ما الذي قاله الرئيس «بوتفليقة» حتى يصفه «مدني مزراق» بالمخادع وبأنه لم يف بوعده؟ حسب ما يعرف كل الجزائريين فإن موقف «بوتفليقة»، بصفته رئيسا للجمهورية أو مرشحا لمنصب الرئاسة، لم يتغير أبدا من المصالحة الوطنية، بل إن مشروعه كان واضح المعالم منذ سنة 1999 وقد تدرّج في تطبيقه عبر مرحلتين أساسيتين، حيث جاء في الأولى بقانون الوئام المدني واعتمد في الثانية ميثاق السلم والمصالحة، وفي الحالتين عاد إلى الشعب الذي زكى المشروع بدون مواربة، والمشروع له خطوط حمر يعرفها الجميع، وحتى «مدني مزراق» يُقرّ بأن الرئيس نبه إلى هذه الخطوط الحمر. لقد تحدث «بوتفليقة» بوصفه مسؤولا في المقام الأول، وهو بكل تأكيد لا يمكنه أن يخون عهد الشعب الجزائري لإرضاء فئة أخطأت وأصرّت على الخطيئة وهي اليوم تطالب بالمزيد، فقد كان الشعب الجزائري شجاعا إلى أبعد الحدود عندما سمح بعودة هؤلاء الذين ارتكبوا جرما مشهودا في حقه، وتجاوز الجزائريون حدود الكرم عندما احتضنوا إخوانهم الذين انحرفوا عن جادة الصواب، ومع ذلك فإن كثيرا من الضحايا وذويهم كان يعتصرهم الألم وهم يُقدّمون هذه التضحية من أجل الجزائر لا من أجل شخص أو جماعة. لم يقل «بوتفليقة» أكثر مما يعتقده الشعب الجزائري، فهو لم يشأ أن يداهن أو أن يتخذ موقفا وسطا مراعاة لمصلحة انتخابية بل اتخذ الموقف الصحيح رغم أنه قد يُغضب أكثر من جهة وقد يكون له ثمنه الانتخابي، وعندما يتحدث «مزراق» عن المصالحة ومحتواها فالأجدر به أن يعود إلى الميثاق الذي زكاه الشعب الجزائري، فهو المرجعية الوحيدة المعتمدة في هذا المجال، والمخادع هو من يحاول أن يمارس الابتزاز في المناسبات الانتخابية. لقد طُوي ملف الأزمة في الجزائر، ولا يمكن تجاوز ما أقَرّه الشعب في ميثاق السلم والمصالحة ورفض عودة المتسببين في الأزمة إلى الساحة السياسية، والأمر هنا لا يخص «بوتفليقة» وحده بل يخص الشعب الجزائري ودولته والمسألة بكل تأكيد فوق كل الحسابات الانتخابات.