تتزايد المؤشرات على إمكانية لجوء الدول الغربية بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى شن هجوم عسكري على سوريا من أجل إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد بحجة استعمال السلاح الكيماوي وهو ما تعتبره واشنطن خطا أحمرا . لم تظهر نتائج التحقيقات بعد في الهجوم الذي تعرضت له منطقة الغوطة الشرقية في ريف دمشق والذي يعتقد أنه نفذ بصواريخ مزودة برؤوس محملة بغار السارين، غير أن الاتهامات لنظام دمشق لا تتوقف، وبالنسبة للولايات المتحدة وفرنسا تحديدا فإن الأدلة تتراكم لتؤكد أن الجيش السوري كان وراء الهجوم الذي خلف مئات القتلى كثير منهم مدنيون، غير أن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، الذي تتحمس بلاده لاتخاذ موقف حاسم لإنهاء حكم الرئيس الأسد، قال أمس بأن القرار لم يتخذ بعد بخصوص القيام بعمل عسكري في سوريا. استعمال السلاح الكيماوي ليس حجة جديدة، فقد تم تداول هذه التهمة من قبل القوى المعادية لدمشق خلال الأشهر الماضية، غير أن روسيا التي تمثل الحليف الأقوى لسوريا قدمت أدلة تثبت أن المعارضة استعملت السلاح الكيمياوي ضد القوات الحكومية، وبدت مسألة الأدلة هذه وكأنها أوراق سياسية تتنازعها أيدي اللاعبين الأساسيين على الساحة السورية والدولية، وشكل الهجوم الذي حدث الأسبوع الماضي تحولا كبيرا عندما قضى مئات السوريين اختناقا بالغاز، غير أن حكومة دمشق فندت ادعاءات المعارضة وقالت إن حدوث الهجوم في وقت كان فيه خبراء الأممالمتحدة يباشرون التحقيق في استعمال السلاح الكيميائي يشير إلى أن أطرافا أخرى هي التي لجأت إلى تنفيذ هذا الهجوم. والحقيقة أن السلاح الكيمياوي هو تفصيل في مسألة التدخل العسكري في سوريا، فقد سبق للولايات المتحدة والدول الغربية المتحالفة معها أن بادرت بالاستعداد لهذه العمليات من خلال نشر قوات لها في الأردن، ولعل اجتماع قادة أركان جيوش هذه الدول في الأردن هو آخر حلقات هذه الاستعدادات، وفضلا عن الدول الغربية فإن إسرائيل تبدو مستعدة لكل الاحتمالات وهي تضغط في اتجاه عمل عسكري ضد سوريا يقلب موازين القزى رأسا على عقب. خيار التدخل العسكري بدأ يطرح بجدية قبل أشهر من الآن عندما استعاد الجيش السوري زمام المبادرة واستعاد مدينة القصير وبدأ يزحف على مواقع المعارضة المسلحة، وحينها بدت المعارضة المسلحة غير قادرة على إسقاط النظام بالقوة، وأكثر من هذا مع مرور الوقت فقدت الدول الغربية الثقة في المعارضة التي تسلل إلى صفوفها آلاف المقاتلين المتطرفين من الأجانب، وهو السبب الرئيس في استبعاد خيار تسليح المعارضة رغم أن ميزان القوى كان يختل بشكل كبير لصالح حكومة دمشق، لكن رغم ذلك رفضت الدول الغربية أن يعقد مؤتمر جنيف 2 في ظل الظروف التي صنعتها المكاسب الميدانية للجيش السوري، وقد ظلت السياسة المتبعة قائمة على انتظار حدوث تحول نوعي في موازين القوى من أجل إرغام نظام الأسد على تقديم مزيد من التنازلات. المعطيات التي تتجمع منذ فترة توحي بأن خيار عملية عسكرية أصبح مطروحا بجدية أكبر، وهو خيار مرتبط بحسابات إقليمية في المقام الأول، فالولاياتالمتحدة وإسرائيل تريدان إضعاف الجيش السوري إلى درجة تزيد معها احتمالات سقوط النظام قريبا، وهذا الخيار بدأ يفرض نفسه بعد أن تقوى محور دمشقطهران وحزب الله والذي حقق مكاسب على أرض المعركة، كما أن فشل محاولات الزج بحزب الله في صراعات داخل لبنان أظهر أن الترتيبات الإقليمية التي تريد كل من أمريكا وإسرائيل فرضها غير ممكنة التجسيد دون عملية عسكرية ضد النظام في دمشق، ويضاف إلى هذا الحماس الإسرائيلي لهذا الخيار والذي يعود في جزء منه إلى السعي إلى تدمير السلاح السوري خشية أن يحصل عليه حزب الله أو قوى معادية، وقد كان الحديث عن السلاح الكيمياوي بدأ أولا من تل أبيب وهو يسمع بقوة منها الآن. كل هذه المؤشرات التي تدفع باتجاه خيار الحرب على سوريا تقابلها معطيات قد تكبح الحركة الغربية، فالتدخل عسكريا في سوريا سيكون صعبا من الناحية العملية، فالتجربة الأمريكية الفاشلة في العراق وأفغانستان دفعت بإدارة أوباما إلى إسقاط خيار الغزو بالشكل الذي حدث في العراق سنة 2003، كما أن التهديدات باتساع رقعة المعركة إقليميا، والكلفة الاقتصادية الكبيرة التي قد تنجم عن ارتفاع كبير في أسعار النفط، فضلا عن تشويه إسرائيل للمعارضة السورية في حال مشاركتها في أي عمل ضد سوريا، وهو أمر مؤكد بصرف النظر عن صيغة المشاركة، وهو ما سيجعل الحرب تصب في غير صالح مشروع تغيير النظام بالطريقة التي تريدها القوى الغربية. بين التدخل وعدمه قد يلوح خيار ثالث، ويقوم على القيام بعمل عسكري محدود يستهدف بعض المواقع التي تدعي القوى الغربية أنها تحوي أسلحة كيمياوية، وقد تشمل العملية العسكرية مهمات تنفذها قوات خاصة على الأرض دون أن تكون هناك حاجة لقوات برية كبيرة تبقى وقتا طويلا داخل الأراضي السورية، وسيكون الهدف هو تصحيح التوازن المختل بين الجيش السوري والمعارضة المسلحة بما يوفر ظروفا جديدة لانعقاد مؤتمر جنيف 2 الذي يصر الإبراهيمي على القول بأن إمكانية عقده لا تزال قائمة، وفي كل هذا لا يبدو أن القوى الغربية ستتجه نحو فتح مواجهة مع روسيا وإيران بشكل مباشر، رغم أن موسكو قالت بأنها لن تقاتل في سوريا في حال حدوث حرب، لكن هذا لا يعني أنها لن تقدم أسلحة متطورة قد تصعب مهمه الغربيين وقد تصل إلى حزب الله أيضا. حتى وإن كانت العملية العسكرية التي بدأت تلوح في الأفق ستبقى محدودة فإنها تبقي احتمالات الانزلاق نحو فوضى إقليمية قائمة، ومع وجود نحو مائة ألف مقاتل أجنبي في سوريا خارج السيطرة قد تكون هذه الفوضى قاتلة للأطراف التي تريد إطلاقها.