توصف الأخلاق بالعفوية حين يكون الإنسان سلس الطباع، خافض الجناح، بعيداً عن التكلف ومآخذه، وفي رواية ل«البخاري» "إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِليَّ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاَقاً"، وعند «الطبراني» وغيره "إن أحبكم إلي أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون"، وعند «الترمذي» "وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِليّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ، قَالَ: الْمُتَكَبِّرُون"، والثرثار هو كثير الكلام، والمتفيهقون، فسره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث نفسه بأنهم المتكبرون، وفي اللغة أن المتفيهق هو الذي يملأ فمه بالكلام ويتوسع فيه تكبراً وتكثراً وارتفاعاً على الناس ووإظهاراً لفضله، فالاعتدال العفوي مطلب لضبط أخلاق الناس العامة وإجرائها على سنن الفطرة الأخلاقية، ففي خلق الكرم والضيافة على سبيل المثال؛ تكلف الكرم والسخاء والعطاء والمبالغة في ذلك يثقل على النفس، كما أن الشح والبخل وقلة المبالاة توغر الصدر وتوحي بقلة الاهتمام والتقدير، وقد بوب «البخاري» في صحيحه باب "صنع الطعام والتكلف للضيف"، وساق أحاديث عن ضيافة الصحابة بعضهم لبعض وساق قصة «سلمان» و«أبي الدرداء» رضي الله عنه، مما يدل على أن إكرام الضيف مرغوب فيه، شريطة عدم المشقة على المضيف أو حصول الضرر والإسراف، وإلا فقد جاء في القرآن الكريم في قصة «إبراهيم» عليه السلام "فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ"، وكانوا عدداً قليلاً يكفيهم أقل من هذا، وخلق الكرم يختلف أيضاً من شخص لآخر، ومن عصر لعصر، وما قد يعد كرما في مجتمع قد يكون بخلا وشحا في غيره، ومن التكلف في الخلق وعدم العفوية، إظهار بعض الناس الوقار وصرامة القسمات، وتجهم المحيّا وعدم الالتفات وتكلف الترسم في الأشكال والمظاهر، والعفوية أن يصدر الإنسان عن طبعه ولا ينجرّ معه إلى نهايته، وإنما يهذّب خفته بشيء من وقار ويهذّب وقاره بشيء من خفه، قال الإمام «الشافعي» إن الانبساط مع الناس مجلبة لقرناء السوء، والانقباض عنهم سبب للعداوة، فكن بين ذلك، ولذلك قال «ابن الأعرابي» "المعرفة كلها الاعتراف بالجهل والتصوف كله ترك الفضول، والزهد كله أخذ ما لا بد منه والمعاملة كلها استعمال الأولى فالأولى والرضا كله ترك الاعتراض، والعافية كلها سقوط التكلف بلا تكلف".