هيأ الله تعالى لعباده من المناسبات العظيمة التي تصقل الإيمان في القلوب وتحرك المشاعر الفياضة في النفوس الفرص الكثيرة، ومن أجلّ هذه المناسبات زمنا وأعظمها قدرا وأبعدها أثرا مناسبة شهر رمضان الكريم الذي نرتوي من نميره ونرتشف من رحيقه، هو شهر مضاعفة الحسنات ورفعة الدرجات ومغفرة الذنوب والسيئات وإقالة العثرات، حيث فيه تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتصفد الشياطين، ومن صامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه كما صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث روى «أبو هريرة» رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من صام إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، وفي حديث آخر "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين"، فهي إذا فرصة عظيمة ومناسبة كريمة تصفو فيها النفوس وتهفو إليها الأرواح وتكثر فيها دواعي الخير، وتفتح الجنات وتتنزل الرحمات وترفع الدرجات وتغفر الزّلات، وفي رمضان يعيش المسلمون التهجّد والتراويح والذكر والتسبيح، وفيه تكثر التلاوة والصلوات والصدقات والأذكار والدعوات والضراعة والابتهالات، وفي الصيام تحقيق للتقوى وامتثال لأمر الله وقهر الهوى وتقوية للإرادة وتهيئة للمسلم لمواقف التضحية والفداء والشهادة، كما أن به تتحقق الوحدة والمحبة والإخاء والألفة، حيث يشعر فيه المسلم بشعور المحتاجين ويحس بجوع الجائعين، والصيام مدرسة للبذل والجود والصلة، فهو معين الأخلاق ورافد الرحمة، من صام حقا صفت روحه ورقّ قلبه وصلحت نفسه وجاشت مشاعره وأرهفت أحاسيسه ولانت عريكته، فما أجدر الأمة الإسلامية اليوم أن تقوم بدورها فتحاسب نفسها عند حلول شهرها، وما أحوجها إلا استلهام حكم الصيام والإفادة من معطياته والنهل من معين ثمراته وخيراته.