قمة الشباب الافريقي بإثيوبيا: سانحة للمرافعة حول مختلف القضايا التي تهم إفريقيا    الجامعة العربية تدعو الى ضرورة نشر ثقافة التسامح واحترام حقوق الإنسان لبناء السلام    نص قانون المالية 2025: تعزيز الاقتصاد الوطني وتحسين الاطار المعيشي للمواطنين    بلعريبي يتفقد تقدم أشغال إنجاز المقر الجديد لوزارة السكن والعمران والمدينة    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 43799 شهيدا و 103601 مصابا    الاتحادية الجزائرية للمصارعة المشتركة: إعادة انتخاب حمزة دغدغ على رأس الاتحادية    كان-2025/ الجزائر-ليبيريا : إعفاء رامز زروقي من تربص "الخضر" بسبب تراكم البطاقات    الجزائر- بريطانيا: لقاء بمجلس اللوردات حول الشراكة الثنائية    مجلس الأمن يعقد جلسة الاثنين القادم بعنوان "إنهاء الحرب وتأمين السلام الدائم في الشرق الأوسط"    الجزائر العاصمة: 13 جريحا في حادث انحراف حافلة لنقل العمال    غرداية: 9 مخططات توجيهية للتهيئة والتعمير لفائدة الولاية    تصفيات كأس إفريقيا للأمم 2025/الجزائر- ليبيريا: تصريحات اللاعبين الجزائريين في المنطقة المختلطة    الصالون الدولي للكتاب: ندوة تاريخية حول الثورة الجزائرية في الكتابات العربية والعالمية    غزّة.. ثلاثية القتل والجوع والنزوح    الخدمات الطبية ستتدعم بعمليات تضامنية مع النازحين في لبنان    صديق الثورة فيلار رافائيل لوك يوارى الثرى بتيزي وزو    اجتماع تنسيقي للوفد البرلماني المشارك في مؤتمر المناخ بأذربيجان    هذه استراتيجية الحكومة لكبح جنون الأسعار    الخضر يُواصلون مسيرة اللاهزيمة    تعاون جزائري نيوزيلندي في الصيد البحري    المحكمة الدستورية في اجتماع القضاء الدستوري بأرمينيا    كريكو تستقبل وزيرة صحراوية    عِناية رئاسية بالرياضة العسكرية    لاناب .. حضور بارز في صالون الكتاب    الفقيد حمل من زاد العائلة التيجانية المباركة وإشعاعها الروحي    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    توقيع بروتوكول اتفاق في مجالي الجيولوجيا والمناجم    العدوان الصهيوني على غزة إبادة جماعية    توقيف 12 مطلوبا لدى الجهات القضائية    13 حافلة للتكفل بتلاميذ كل الأحياء    سكنات حي "الثوار" مهددة بالانهيار    أجندات أجنبية أضعفت دور الاتحاد الإفريقي في القضية الصحراوية    نتبنى استراتيجية تعزز قيم التعاون والتنافس الرياضي الشريف    "الصفراء" وشبيبة تيارت للاقتراب من الريادة    صدور ديوان "تحيا فلسطينا"    وطنيتي دفعت بي إلى ترجمة أعمال روسية عن الأمير إلى العربية    "الفاف" تنسف الخطط المخزنية وتضمن مقعدا في "تنفيذي الكاف"    إصلاحات الرئيس تبون ترفع من دخل الأسر خلال 5 سنوات    الصيدلي يلعب دورا محوريا في اليقظة الاستراتيجية للدواء    الرئيس يعزّي الشيخ سيدي علي بلعرابي    مجلس اللغة العربية يقدم آخر إصداراته    صادي على عتبة المكتب التنفيذي    وزارة الخارجية تكذّب    عرقاب يستقبل أوزسليك    وهران: أكثر من 400 مشارك في الأيام الدولية الثامنة للطب الفيزيائي و إعادة التأهيل    القضية الصحراوية : الناشطان السويديان يستأنفان رحلتهما بالدراجة انطلاقا من الجزائر العاصمة نحو مخيمات اللاجئين    صالون الكتاب: التأكيد على مكانة الأدب الجزائري في المشهد العربي بالجزائر العاصمة    حوادث المرور: وفاة 5 أشخاص واصابة 264 آخرين بجروح خلال ال24 ساعة الماضية    رئيس المجلس الأعلى للشباب يشارك في قمة الشباب الافريقي بأديس أبابا    مجموعة من الطلبة الجامعيين في زيارة بيداغوجية إلى مقر المجلس الشعبي الوطني    انطلاق أشغال المؤتمر الوطني ال8 للفدرالية الجزائرية للصيدلة    اليوم العالمي للسكري: تنظيم أنشطة تحسيسية وفحوصات طبية طوعية بأدرار    إطلاق حملات تحسيسية حول الكشف المبكر لمرض السكري    الأمل في الله.. إيمان وحياة    الجهاد في سبيل الله    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صدى "صناعة الإنسان" وضجيج الأمكنة!
خالد سالم السالم

في إحدى المدن العربية، قرأت على أحد أسوارها عبارة "الإنسان قبل المكان"، والتفتُّ حولي بعدها فلم أجد غير الجمادات تُسجل حضورا قوياً وباهرا، وضاع الإنسان المقصود في زحام المكان بين أضخم سوق وأطول برج وأعلى فندق، وحتى أكبر حقيبة وأضخم طبق في العالم، وتوارى الشاعِر والعالِم والمُثقف والمُبدِع والكاتِب والفنَّان عن الأنظار. لقد توارى المُنجَز الإنساني تماماً واختفى خلف أطنان الحديد والإسمنت، وهي حالة عامة، لا تخص مدينة عربية بعينها، بل يشهدها ويئن من تبعاتها بشكلٍ أو بآخر كل قُطرٍ عربي.
الإنسان إجمالاً، إما غائب أو مُغيَّب عن صُلب التنمية، والتركيز ينصب دائماً على صناعة أشياء هامشية، تقل في أهميتها عن "صناعة الإنسان"؛ أهم المصادر والثروات قيمة وأنفس الأصول وأدومها أثرا، لقد أضحى بناء فندق أو شق طريق أو تسمية شارع جديد يمثل قمّة ما نصبو إليه حضاريا. إننا نتكلم عن تنمية مستدامة وعن حضارة آتية، وننسى أهم أركانها وشروطها -على توافره- وهو الإنسان؛ العنصر الرئيس والمنتج الحقيقي لأي حضارة، إلى أن وصلنا عربياً إلى حالة تثير الشفقة، فأصبحنا نستورد حتى الإنسان "الآخَر" ليصنع ويكتب ويرسم ويخطط ويبني نيابةً عنّا، بل حتى ليلعب كرة القدم ويركض باسمنا في المسابقات الدولية!
وحتى في الجانب اللغوي "صناعة الكلام"، وهي أفخر صناعات العرب على الإطلاق، أصبحنا نتعلم العربية، رمز ثقافتنا الأول ولغة ديننا، ونبحث عن أعلى الدرجات العلمية فيها من جامعات ومعاهد غربية على يد مستشرقين أعاجِم! ولا أعتقد أن هناك مؤشرا على مدى انحدار مستوانا الحضاري أكثر وضوحاً من هذا!
لقد أتينا بلا شك أمراً إِذا، ولا أدري ما الذي يمنع أمتنا من الإبداع العلمي والتقدم، أهو خلل جيني أم علة نفسية أم سلوكية تأبى التطوّر وتكافح التعلم والإنتاج، فعند الإمعان والتأمل في تاريخنا، نجد أن أغلب الذين أسسوا مجموعة من أهم العلوم والفنون في حضارتنا هم من غير العرب، ف«سيبويه» أسس النحو أساس العربية، و«الجرجاني» كان أباً لعلم البلاغة والبيان و«البخاري» و«النسائي» و«البيهقي» برعوا في جمع السنة النبوية المطهرة، والإمام «الذهبي» أبدع في التراجم والسَّيِر، و«محمد بن جرير الطبري» كان إماماً للمفسرين والمؤرخين، أما في العلوم والطب، فحدث ولا حرج، فأمثال «الخوارزمي» و«الفارابي» و«ابن سينا» و«أبو بكر الرازي» وغيرهم كُثر، أكثر من أن يحصيهم هذا المقال، فهل انشغل العرب منذ ذلك الوقت بصراعات دائمة ومماحكات غير مجدية تتعلق بالسلطة والسياسة والمال وزهدوا في العِلم والإنتاج، ليتفرغ لها غير العرب من المسلمين! ولا يزال «المتنبي» وهو أفضل من يمثل الشخصية العربية على مر العصور شاهداً ليروي لنا كيف فقدنا أهم رموز أدبنا في صراع سياسي تافه!
إن الحاضر لا يزال امتدادا للماضي، فالعربي المعاصر الذي يتباهى بالآلة اليابانية والحياكة الإنجليزية، هو نفسه العربي القديم في تباهيه بالمُهَنَّد (سيف الهند) وصنائع الروم والفرس!
عربي اليوم لا يختلف كثيراً عن عربي الأمس في موقفه من الإنتاج، وإن اختلفت الأزمان والأسباب.
التاريخ لا يسر كثيرا، ولا أعتقد أن الحاضر أفضل حالاً، لأن الإنسان لا يزال، كاستثمار، في آخر الاهتمامات. اليوم، دولة صغيرة مثل سنغافورة، توازي مساحتها تقريباً مساحة البحرين، دخلها القومي السنوي وحدها يساوي تقريباً دخل خمس دول عربية مجتمعة، أما هولندا، الدولة التي تبلغ مساحتها نصف مساحة الأردن أو أقل، ففاز 17 من مواطنيها بجائزة «نوبل» في فروع الكيمياء والفيزياء والاقتصاد، وكان نصيب الدولة العبرية 5 جوائز في فرعي الكيمياء والاقتصاد، آخر هذه الجوائز كان من نصيب «عادا يوناث»، من معهد «وايزمان» للعلوم، في فرع الكيمياء لهذا العام، أما نصيب العرب مجتمعين من جوائز «نوبل» في الفروع نفسها فلم يتجاوز -إلى الآن الرقم 1 (للعالِم «أحمد زويل» بالجنسية الأمريكية، وسُجَّل الإنجاز لمصر مناصفة مع الدولة مانحة الجنسية)، أما على صعيد الإنتاجية، فالنتائج مُحبطة، فمتوسط إنتاجية الموظف العام في دولة عربية مثل مصر يتراوح بين 30 و45‏ دقيقة يوميا، أي أن كل موظف يخصص ما متوسطه 8 بالمائة فقط من ساعات العمل الرسمي للإنتاج، بينما يخصص الموظف في الدول المتقدمة صناعياً‏ 70 إلى 85 بالمائة من ساعات عمله للإنتاج الفعلي!
لقد أهملنا أنفسنا وأمتنا بإهمال العِلم وتطبيقاته في الصناعة والحياة، ولم نرفع من شأنه، فلم يرتفع شأننا، وأصبحنا نراوح حضارياً بين الصفر وما دونه، حتى بتنا عالة على العالَم، نقف على هامش الحضارة، نستهلك كل شيء، من الإبرة إلى الصاروخ، ولا نُنتِجُ للعالَم إلا صخباً وضجيجاً.. فمتى نُوقِف الضجيج، ونُسمِع العالَم شَدْو حضارتنا واستثماراتنا الإنسانية؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.