تتوالى تصريحات المسؤولين المغاربة والجزائريين بخصوص المساعي الجارية لتنقية أجواء العلاقة بين البلدين، فقد عاد وزير الخارجية المغربي إلى التأكيد على رغبة الرباط في تطبيع العلاقات والعمل من أجل إعادة فتح الحدود البرية بينهما، في حين تحل اليوم بالجزائر وزيرة الطاقة المغربية في زيارة رسمية تدوم يومين. قبل هذا كان وزير الخارجية مراد مدلسي قد أكد أن الجزائر والمغرب يبذلان جهودا من أجل خلق ''جو إيجابي جديد'' يساهم في تفعيل وتنشيط العلاقات بين البلدين، وكان ذلك تصديقا لتصريحات كان أطلقها وزير الخارجية المغربي وقال فيها إن هناك اتصالات بين البلدين على أعلى مستوى من أجل تحسين العلاقات، ولعل زيارة الوزيرة المغربية للطاقة أمينة بن خضرة والتي تشمل محادثات مع وزير الطاقة يوسف يوسفي وزيارة لحاسي الرمل وغرداية تمثل إشارة قوية على هذه المساعي التي تهدف إلى تجاوز حالة الفتور السائدة في العلاقات الثنائية منذ سنوات. حديث الرباط عن التطبيع مع الجزائر بقي مرتبطا بمسألتين أساسيتين، الأولى هي الدعوة إلى تسريع الاندماج الاقتصادي بين دول المنطقة، والثانية هي الهدف المرجو من التطبيع وهو فتح الحدود البرية المغلقة منذ سنة 1994، وهو ما يعني أن الرؤية المغربية لم تتغير من حيث الجوهر، بل إن تأكيد الرباط على أن قضية الصحراء الغربية لا تحتمل أي حل خارج إطار مبادرة الحكم الذاتي المغربية يشير إلى أن الأمر قد يكون له علاقة بحسابات اقتصادية، غير أن التطورات الجارية إقليميا تدفع باتجاه البحث عن بدائل أخرى من أجل مواجهة احتمالات الانفجار الاجتماعي والذي قد يأخذ بعدا سياسيا كما تشير إليه الأوضاع في المملكة. قبل قرابة أسبوعين كان وزير الخارجية المغربي قد قال في حصة خاصة على القناة المغربية الأولى "إن أعداء وحدة أراضي المغرب ربما يستخدمون الاضطرابات الشعبية التي تعرفها بعض الدول العربية لدفع جداول أعمالهم قدما" وأضاف أن "ما تتطلع البوليساريو والجزائر لفعله هو خلق بعض الفوضى في المنطقة"، ومزج الطيب الفاسي الفهري بين هذه الاتهامات وبين دعوته الجزائر إعادة فتح الحدود، مشيرا إلى وجود قنوات اتصال مع الجزائريين الذين دعاهم إلى طي صفحة الماضي والتركيز على التعاون الاقتصادي وتحقيق الاندماج المغاربي، والغريب أن تلك التصريحات جاءت في نفس الوقت الذي كانت تجري فيه الاتصالات رفيعة المستوى بين البلدين، وهو ما يعيد طرح التساؤلات حول ما تأمله المملكة حقا من مساعي التطبيع. التحامل على الجزائر بدا كجزء من خطة حكومة الرباط لاحتواء تحركات الشارع المغربي الذي يبدو أنه تأثر بما جرى في تونس ومصر، حيث عقد الفهري اجتماعا، وصفته الصحافة المغربية بالنادر الأسبوع الماضي مع زعماء الكتل السياسية الرئيسية استباقا لمسيرة 20 فيفري لشبان مغاربة للمطالبة بإصلاحات دستورية ونظام قضائي مستقل، وقد بدأت الاحتجاجات تأخذ منحى يقلق القصر بسبب توسعها إلى مختلف المدن المغربية . الدعوة إلى الاحتجاج في المغرب بدأت تجد استجابة واسعة في أوساط الشعب المغربي الذي يعاني من ظروف معيشية صعبة، فقد أثرت الأزمة المالية العالمية بشكل كبير على الاقتصاد المغربي، وكانت النتيجة أن شهدت البلاد موجات من الاحتجاجات والإضرابات، وهناك مخاوف جدية من احتمال طرح مواقف راديكالية قد تصل إلى حد المطالبة بتغيير النظام السياسي من خلال تقليص صلاحيات الملك والتوجه نحو نظام تعود فيه السلطة كاملة للشعب من خلال البرلمان والمجالس المنتخبة على أن يبقى الملك مجرد رمز لا يتدخل في إدارة شؤون البلاد بشكل مباشر، وتطرح هذه الفكرة منذ سنوات. والحاصل أن الطرف المغربي يعتقد أن إعادة فتح الحدود مع الجزائر سيمثل متنفسا للاقتصاد المغربي الذي تأثر بالأزمة العالمية، وسيسمح بتحسين الأوضاع الاجتماعية لسكان المناطق الحدودية التي ازدهرت عندما فتحت الحدود في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، ولم يعد الأمر اقتصاديا خالصا بل هو يرتبط بشكل مباشر بالاستقرار الداخلي للملكة التي لا تملك الإمكانات المالية التي تجعلها قادرة على الاستجابة بشكل فوري للمطالب الاجتماعية للمغاربة، وبالنظر إلى التجارب التي حدثت في تونس ومصر وحتى في ليبيا أصبح واضحا أن هذه المطالب الاجتماعية يمكن أن تكون الشرارة الأولى التي تشعل الاحتجاجات ليتحول الأمر فيما بعد إلى انتفاضة شعبية تريد الإطاحة بالنظام بشكل كامل. السؤال الذي يطرح الآن هو عن الثمن الذي يمكن أن تدفعه المملكة من أجل تسريع عملية التطبيع وإعادة فتح الحدود، فالوضع الحالي ينذر بتراجع التعبئة الوطنية التي طالما سعى القصر إلى تحقيقها من خلال استعمال سياسي لملف الصحراء الغربية، وإصرار الرباط على القول بأن الحكم الذاتي هو الحل الوحيد قد لا يخدم تنقية الأجواء بين البلدين في هذه المرحلة، إلا أن احتمالا آخر يبقى قائما وهو إمكانية التوصل إلى توافق حول ترك ملف الصحراء الغربية جانبا والعمل على القضايا الثنائية، وقد يكون هذا بداية لتغير موقف الرباط التي بدأت تتحدث بشكل أكثر جدية عن المفاوضات.