انتفخت أوداجي وأنا أنفض غبار السنين فشكل ضبابة لامست العناكب المتأرجحة في زوايا الجدران القديمة فيها تقبع "جنيات" أحب إحداهن، بدأ صدره يعلو ويهبط حتى تقطر العرق من جبينه، شاب يبحث عن ضالته كيف سيسقط وجواده لم يسرج بعد، تذكر أن ضالته هجرت البيوت القديمة، وسكنت الكهف الذي تغطيه سحابة سوداء. وقف حائراً من أمره لا يدري ما العمل. سمع صوتاً يتلاشى مع الأثير: - آه.. يا صاح!.. كم أنت معذب!؟. - ما أدراك؟. - بح لي بما يعذبك... كنت أبحث عن صديقي لأشاركه البوح فقلت: - نعم.. ذات يوم ابتسمت لي إحدى جنيات البيوت القديمة... بعد أن قدمت لي وردة. - ما هذه؟.. - وثيقة حب أبدية. وانصرفت كالسراب. كانت تخرج من الجدار بزي ترثي كلما طلبتها، تنبثق كماء نبع في جرف، لها حضور كحضور الومضة، كنت أصغي إلى صوت فيروز. - يا قدس.. يا مدينة الصلاة. حين قالت: - تعال لنذهب إلى البيارات حيث العصافير. - علام؟. - لنصغي إلى حكايات العصافير، وجداتهن حيث ينشدن خريف العمر وفي أصواتهن بحة ناي حزين. فانطلقنا إلى حيث أحبت... وسمعت الغناء، لكن كان في حلوقهن حشرجة الاحتضار.. فأدركت أن بين بنات الجن وبنات الإنس تناقض، ولما اجتاحني العجب قالت: - لا تنس الاندماج بين الورد والنحل. هزّ صديقي رأسه: - ألم أقل أنك المعذب؟. - من سرى في صلبه دم الإنسان عليه أن يعشق ويسجل اسمه في سجلات القمر... القمر قاض.. يعاتب كل من لا يعشق... أولاً يعيش لقضية. فأدركت أن اسمي وصل كوكب القمر... وقلت كلاماً أضاء الليل، ولم أقل إلا الصدق، لكن الجنية ضاعت في أزقة القدس، وأضعت الأثر وأدركت أن الشرائع قالت: - حين تذبل زهرة يجب أن تموت نحلة. تأتى لسمعي صوت فيروز: - يا زهرة المدائن يا قدس. فسألت قافلة النوق وقبائل الفجر: - ما رأيكم بالتمرد على الموت... أومأت للأحرف أن تتحالف معي.. وللرجال أن تتكلم والعاصفة أن ترغي وتزبد، وحين الاقتراع جاء الجواب: