هناك تحرك سريع من عالَم يعتمد على الاقتصاد الوطني الذي يمكن أن ينعزل عن الآخرين من خلال القيود على التجارة والاستثمار، وبوجود محددات المسافة والوقت واللغة، والاختلافات الوطنية في التشريعات الحكومية والثقافة وأنظمة الأعمال، إلى عالم تتناقص فيه القيود على التجارة والاستثمار، وتتضاءل فيه المسافات بسبب التقدم في تقنيات النقل والاتصالات. بدأت الثقافة المادية تبدو متماثلة عبر العالم، واندمجت الاقتصاديات الوطنية في نظام اقتصادي عالمي متكامل معتمد بعضه على البعض الآخر العملية التي يشار إليها بالعولمة، وهذا العالم الجديد مثير للمديرين وينطوي على التحدي، فلقد غيّرت العولمة جوهرياً البيئة التي يواجهها المديرون، وزادت من الفرص والتهديدات، وأوجدت حالات جديدة من اللاتأكد أكثر صعوبة في التقليل منها أو رقابتها. عملية العولمة تُعد العولمة عملية تصبح بموجبها الاقتصاديات الوطنية وأنظمة الأعمال مرتبطة مع بعضها بعمق، ويتحرك العالم بعيداً عن اقتصاديات وطنية مستقلة نسبياً باتجاه نظام عالمي واحد، لقد تسارعت عملية العولمة بشكل كبير منذ الثمانينات من القرن الماضي، وكانت هناك ثلاثة أسباب رئيسة تقف وراء ذلك نتناولها بشيء من التفصيل في الفقرات الآتية: انتشار الأنظمة المعتمدة على السوق نجد في اقتصاد السوق كما هو الحال في الولاياتالمتحدةالأمريكية أن معظم منظمات الأعمال مملوكة للقطاع الخاص وعلى العكس في دول أخرى تكون مملوكة للدولة، وتتحدد الأسعار في اقتصاد السوق في ظل العرض والطلب، والتدخل الحكومي محدود لضمان حرية المنافسة وعدالتها، ولا يُحقق النظام نتائج تُعد غير مقبولة من المجتمع مثل ظروف عمل سيئة، وإعلانات كاذبة، وتلوث صناعي ضار، لقد كانت أغلب دول العالم إلى عهد قريب تعيش في ظل الاقتصاديات الاشتراكية حيث تمتلك الدولة معظم منظمات الأعمال، ويحظر على القطاع الخاص الدخول في أنشطة صناعية وتجارية معيّنة والأسعار تحددها الدولة، وكانت الجهات المركزية المعنية بالتخطيط تحدد ما الذي يُنتج؟ وما هي كميته؟ ومَن يقوم بذلك؟ وكان هذا الحال في الصين وروسيا ومعظم أوربا الشرقية مثلاً وفي اقتصاديات بلدان أخرى كالهند والبرازيل وبريطانيا والسويد كانت الدولة تهيمن على العديد من القطاعات الاقتصادية، في بريطانيا وقبل حوالي 30 سنة مثلاً كانت الشركات الحكومية تسيطر على صناعة الحديد، وصناعة السفن، واستخراج الفحم، النقل وخدمات الاتصالات السلكية واللاسلكي، إن التحول نحو الأنظمة المعتمدة على السوق يستند إلى 4 عناصر؛ خصخصة المؤسسات الحكومية، تجزئة الاحتكارات المملوكة للدولة سابقاً، إلغاء قيود تنظيم السوق، وإنشاء نظام قانوني يدعم القطاع الخاص ويحمي حقوق الملكية ففي البرازيل مثلاً تمت خصخصة قطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية المملوك للدولة، وتجزأ إلى 12 شركة منفصلة تتنافس فيما بينها، وسمحت الحكومة للشركات الأجنبية بالدخول إلى السوق البرازيلي. وإجمالاً فإن التحول العالمي نحو أنظمة الاقتصاد المعتمد على السوق قد ساهم في دعم العولمة، حيث أن هذه الأنظمة أكثر انفتاحاً أمام الاستثمارات الأجنبية والتجارة العالمية بالموازنة مع الاقتصاد الاشتراكي، أضف إلى ذلك أن تحول الاقتصاديات الصين والهند مثلاً إلى أنظمة أكثر انفتاحاً قد أوجد الكثير من الفرص والتهديدات لاقتصاديات العالم الغربي، وأصبحت الصين بشكل خاص محور نمو الاقتصاديات العالمية، فهي سوق رئيس للعديد من الاستيراد ومصدّر للصادرات الكثيرة. انحسار القيود أمام التجارة والاستثمار إن الفكرة الأساسية في أنظمة الاقتصاد المعتمدة على السوق هي الاعتقاد بأن إزالة القيود أمام التجارة الدولية مثل بيع شركة «Boeing»طائرات إلى شركة الخطوط الجوية اليابانية والاستثمار الأجنبي المباشر مثل بناء شركة «Ford» مصنعاً للسيارات في روسيا، تحقق أفضل المصالح لجميع الشعوب التي تشترك في نظام الاقتصاد العالمي، وتتخذ قيود التجارة شكلين رئيسين: - التعريفات، وهي ضرائب على الاستيرادات، مما يرفع من أسعارها ويجعلها أقل جاذبية. - الحصص، وهي المحددات لعدد المواد التي يمكن استيرادها. انخفاض كلف الاتصالات والنقل حصلت عبر السنوات الثلاثين الأخيرة تطورات هائلة في الاتصالات من خلال الأقمار الصناعية والألياف الضوئية والتقنيات اللاسلكية فضلاً عن الانترنيت، وتراجعت كلف الاتصالات العالمية مما أدى إلى تخفيض كلف التنسيق والرقابة في المنظمات العالمية مثلاً ما بين 1930 - 1990 تراوحت كلفة مكالمة هاتفية لمدة 3 دقائق بين لندنونيويورك بحدود 244.65 دولار إلى 3.32 دولار، وكانت في العام 1998 فقط 36 سنتاً للجمهور وأقل من ذلك لمنظمات الأعمال، كما أن كلفة المكالمات الدولية عبر الانترنيت لا تتجاوز سنتات قليلة لكل دقيقة، ومن جانب آخر كان عدد مستخدمي الشبكة العنكبوتية العالمية في العام 1995 بحدود 50 مليون شخص، وأصبح العدد 1.47 مليار في العام 2007 أي حوالي ربع سكان الأرض، فضلاً عن أن حجم التجارة عبر الانترنيت كان 657 مليار دولار في العام 2000 وقد وصل إلى 6.8 تريليون دولار في العام 2004، وفضلاً عن التطورات في تقنية الاتصالات ظهرت منذ خمسينيات القرن الماضي ابتكارات عديدة في تقنية النقل مثل الطائرات التجارية النفاثة والناقلات العملاقة والنقل بالحاويات، مما انعكس على تخفيض الكلف والوقت. تطبيقات العولمة كانت تطبيقات الاتجاهات آنفة الذكر عميقة، فقد أدّت تلك الاتجاهات إلى ارتفاع كبير في حجم التجارة العالمية والاستثمار الأجنبي المباشر، فقد تضاعف حجم التجارة العالمية 26 مرة ما بين 1970 - 2004، وزادت الاستثمارات الأجنبية المباشرة من 25 مليار دولار سنة 1975 إلى 1.3 تريليون سنة 2000 قبل أن يحصل تراجع سنة 2005 حيث بلغت حوالي 900 مليار دولار، وهناك أرقام مثيرة، ولكن ماذا تعني للشركات ومديريها؟ إنها تشير إلى أن عولمة الإنتاج أمر جيد، وأن عولمة الأسواق بدأت تتحقق، وأن التقدم في التقنية يمكن أن ييسر هذه الاتجاهات، والنتيجة أن البيئة التي يواجهها مديرو اليوم تختلف جذرياً عن تلك التي كان الجيل السابق منهم يواجهها. عولمة الإنتاج تشير عولمة الإنتاج إلى الحصول على السلع والخدمات من مواقع حول الكرة الأرضية للحصول على ميزة الاختلافات الوطنية في كلفة وجودة عوامل الإنتاج(مثل العمل، الطاقة، الأرض ورأس المال، وتأمل الشركات عند قيامها بذلك تخفيض كلفها الإجمالية، وتحسين الجودة، وبما يمكّنها من المنافسة بفاعلية أكثر، فمثلاً تصنع شركة «Boeing»الأمريكية طائرتها من طراز 777 ولكن هناك ثمان شركات يابانية تصنّع لها بعض الأجزاء مثل جسم الطائرة، الأبواب والأجنحة، وهناك مجهزون آخرون في سنغافورة وإيطاليا وبلدان أخرى يصنعون بعض الأجزاء، وبالنتيجة فإن حوالي 30% من أجزاء الطائرة تصنع خارج أمريكا، إن مثل هؤلاء المجهزين هم الأفضل في العالم في مجالات عملهم، وهذه الشبكة منهم تُؤدي إلى أن يكون المنتَج أفضل، مما يعزز من الميزة التنافسية للشركة. عولمة الأسواق تشير عولمة الأسواق إلى دمج المسافات والأسواق الوطنية المنتشرة في سوق عالمي ضخم واحد، وقد ساهم انحسار القيود أمام التجارة الدولية في أن يكون البيع دولياً أسهل. وكان هناك جدل في وقت سابق بأن أذواق المستهلكين في البلدان المختلفة وتفضيلاتهم قد بدأت تتقارب مما يساعد على تكوين السوق العالمي، ومن الأمثلة على هذا الاتجاه مشروبات Coca-Cola الغازية. إن الشركات المتماثلة في العديد من الأسواق العالمية غالباً ما تواجه بعضها البعض كمنافسين في أسواقها المحلية أولاً، فشركتا Coca-Cola و Pepsi تتنافسان عالمياً، وهما شركتان أمريكيتان كما تتنافس شركة Toyota اليابانية مع شركة Ford الأمريكية. التقنية: الميسّر الرئيس كما مرَّ آنفاً، وبسبب الابتكارات التقنية فإن الكلف الواقعية لمعالجة المعلومات والاتصالات قد انخفضت بشكل كبير، وقد مكّنت هذه التطورات المديرين من تكوين نظام إنتاج منتشر عالمياً، وإدارته، فضلاً عن تسهيل عولمة الإنتاج، وأصبحت شبكة الاتصالات العالمية أساسية للعديد من شركات الأعمال الدولية، فمثلاً تستخدم شركة «Dell» للحاسبات الانترنيت لتنسيق ورقابة نظام إنتاجها المنتشر عالمياً، ويُعد الانترنيت قوة رئيسة في تيسير تجارة الخدمات الدولية، فمثلاً يمكن إرسال فحوص الرنين المغناطيسي النووي للبروتون التي تجريها مستشفى في بلد ليتم تحليلها في بلد آخر، وبالإضافة إلى عولمة الإنتاج تيسّر الابتكارات التقنية أيضاً عولمة الأسواق، فمثلاً تساعد الكلف المنخفضة لشبكات الاتصال العالمية على تكوين السوق العالمي الإلكتروني، فضلاً عن أن النقل غير المكلف قد جعل من الاقتصادي أكثر شحن السلع حول العالم، وبالنتيجة المساعدة في إنشاء السوق العالمي، فمثلاً وبسبب الكلفة المنخفضة نسبياً للنقل الجوي فإن الزهور التي تنمو في الإكوادور بأمريكا الجنوبية يمكن قطفها وبيعها في نيويورك خلال 24 ساعة وهي لا تزال طرية، مما أنشأ صناعة الزهور في الإكوادور التي لم تكن موجودة قبل 20 سنة، وأصبح البلد الآن أحد المجهزين في السوق العالمية. القيود على العولمة على الرغم من الطبيعة التاريخية للاتجاهات التي وردت آنفاً، علينا أن نكون حذرين في المغالاة في أهميتها، فالعولمة ليست أمراً حتمياً، ويمكن أن تكون هناك عوامل تعيق تقدّم الإنتاج والتسويق من أن يصبحا عالميين، وهذه المعوقات تحدد قدرة المديرين على نشر فعاليات الإنتاج في مواقع حول العالم يمكن فيها تحقيق الكلفة الأقل، فضلاً عن قدرتهم على التعامل مع العالم بالكامل كسوق متجانس واحد. التدابير المضادة من أنصار الحماية ليس من المضمون أن تستمر المسيرة العالمية نحو أنظمة الاقتصاد المعتمدة على السوق في ظل القيود على التجارة والاستثمار العالميين أو بدونها، والتاريخ مليء بحالات النقض بعيداَ عن الاتجاهات المتقدمة، لقد كانت الانطلاقة الأولى للتجارة العالمية المعاصرة في أواخر ال19 وبداية القرن ال20 وقد وصلت نهايتها من خلال سياسات أنصار الحماية في بلدان التجارة الرئيسة خلال العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، والتي أدت إلى ركود التجارة الدولية، وحصول الكساد الاقتصادي المشهور في ذلك الوقت، ويمكن أن يتكرر الأمر ثانية، فالعديد من السياسيين والمعلّقين الإعلاميين يناقشون بأن التجارة الدولية تدمّر الوظائف، وأن توريد الإنتاج إلى البلدان الأجنبية يشبه تصدير الوظائف، كما ويقترحون أن العولمة يمكن أن تكون ترويجاً لسباق نحو الهاوية، مع مستويات أجور متراجعة في البلدان المتقدمة.