الحسن الثاني حيث كانت العلاقة بين الجزائروالرباط مرشحة لتحقيق اختراق كبير، وقد استمر التقارب إلى الأشهر الأولى من حكم الملك محمد السادس الذي تولى الأمر بعد وفاة والده في شهر جويلية من سنة 1999، وكان وزير الداخلية المغربي الراحل إدريس البصري، وهو من أبرز وزراء الحسن الثاني قد أكد في تصريحات آنذاك بأنه لن يسمح في المستقبل لقضية الصحراء الغربية أن تسمم العلاقات بين البلدين، غير أنه تم استبعاد البصري بعد ذلك بفترة وجيزة، وتبنى الملك وجهة نظر بعض المستشارين النافذين في القصر الذين أعادوا العلاقات بين البلدين إلى نقطة الصفر من خلال ربطها بالقضية الصحراوية التي كانت ولا تزال تعالج على مستوى منظمة الأممالمتحدة، وقد أضاعت تلك الانتكاسة على البلدين عقدا كاملا كان يمكن أن تشهد فيها العلاقات على مختلف المستويات تطورات كبيرة، وقد يكون التخلي عن ربط التطبيع مع الجزائر بتغيير موقفها من قضية الصحراء الغربية قد جاء تحت ضغط الحاجات الاقتصادية المتزايدة وتعقيدات الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية التي أثرت بشكل مباشر على الاقتصاد المغربي.